الموت كأس محتومة يشربها كل مخلوق كما قال الله تعالى {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص 88) {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (الرحمن 26 - 27). لقد غيَّب هذا الموت منذ أيام رجلاً كريماً وجيهاً هو والدنا الشيخ (صالح بن محمد الحماد) - رحمه الله تعالى - الذي ستبقى ذكراه محفورة في قلوبنا لمآثره الطيبة فقد عمّر - رحمه الله - طويلاً إذ تجاوز عمره المائة عام قضاها عابداً زاهداً متعلقاً قلبه بالمسجد مكثراً لتلاوة القرآن الكريم مكثراً للعمرة مع كرمٍ وبذلٍ للمعروف وسيفقده فقراء كانوا يترددون إليه فيعطيهم ويواسيهم. وإذا الكريم مضى وولى عمره كفل الثناء له بعمر ثانٍ امتاز - رحمه الله - بسعة البال والحلم ولين الجانب - وأكرم بها من صفات فقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران 159). وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأشج عبد قيس في حديث الوفد: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة) رواه مسلم. لذلك كان أبناء فقيدنا وأحفاده وأسباطه وأقرباؤه وأحباؤه يجتمعون إليه ويحتويهم بعطفه وحنانه وحكمته وقلبه الكبير وأقول لكل هؤلاء: (إنَّ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌ عنده بأجلٍ مسمى فلتصبروا ولتحتسبوا)، لقد عمل فقيدنا - رحمه الله - في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم كلّفه سماحة الشيخ صالح الخريصي رئيس محاكم القصيم سابقاً - رحمه الله - بإمامة جامع بلدة الغماس والخطابة فيه فترة من الزمن ثم أصبح إماماً لمسجدهم المجاور لبيته ومزرعته: أم هل درى ناعيه ان الدين والتقوى ونشر العدل أولُ ما نهى ولقد كنت أتردد إليه في أوقات متباعدة للسلام عليه ولأستمتع بحديثه العذب عن أخبار عصره وعن بريدة وجوامعها وعلمائها وأسوارها وحروبها وسلمها وعن معيشة أهلها سابقاً وكنت أجد نفسي أمام رجلٍ قوي الشخصية بصيرٍ في أمور الناس وأحوالهم فذاكرته تحمل تاريخ ثلاثة أجيال. إن الحديث عن الفقيد الشيخ صالح الحماد - رحمه الله - حديث عن الطيبة والنبل والمآثر الخالدة وستبقى ذكراه العطرة ماثلة للناس في أبنائه البررة وأحفاده الكرام الذين تخرجوا من مدرسة هذا الأب الفاضل فمضوا على نهج والدهم وساروا على طريقه فسابقوا في الخير وعلى رأسهم ابنه البار الشهم الألمعي الذكي رجل المروءة والأيادي البيضاء فضيلة الشيخ عبدالله بن صالح الحماد مدير عام فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في منطقة حائل. أكرم به من أبٍ شاعت مناقبه في الناس واشتهرتْ بالجود إعلانا نعى النعاة فضجوا بالنعيِّ له فأورثوا القلب أشجاناً وأحزانا فاذهب فأيُّ ضريحٍ أنت ساكنه ترى التراب به روحاً وريحانا ولم يمت من بنوه سادةٌ نجبٌ لمّا بنى مجدهم شادوه اتقانا اللهم اغفر لوالدنا أبي إبراهيم وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوّر له فيه. اللهم له ولجميع المسلمين. * مكتبة السعدي بعنيزة