لقد كان الشاعر البارودي شخصية فذة في تاريخ مصر نبض قلبه بأحاسيس أمته وضحى بكل ما يملك في سبيل تحقيق أمانيه وكان شاعراً مبدعاً ومحافظاً على تراث أمته العربية المجيدة ورد إلى الشعر حياته وقوته وفخامته العربية السامقة ومتانة التعبير القديم وجزالته واتساع حصيلته اللغوية. وأستعرض معك أيها القارئ الكريم كتاب (البارودي حياته وشعره) تأليف الدكتور نفوسة زكريا سعيد، وقد قدم له وأعده للنشر الدكتور محمد مصطفى هدارة، وقامت مؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري بطباعته وتوزيعه، وهذا الكتاب يجلو صورة لحياة البارودي في مراحلها المختلفة مستقاة من وقائع التاريخ وروح البارودي في مراحلها المختلفة وتحديد الملامح الدقيقة لفنه الشعري.. وقد اشتمل الكتاب على عدة أبواب، حيث تحدثت في الباب الأول عن حياته وشبابه ونشأته وثقافته والعوامل التي كان لها أثر في تكوينه الأدبي والحروب التي مارسها وشعره في الحرب والحماسة، وأثره في أبناء عصره وخروجه من مصر، وقصيدة الوداع، وشعره في المنفى، ومراسلاته الشعرية وأثر المنفى في شاعريته وشعر الألم والوجدان والفخر والشعر الديني والغزل. ونورد على سبيل المثال قصيدته في وصف إحدى المعارك في إحدى الليالي المظلمة: أخذ الكرى بمعاقد الأجفان وهفا السُّرى بأعنة الفرسان والليل منشور الذوائب ضارب فوق المتالع والربى بجران لا تستبين العين في ظلمائه إلا اشتعال أسنة المران تسري به ما بين لجة فتنة تسمو غواربها على الطوفان ملأوا الفضاء فما يبين لناظر غير التماع البيض والخرصان فالبر أكدر والسماء فريضة والبحر أشكل والرماح دواني والخيل واقفة على أرسانها لطراد يوم كريهة ورهان أما الباب الثاني من الكتاب فقد جاء استعراضاً لآثاره الأدبية وإحصاء شعره المطبوع والمخطوط والشعراء الذين انتخب من أشعارهم وجدول لبيان عدد الأبيات التي اختارها لكل شاعر في كل باب وتقسيم المختارات إلى سبعة أبواب والمميزات التي تمتاز بها مختاراته ومنهجه الشعري والمعارضات والسمات العصرية في شعره وصناعته الشعرية وإثارة الاهتمام بقضايا الإبداع في مجال الشعر ونقده وصفوة القول، فقد نهض البارودي بالشعر العربي من كبوته، ويعد شعره مقارباً للفحول السابقين من الشعراء، فهو رصين الأسلوب متنوع الأغراض جزل المعاني، ومن يقرأ ديوانه يدرك ذلك حيث امتاز أسلوبه بمتانة التركيب وجزالة التعبير والبعد عن استكراه اللفظ، فهو علم من أعلام التجديد وشعره يفيض شجاعة وعاطفة وحكمة، ومختاراته تجسد أفضل نماذج لروائع الشعر العربي في عصوره، ولقد تجلت في شعره أنماط الصورة الفنية والصورة الشعرية والصورة الأدبية. وتحية لمؤسسة جائزة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري على إحياء ذكرى هذا الشاعر والتنبيه إلى عطائه وإنجازاته وأعماله وإعادة طبع ديوانه كاملاً في مجلدين وكذا طباعة (مختارات من البارودي وتحقيقها) وشكراً للجميع على ما بذلوه من جهود في هذا المجال وإقامة ندوة عن هذا الشاعر الكبير، جمعتنا مع عدد كبير من أقطاب الأدب وأعلام النقد والفكر وفرسان الشعر، فكانت لقاء أدبياً زاهياً مما يذكر بقول الشاعر: وإذا الأديب مع الأديب تلاقيا كانا من الآداب في بستان