إنه لمن الخطأ إن لم نقل من العيب أن ينظر الإنسان إلى نفسه نظرة ازدراء واستهجان فلا يقيم لها وزنا ولا قيمة. وبدون شك أن الرجل إذا صغرت نفسه في عينه فإنك حتما سوف تراه في كل شيء صغيرا في عمله وأهوائه، وكذا في آدابه، وصغيرا حتى في مروءته وهمته، وفي جميع شؤونه الحيوية، ولكن إذا نظر في نفسه فرآها عظيمة فسوف يعظم كل ما كان زهيدا وصغيرا في جانب تلك النفس إذا كانت صغيرة حقا. وأذكر أن أحد الأئمة - لا يحضرني الآن اسمه - سأل ولده أي غاية تطلب يا بني، وأي رجل من العظام تحب أن تكون؟ فأجابه أحب أن أكون مثلك فقال ويحك يا بني لقد صغرت نفسك وسقطت همتك، لقد قدرت لنفسي يا بني في مبدأ نشأتي أن أكون كعلي بن أبي طالب فما زلت أجد وأكدح حتى بلغت المنزلة التي تراها، وبيني وبين علي ما تعلم من الشأن والبعد والمدى الشاسع فهل يسرك، وقد طلبت منزلتي أن يكون بينك وبيني من المدى ما بيني وبين علي، فحقيقة وبلا شك أن الناس مخطئون عندما لا يفرقون بين رجل متواضع،. وبين رجل صغير، وكذا بين المتكبر وعالي الهمة، وما التواضع إلا من الأدب وضعف النفس، وكذلك فإن الرجل الذي يلقاك وهو مبتسم وإذا أردت أن تحدثه في أي حديث يصغي إليك فإن هذا في الواقع ليس صغير النفس، كما يظن الناس، لا بل هو على العكس من كل هذا، فهو عظيم النفس حقا ولا غبار عليه لأنه رأى أن التواضع ألطف وأليق بنفسه لك النفس المتواضعة الصافية. فيا صاحب النفس المتواضعة إن هناك شيئا واحدا يجب أن تأخذه بعين الاعتبار وأن تسلكه وهو أنك لست في حاجة - من أجل بلوغك ووصولك إلى الغاية التي وصلها وبلغها من هم قبلك من عظماء الرجال الذين بلغوا أعلى المناصب - إلى خلق غير خلقك وطبيعة غير طبيعتك وعقل غير عقلك، ولكنك في حاجة ماسة إلى نفس عالية كنفوسهم وهمة كهمتهم،وما عليك إلا أن تصغي للكلام الذي قد يقوله أن يهمس به حاسدوك وأعداؤك في الخفاء أو غيبة منك وهم يصفونك بأوصاف عدة فتارة يصفونك بالوقاحة وتارة بالضياع. فإذا كانت هذه هي السبيل إلى وصولك لتحقيق الغاية المرجوة التي تسمو من أجلها فامض في طريقك ولا تبال وامض في سبيلك بهمة عالية وعزم أكيد. [email protected]