تحزن القلوب وتدمع العيون عندما تصلها أخبار غير سارة.. وكم هي تلك الأخبار غير السارة والتي يتناقلها الناس في هذه الأيام.. فلا تسمع إلا شخصاً توفي في حادثة سير وآخر بالسكتة القلبية وآخر نتيجة عملية جراحية.. نسأل الله لنا ولكم السلامة والعافية.. بالأمس القريب غيّب الموت - هادم اللذات - أحد أبرز رجالات الأمن الذين تقاعدوا من الوظيفة الأمنية ولم يتقاعدوا من الوظيفة الإنسانية.. إنه اللواء جميل بن محمد الميمان مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات سابقاً عضو مجلس الشورى سابقاً.. لقد ودع هذا الرجل هذه الدنيا الفانية بعد أن قدم لدينه ووطنه وأمته العديد من الأعمال والمهام التي سجلها التاريخ بأحرف من نور، عمل في كافة أقسام الشرط محققاً ومديراً تسلم قيادة الإدارة العامة لمكافحة المخدرات مدة ست سنوات، كما عمل قائداً لقوات أمن الحج، رأس عدداً من اللجان المحلية الدائمة والمؤقتة كما شارك في لجان خارجية، درّس في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية وكلية الملك فهد الأمنية والمعهد العالي للدراسات الأمنية ومعهد الإدارة العامة المواد التالية: التحقيق الجنائي، المخدرات، مكافحة الجريمة، أنظمة التحقيق والادعاء العام. أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب الأمنية التي عالجت كثيراً من القضايا والمشكلات التي تعاني منها بعض الأجهزة الأمنية مثل: المخدرات، غسيل الأموال التحقيق الجنائي، وكان آخر مؤلفاته كتاب (ذكريات ومذكرات وعبر هادفة) من جزءين ذكر فيه ذكرياته منذ طفولته بمدينة الطائف مروراً بكل الأحداث والقصص التي مرت عليه من خلال الوظائف والمهام والأعمال التي تقلدها داخل المملكة وخارجها وما عاناه من الظلم والوشاية والحسد واتهامه في عرضه وماله وانتمائه.. حقاً إنها قصص مثيرة ومؤثرة قرأت جزءاً منها فشعرت أنني أمام موسوعة من العلم الشرعي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي.. إنك إذا قرأت قصة واحدة فلا تشعر إلا وقد قفزت إلى التي بعدها وهكذا وإذا بك وقد أنهيت الكتاب دون توقف إنه كاتب من طراز خاص.. سهل العبارة.. واضح المعنى.. عفوي الكلمات صادق النيات. لقد ابكتني كثيراً من تلك القصص التي وجهت سهامها لأبي فريد حسداً وحقداً وكراهيةً لما تمتع به من جرأة في قول الحق، وإخلاصاً في العمل.. وحباً وانتماءً لهذا الوطن الغالي الذي وهب نفسه حارساً له ومتصدياً لأفتك وأخطر الأسلحة النباتية والصناعية إنها (المخدرات) حيث عرّض حياته وأهله للخطر مرات عدّة لكن الله يحفظ عباده الصالحين أصحاب النيات الخالصة لوجه الكريم. وفي ذات الوقت أفرحتني قصص عديدة تلك التي أشاحت عن معدنه الرصين وقلبه الرحيم وعطفه على الفقراء والمساكين وخوفه على أبناء المسلمين من أخطار داء المخدرات اللعين.. إن حصولي على نسخة من مذكراته - رحمه الله - لها قصة عجيبة فمنذ أن قرأت في الصحف عن إصدار هذه المذكرات بجزئيها الأول والثاني وأنا أبحث عنها خاصة وإنه تستهويني مثل هذه الإصدارات فقلت في نفسي إنها سوف تكون متوفرة بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات فاتصلت بأحد الزملاء لإهدائي نسخة منها قبل شهرين من وفاته... لكنها لم تصلني. ويشاء الله أن يأخذ وداعته ونذهب نحن وبعض الزملاء لتقديم واجب العزاء لمنزله بحي المحمدية.. وأجد أحد أبنائه وقد جلس بالقرب مني فأخبرته برغبتي الحصول على مذكرات والده فرحب بذلك وقام مسرعاً وأحضر عدداً منها ووزعها على الحاضرين.. فكان ذلك خيراً لي ولمن حضر وق قيل (من حضر القسمة فليقتسم).. وإنني أدعو كلّ من لديه حب وشغف بالقراءة أن لا تفوته قراءة تلك المذكرات فسوف يجد فيها العجب العجاب ومما لا يخطر على ذوي الألباب. ولعل المتابع لهذا الرجل الصادق يفرح أن ختم الله أيامه الطيبة بأن عمل في المجال الدعوي ومارسه بالشكل الذي قدّره الله عليه فعُين مديراً عاماً للمؤسسة الثقافية الإسلامية بجنيف وممثلاً لرابطة العالم الإسلامي لدى هيئة الأممالمتحدة كما كلف بالإشراف على وقف ومركز الملك فيصل الثقافي الإسلامي في مدينة بازل بسويسرا فكانت له أيادٍ بيضاء في هذه المجالات الإنسانية من خلال اطلاعي على مذكراته - رحمه الله - إن كل رجال الأمن يشهدون لهذا الرجل بالتميز والاتقان والتفاني في عمله فمنهم من تتلمذ على يديه مباشرة ومنهم من تعلم من كتبه ومذكراته التي كتبها في مجالات المخدرات ومكافحة الجريمة ودرّسها في الجامعات والكليات والمعاهد العسكرية. ومن أراد أن يتعرّف على شخصيته الإنسانية فليقرأ ما كتبه معالي المهندس عبدالله بن يحيى المعلمي أمين محافظة جدة السابق في صحيفة المدينة ليوم الاثنين 9 - 5 - 1427 ه في عموده الأسبوعي (أفكار للحوار) فلقد أماط اللثام عن أعمال خيرية وإنسانية كان يقوم بها - عم جميل - كما أسماه المعلمي لم نكن نعرفها عنه من قبل وسوف أنقل لكم جزاءً من ذلك المقال يقول المعلمي: (في برنامج إفطار الصائم لم يكن عم جميل يكتفي بالإشراف على جمع الأموال وتأمين المواد وغير ذلك من أعمال الترتيبات لسفرة رمضانية يومية تستوعب مئات الضيوف، بل كان كثيراً ما يتولى إعداد الطعام وطبخه بنفسه، ثم يتولى خدمة هؤلاء الضيوف البسطاء الذين ينتمون إلى مختلف أقطار المعمورة بنفسه، فيغرف لهم الطعام من الآنية بيده، ثم يطوف عليهم ليزيدهم مما هو متيسر من أطيب أصناف المأكولات والحلويات والفواكه والعصائر واللبن ولا يرضى أن ينوب عنه في ذلك أحد، وإذا أراد شخص أن يكفيه مؤونة العمل مشفقاً عليه وعلى كبر سنه ومعاناته من المرض ووقوفه ساعات طوالاً من بعد صلاة العصر إلى أن تقترب صلاة العشاء والتراويح، كان يقول له: إن وقفت بدلاً مني هنا فهل تستطيع أن تقف بدلاً مني يوم القيامة؟). إنني أُعزي سيدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز مهندس الأمن الأول وسمو نائبه وسمو مساعده للشؤون الأمنية وكافة رجالات الأمن فقيدنا العزيز اللواء جميل الميمان ويكفيه فخراً أن خلّف وراءه اثنين من أبنائه ضباطاً يعملان على نهج والدهما في توفير الأمن والطمأنينة لكل مواطن ومقيم على ثرى هذه البلاد الطاهرة. رحم الله اللواء الميمان وأسكنه فسيح الجنان ورطب تربته بالمسك والريحان.. وثقل حسناته في الميزان.. إن ذلك ليس بعزيز على الرحمن.