وتترى فواجع الزمان وينوء الزمان بكلكله، وتدمع الليالي من تلكم الفواجع .. بالأمس ودّعنا كاتباً وزميلاً غالياً هو الأديب عبدالله نور .. ذلك الكاتب الذي تخطّى أكاديمية التلمذة الجامعية بجامعة الحياة الأدبية الثقافية .. هذه القامة السمراء التي كانت تصدح بالشعر الجاهلي والحداثي، حيث كان يحفظ الكثير من القصائد الجاهلية - رحمه الله -. لي ذكريات مع القصيد والدمع والحزن والأديب عبدالله نور الذي عرفته إبان كانت جريدة الجزيرة في الناصرية، حيث ألفيته في أحد الأيام صوتاً رخيماً مسترسلاً بالقصيد في مكتب عميدنا جاسر الجاسر، فإذا بأبي عبد العزيز يدعوني بعجل (حمد .. حمد .. تعال أبيك)، فجئت وألفيت الصوت الرخيم ذلك الأسمر الوسيم عبدالله نور - رحمه الله - يصدح بالقصيد الفصيح .. قال لي جاسر اجلس يا شاعر واستمع إلى روائع الشعر .. فجلست مدهوشاً لروعة الإلقاء .. وصداحته .. وطول القصائد التي يحفظها - رحمه الله -، وكنت أدري بعدئذ أنّه قد حاز على جائزة المربد في العراق آنذاك لجودة الإلقاء الشعري .. استأنست بسعة إدراكه واطلاعه وثقافته الباسقة .. إنّه عبدالله نور الذوّاق حتى للشعر الشعبي، حيث يقول إني أحب الشعر الراقي أيّاً كان، وطفق يثني على قصيدي إبان ميعة الصبا وكذلك مرحلة شرخ الشباب .. فازددت سموقاً عندما استفاض - رحمه الله - بالحديث عن ديواني وعن المحسنات البديعية والاستعارات الراقية كما ينعتها .. فليرحم الله ذلكم الجميل عبدالله نور .. الذي لم ينعطف إعلامياً .. لكنما كان يطل إطلالات قد تطول وتطول .. إلى أن رحل - رحمه الله -. حتى أنه في زاويته في جريدة المسائية إبان كتاباتنا في تلك الجريدة الراحلة أيضاً .. وكان القارئ لزاوية عبدالله نور القارئ الأول هو صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، حتى أنه يستفسر عن أسباب انقطاع قلم عبدالله نور إذا هو توقّف للهاث .. لأنّ سموه يستأنس لأسلوب هذا الكاتب الذي رحل ولا زال في جعبته الكثير والكثير .. فآمل أن تُجمع أعمال هذا الأديب في كتاب ليطلع عليه من لم يعرف من هو عبدالله نور .. العشم في نجله المهندس عبد الرحمن وفي الأحبّة في جريدة الجزيرة على رأس هرمها أُستاذنا الغالي خالد المالك .. هكذا نحن نسير وراء نعش الذكريات ونتكئ على آهات السنين .. والله المستعان.