إنّ الحديث عن جائزة الملك فيصل العالمية يقودنا لا مناص للحديث أولاً عن الرجل الفذ الذي نقش اسمه بأحرف من ذهب في قلوب عامة الناس وخاصتهم في العالمين العربي والإسلامي. الملك فيصل - رحمه الله وطيَّب ثراه - ارتبط اسمه بأحداث عظام عرفها تاريخ الأمة الحديث، فكان الزعيم البطل الذي وقف موقف الحق وبه نطق في نصرة أمته وقضاياها العادلة، والقائد الحكيم الذي كان يقدِّر الأمور بحكمة وعقل، مثلما كان أخوه وشقيقه في الجزائر الرئيس الراحل هواري بومدين. تعلمون أن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له، وفي نظري فقد استأثر المرحوم بهذه الخصال الثلاث عندما تأسست هذه الجائزة العظيمة التي تصنف ضمن الجوائز العالمية الكبرى. ثم إنها تشجيع حي لجهود البحث العلمي في كل الاختصاصات بما ينفع البلاد والعباد. قبل أن آتي إلى المملكة العربية السعودية سفيراً لبلدي، كنت أتابع عن كثب كل سنة نتائج هذه الجائزة منذ تأسيسها في نهاية السبعينات، فلم تمنعني لا السياسة ولا الدعوة ولا التدريس والبحث من الاستمتاع كل سنة بما ترسو عليه من اختيار من بين وجوه علمية مثابرة وقديرة، وبحوث عظيمة في مختلف اختصاصات العلوم. ولعل ما يميّز هذه الجائزة هو انفتاحها على العالم الخارجي وعدم تمييزها بين مرشحيها لا في دين ولا في عرق ولا في جنسية ولا جنس، ثم شمولها لمختلف أصناف العلوم الدينية والدنيوية على حد سواء. إنّ هذه الجائزة التي ينبغي أن تستمر وتدعم، قد عرفت بنزاهة القائمين عليها، الذين استطاعوا أن يجعلوها ترقى فوق كل الاعتبارات وتصير عالمية بجدارة واستحقاق. إنني اليوم جد فخور بحضور توزيع هذه الجائزة التي لم ينلها من قبل عالم من بلدي، وإن كنت أعتقد أنّ في بلدي من الرجال العاملين في الخفاء والعلن لخدمة الدين والعلم بكل أصنافه من هو أهل لهذه الجائزة، وسنكون أسعد وأكثر فخراً بهذا التكريم إن حصل في السنوات القادمة. أتمنى للعاملين عليها وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز رئيس الهيئة، وكذا الأستاذ الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية التوفيق والنجاح ولكل العلماء الفائزين بها مزيداً من التألق والتميّز والنبوغ، وتحيّة تقدير خاصة للراعين لهذا المجهود الجبار.