لو أن السيد حسن نصر الله كان يتوقع أن تقدم إسرائيل على ما أقدمت عليه من ارتكاب أبشع الجرائم الوحشية ضد أبناء الشعب اللبناني، والعمل على تدمير البنية التحتية، ونسف الجسور بالجملة، وتقطيع أوصال المناطق اللبنانية، وقصف القرى الجنوبية والضاحية وقتل المئات من الأطفال والنساء والرجال بأسلوب بربري، رداً على أسر الجنديين الصهيونيين لما أقدم على خطوته تلك، وما كان ليرضى أن يُذبح الشعب اللبناني من الوريد إلى الوريد جرّاء هذه العملية التي لم يكن سقفها يتجاوز استبدال الأسيرين بعدد من الأسرى اللبنانيين والعرب.. لو لم تكن هناك نوايا مبيتة لدى الأمريكيين والصهاينة لاستدراجه لهذه الحرب البشعة..؟! إنني متأكد أن ضمير السيد حسن نصر الله يقض مضجعه، وأنه مثقل بالآلام والأحزان بسبب ما جرته هذه الحرب من ويلات ومصائب وكوارث على الشعب اللبناني.. من هنا فإننا نستغرب الحساسية المفرطة التي غلبت على ردود حزب الله والتي اتصفت بالحدة الجارحة.. والتطاول الذي لا يليق على ما قالته السعودية.. ووصفها لما حدث بالمغامرة..؟! لقد وقفت المملكة مواقف تاريخية بالنسبة للبنان.. لقد وقفت إلى جانب الشعب اللبناني أثناء الحرب اللبنانية التي استمرت سبعة عشر عاماً.. فاستقبلت آلاف الشباب اللبناني من جميع الطوائف للعمل على أرضها، كما أن المساعدات السعودية وصلت إلى مختلف المناطق اللبنانية.. لأن المملكة لم تكن تفرق بين شيعي وسني ودرزي ومسيحي وكانت تعامل اللبنانيين جميعاً دون تفرقة بين المذاهب والطوائف.. بينما لم يكن هناك دور لغيرها من البلدان الإسلامية في هذا المجال. من حق أي دولة شقيقة أن تدلي بدلوها في الأحداث الكبرى التي يتعرض لها لبنان، فكيف كنا نسمح لسوريا أن تفعل ذلك في الماضي، ونحرمه على السعودية اليوم، وهي التي أغدقت الكثير الكثير على الشعب اللبناني؟! مواقف المملكة المشرّفة ثم كيف ننتقد المملكة العربية السعودية ونهاجمها ونجردها من أية إنجازات قامت بها، وهي التي قدمت للبنان ما لم يقدمه بلد آخر في العالم؟ وكيف ننسى العمل الكبير الذي قامت به المملكة لإنقاذ لبنان بعد الحرب القذرة التي دمرت لبنان، وأكلت الأخضر واليابس على أرضه..؟ وهل ننسى مؤتمر الطائف، واتفاق الطائف الذي أصبح دستوراً للشعب اللبناني، والذي أخرج لبنان من نفق الحرب المظلم، ليضعه على طريق السلام والوئام ويعيد إليه وجهه الحضاري. إنني أذكر كلمة قالها البطريرك الماروني بعد انتهاء مؤتمر الطائف: (الآن عاد لبنان) بفضل هذا الاتفاق، عادت الحياة إلى لبنان، وتم بناء لبنان من جديد. بناء وإعمار وتعويضات.. لقد جاء الحريري من المملكة وهو يحمل جنسيتها كمغترب جمع ثروته الكبرى على أرضها، جاء ليقوم بعمل تاريخي جبار وهو إعادة بناء لبنان.. كانت المملكة تقف وراء الكثير من المشروعات المعمارية، ومن إعادة تأهيل البنية التحتية، وكان الكرم السعودي والسخاء السعودي عاملاً أساسياً في الإسهام بإعادة إعمار لبنان وسريان الدم الجديد في شرايينه.. لقد دمره الآخرون وبناه الحريري برعاية سعودية ودعم سعودي.. وبدل أن نذكر ذلك بالخير.. أقمنا الدنيا ولم نقعدها بسبب كارثة حلت بلبنان، وترتبت على موقف سياسي لم يكن يتوقع أحد ولا حزب الله نفسه أن يجر لبنان إلى ما جره إليه..؟! ثم لماذا نجرد المملكة العربية السعودية من أية إنجازات قامت بها، وهي التي أقدمت على عمل تاريخي كبير في حرب 1973 عندما قطع الملك فيصل- رحمه الله البترول عن الغرب، وكان لموقفه صدى بعيد في أوروبا وأمريكا. كانت أمنية الفيصلي أن يصلي في القدس.. ونرجو الله أن تكون أمنيته قد تحققت بالشهادة التي قدمها من أجل تحرير بيت المقدس..؟! لقد وقفت المملكة وراء الثورة الفلسطينية ووراء القضية الفلسطينية ودعمتها مالياً ومعنوياً على أرض لبنان طمعاً في أن تتمكن في يوم ما من تحرير فلسطين.. ومازالت تقوم بدور في ميدان الخير كبير لولا العقبات التي تضعها أمريكا في وجه المملكة وفي وجه العرب جميعاً، عندما هددت كل من يحاول مساعدة المقاومة الفلسطينية بأخطر العواقب بحجة أن هذا المال يقع في يد الإرهابيين.. ورغم ذلك فإن وسائل الدعم لم تتوقف.. فلا مجال للمفاخرة بالإنجازات الكبرى وحرب العام 1973 وهي الحرب الأولى التي خاضتها مصر وانتصرت بها على الجيش الصهيوني، وعبرت أهم حاجز مائي وهو قناة السويس، وحطمت خط (بارليف) وأثبت الشعب المصري تفوقه على الكيان الصهيوني. إننا إذ نحيي التضحيات التي يبذلها اليوم حزب الله في مواجهة إسرائيل فإننا نتمنى ألا نبخس الناس أشياءهم. وها هي المملكة تقدم اليوم دعمها الكبير للبنان فتتبرع بخمسين مليون دولاراً ثم بخمسمائة مليون دولار لإعادة بناء ما هدمته يد الإجرام الصهيونية، وبمليار دولار لدعم الخزينة اللبنانية وللحفاظ على العملة اللبنانية، دائماً يظهر كرم المملكة وحب المملكة لإخوانها العرب وغيرتها على لبنان وشعب لبنان في الأزمات الكبرى، من هنا فإن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين ستظل المثل الأعلى لجميع الدول العربية الأخرى في ميدان الخير والمسارعة إلى نجدة المكلومين والمظلومين والمحرومين الذين يتعرضون للظلم والإجرام الصهيوني. إننا نحيي بادرة المملكة الكبرى ونرجو الله عز وجل أن يحفظها للإسلام والمسلمين قلعة لحب الخير وموئلا للمسلمين جميعا عند كل نائبة أو كارثة.