لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور في زمنه، وعن أمور ستحدث بعده في زمن قريب، وعن أمور سوف تحدث في المستقبل البعيد، وعن حياة البرزخ، وعن الدار الآخرة، وعن الجنة، وعن النار، فكل ما أخبر به في زمنه، قد حدث كما أخبر، وكل ما أخبر به في الزمن القريب بعده، قد حدث كما أخبر تماماً، وكل ما أخبر به في الزمن البعيد، وحتى الآن، وقع كما أخبر، لم يتخلف شيء مما ذكر، فإذا صدقت أخباره التي أخبر بها في زمنه، والزمن الذي يليه، كلها صارت أخباراً صادقة، قد صدقها الناس لأنهم رأوها عياناً بياناً، أفلا يصدق في أخباره، بما سيكون في حياة البرزخ؟ أفلا يصدق في أخباره، عما سيكون في يوم القيامة؟ أفلا يصدق فيما أخبر عن صفة الجنة وصفة النار؟ أفلا يطاع فيما أمر، أفلا يُنتهى عن ما نهى عنه وزجر؟ ولكي نجيب على هذه التساؤلات بيقين قائلين: بلى والله، بلى والله.. تعالوا معاً نبدأ رحلة اليقين هذه، مع ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم عن أمور حدثت في عصره، وقد أخبر بها قبل أن تقع فوقعت مثلما أخبر عليه الصلاة والسلام، أو أخبر عنها في أثناء وقوعها رغم فارق المكان والزمان، فجاءت كلها حقاً كما أخبر عليه الصلاة والسلام ومن ذلك: * ما جاء في الصحيحين أن علياً رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا اخرجي الكتاب فقالت: ما معي كتاب فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث) وفي لفظ للبخاري: (فقلنا الكتاب فقالت ما معنا كتاب فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته). * والإعجاز هنا من وجوه منها: 1- إنه أخبر أن هناك امرأة تحمل رسالة. 2 - وأخبر عن مكانها الذي هي فيه. فإذا بالخبر يتحقق كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه فمن الذي أخبره بذلك؟ وانظر إلى يقين الصحابة رضوان الله عليهم بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قالا: (ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك). * وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه). * فقد وصفه لهم وصفا دقيقاً أذهل من سمعه وفي ذلك إعجاز من وجوه: *1- أنه لم يسبق له أن ذهب إلى بيت المقدس. *2- أن المسافة إلى بيت المقدس بحسب المواصلات في الزمن السابق تستغرق شهراً. *3- أنه عندما أسري به إلى بيت المقدس كان الوقت ليلاً فلم يره في النهار حتى يصفه لهم هذا الوصف الدقيق كأنه أمامه.. فمن الذي أخبره بذلك؟ من الذي جلا له مشهد بيت المقدس حتى ينظر إليه؟ إنه الله كما قال الصادق المصدوق: (فجلا الله لي بيت المقدس). * وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له). * والإعجاز هنا: أنه قد نقل لهم هذا المشهد بتمامه، فهو يراه أمامه، حتى إنه بكى حزناً على فقد هؤلاء الصحابة فعيناه تذرفان. فمن الذي أخبره الخبر والمسافة بين المدينة وبين مكان المعركة ما يقارب الألف كيل؟ فليس هناك أقمار صناعية! ولا وسائل اتصال حديثة! ثم تأتي الأنباء مصدقة لكل ما أخبر به، فيا لها من آية عظيمة، ويا لها من حجة بالغة على صدق ما جاء به صلوات الله وسلامه عليه. * وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أن ابعث معنا رجالاً يعلمونا القرآن والسنة فبعث إليهم سبعين رجلاً من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام يقرؤون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد ويحتطبون فيبيعونه ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فعرضوا لهم فقتلوهم قبل أن يبلغوا المكان فقالوا اللهم بلغ عنا نبينا انا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا قال وأتى رجل حراما خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه فقال حرام فزت ورب الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن إخوانكم قد قتلوا وإنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا). فما هي وسيلة الاتصال التي نقلت للرسول عليه الصلاة والسلام هذه الرسالة بحذافيرها؟ * وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم قالت حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله حتى إذا كان ذات يوم وذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا ثم قال يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه جاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي والذي عند رجلي للذي عند رأسي ما وجع الرجل قال مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء قال في مشط ومشاطة قال وجب طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذي أروان قالت فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه ثم قال يا عائشة والله لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قالت فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وكرهت أن أثير على الناس شراً فأمرت بها فدفنت). فمن الذي أخبره عن مكان السحر؟ وصدق الله إذ قال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم 3 - 4). * المعهد العالي للقضاء بالرياض