لا أذيعكم سراً إذا قلت إن نسبة كبيرة مما كتبته تذهب في الشأن المروري، هذا الهاجس الذي يراودني منذ سنوات طويلة، إنني أحلم باليوم الذي تسير فيه في أحد شوارع الرياض، أو جدة أو أبها، أو الدمام، أو الجوف، فلا تضع فيه يدك على قلبك خوفاً من أحد المتهورين الذين لا يعطون للطريق حقه، ولا يحسبون أخطار ما يقومون به من أعمال متهورة ولا مسؤولة. أحلم باليوم الذي أمارس القيادة فيه باستمتاع بدلاً من أن أشعر أنني في معركة حامية الوطيس تتطلب أن أكون على درجة عالية من الانتباه واليقظة لكل مفاجآت الطريق غير السارة. فلا ينتهي أي مشوار لك إلا بعد أن تتعرض لخطر العشرات من السيارات التي تخالف نظام المرور في التجاوز أو الوقوف أو الخروج أو الدخول من الشارع أو حتى أثناء السير والانتقال من مسرب إلى آخر. إنني عندما أقود السيارة خارج المملكة لا أكون بهذا التوتر الذي أشعر به في شوارعنا، فتكون القيادة نشاطاً أمارسه باستمتاع، فلا أتعرض للمواقف المفاجئة كخروج سيارة فجأة أو انحرافها أو دخولها للمسار من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو قطعها الإشارة. إنني أحلم أن تختفي جميع السلبيات المرورية من شوارعنا لكي نمارس القيادة باستمتاع ولكي تتحقق هذه الأمنية فإن الأمر لا يحتاج إلى ميزانيات أو بنود إضافية، أو كوادر بشرية أو سيارات مرور.. إن الأمر يحتاج إلى الصرامة في تطبيق نظام المرور على الجميع دون استثناء، فإذا عرف ابن الوزير أو وكيل الوزارة أو أحد المسؤولين في الأجهزة الأمنية أو الحكومية أنه سيتعرض للعقاب والمساءلة فلن يكرر فعلته وسيضطر إلى احترام أنظمة المرور. أما إذا كان الوضع كما هو الحال عليه الآن فإن الوضع لن يتحسن وسيزداد الأمر سوءاً مع ازدياد السيارات في الشوارع، خاصة إذا ما علمنا أن الشباب يشكلون النسبة العالية في المجتمع؛ مما يعني أن الكثير من الحوادث المرورية، والمخالفات، لا ترتكب في غالبها إلا من المراهقين أو الذين يتعلمون القيادة في سيارات الليموزين من الأجانب أو حتى العمالة الأخرى، الذي يشتري سيارة لا يتجاوز سعرها 1500 ريال ليتعلم فيها القيادة في شوارعنا!! لقد قام المرور مؤخراً بحملات للحد من السرعة، فعلى سبيل المثال: الحملة في الطريق الدائري في مدينة الرياض للحد من السرعة، وكيف أدت الصرامة في تطبيق النظام (من حجز للسيارة، ومخالفة السائق) إلى حجزه وسجنه إذا تجاوز السرعة المطلوبة هذه الخطوة حدت من السرعة الزائدة على الطريق الدائري، خاصة وأن الواسطة ممنوعة في ذلك وأن من يوقع عليه المخالفة، لابد أن تنفذ. ورغم حملات المرور في الحد من السرعة خارج وداخل المدن الرئيسية، إلا أنني لا أشاهد منظر وقوف المخالفين طويلاً مع رجل المرور إلا في شوارعنا وطرقنا، أما في الدول الأخرى فلا يعطي رجل المرور الفرصة للمخالف للتوسل بإلغاء القسيمة أو إرجاع الرخصة؛ فبقاؤه طويلاً بجوار رجل المرور، قد يؤدي إلى أن يلين رجل المرور فيسامحه أو حتى يبحث في جواله لأشخاص في المرور يعرفون هذا الفرد أو الضابط ليتوسطوا لديه. إن مشكلتنا هي (أننا شعب عاطفي) وهذا ليس عيباً فالعاطفة تولد النخوة والشهامة والمواقف الرجولية، ولكنها لا يجب أن تظهر في تطبيق النظام. لقد أقر مجلس الشورى مؤخراً مشروع نظام المرور الجديد وتم رفعه لمقام خادم الحرمين الشريفين لاعتماده، وقد حمل النظام الجديد الكثير من المميزات التي لو طبقت لحققت الأمل المنشود في التقليل من الحوادث المرورية. فالمملكة العربية السعودية تحتل المركز الأول عربياً من حيث استيراد السيارات، فقد انفقت المملكة حوالي (13) مليار ريال على استيراد مختلف السيارات عام 2001م، يضاف إلى ذلك (16) مليار ريال تكلفة الحوادث المرورية سنوياً، حيث يبلغ عدد السيارات التي تسير في طرق المملكة أكثر من (5) ملايين سيارة. وتعادل المبالغ المصروفة على الحوادث المرورية واستيراد السيارات ما يصرف على القطاعات الصحية والتنمية الاجتماعية وهذا بلاشك يعد هدراً كبيراً وعائقاً لخطط التنمية؛ إذ تصل إلى قرابة 8% من الناتج المحلي. وقد أشارت المؤشرات لعام 1424ه إلى أن مجموع الحوادث بلغ (261.872) حادثا بزيادة بنسبة 17% عن عام 1423ه وأن من بين المصابين في تلك الحوادث ما يزيد على 11% تقل أعمارهم عن 18 عاماً وأن قرابة 2000 مصاب تنتهي بإعاقات دائمة تلازمهم مدى الحياة، أما أسباب ذلك ففي مقدمتها عدم التقيد بالأنظمة والتعليمات، حيث ارتفعت المخالفات المرورية عام 1424ه إلى (10.641.474) أي بنسبة زيادة قدرها 43% عن العام 1423ه. ولقد جاء نظام المرور الجديد لمعالجة هذه السلوكيات حيث يوجد ذلك في النظام وعلى الورق ولذلك فإن نجاح نظام المرور يستلزم الإجراءات التالية: - تطبيق النظام بصرامة وعلى الجميع دون استثناء ليكون النظام أهم من الفرد وليس العكس. - إعادة تخطيط الشوارع والطرق والميادين في المدن والقرى من خلال أمانات المدن وبلديات المناطق، والاهتمام بحقوق المشاة فلم أر أي شارع في أي مدينة يهتم بإعطاء هذا الحق كما هو الحال في دول أخرى، خاصة وأن أغلب إشارات المرور الخاصة بالمشاة لا تعمل في شوارعنا. - إعداد حملة إعلانية تسبق حملة مرورية لتطبيق المخالفات البسيطة التي تتعدى قطع الإشارة والسرعة كالتجاوز الخاطئ، والانحراف من أقصى اليمن إلى أقصى السيار في الإشارات المرورية، والانتقال من مسرب إلى آخر بشكل خاطئ، وعدم وضوح الإنارة الخلفية وغيرها من المخالفات. إن الكثير من شوارعنا تساعد على ارتكاب المخالفات المرورية، فالفتحات الموضوعة في الأرصفة للاستدارة للخلف لم توضع في المكان المناسب مما يجعل سكان الحي يخالفون اتجاه السير للدخول إلى تلك الفتحة، كما أن هناك الكثير والكثير من الجوانب الهندسية التي يطول الحديث عنها. إن المرور مطالب أكثر من وقت مضى بالقضاء على المخالفات المرورية، ورفع الوعي لدى السائق من خلال حملة أمنية إعلامية منظمة هدفها أولاً وأخيراً الحد من المخالفات المرورية التي سببت الكثير من الفواجع للعديد من الأسر. عين النظافة؟! لقد عشنا قبل أشهر الحملة الإعلامية التي نفذتها أمانة مدينة الرياض، وإن هناك عيناً سترصد كل مخالفات إلقاء النفايات والمهملات من السيارات وفي الشوارع. لقد سعدنا في تلك الفترة بهذه الخطوة التي تضمنت عقوبات مادية على كل من يمارس أو يقوم بتلك المخالفات، ومنذ ذلك الوقت لم نر شيئاً من تلك الوعود. العقوبات يتم تنفيذها، ولا ندري ماذا أصاب (عين النظافة) هل أصابها الرمد.. أم نامت في سبات عميق.