كانت باكستان هي المحطة الأخيرة في زيارة الملك عبدالله الآسيوية، وكانت - مثلما يقولون - (ختامها مسك)، وقد جاء إليها قادماً من ماليزيا، وهما الدولتان الإسلاميتان في جولة خادم الحرمين الشريفين شرقاً. ولوضع باكستان آخر دولة يزورها في هذه الجولة أهميةٌ وهدف سامٍ سعى إليه خادم الحرمين الشريفين، ولعلكم تذكرون ما قاله الملك عبدالله عندما كان ولياً للعهد في خطاب له أثناء زيارته السابقة لباكستان عام 1998م من أنه قصد أن تكون باكستان هي المحطة الأخيرة في جولته التي امتدت من غرب الكرة الأرضية إلى شرقها تقديراً منه لهذا الكيان العزيز على قلب كل مسلم وإظهاراً للتضامن والوقوف مع الأشقاء في باكستان، وها هو يضع للمرة الثانية باكستان محطته الأخيرة في جولته الجديدة ربما لنفس السبب. لقد سبقنا - رؤساء التحرير- خادم الحرمين الشريفين في الوصول إلى باكستان بما يقارب ثلاث ساعات من الزمن، وكانت فرصة لنا لإلقاء نظرة على الاستعدادات التي تتم على الأرض لاستقبال ضيف باكستان الكبير، مع تأمل الصورة غير العادية التي كانت عليها باكستان في ذلك اليوم، بما في ذلك أوجه المظاهر المتشحة بكل علامات الفرح التي تبدو واضحة لمن يخترق الشوارع أو يمر بالأحياء على امتداد الطريق من المطار وإلى حين الوصول إلى مقر السكن. ما رأيناه كان يدل على محبةٍ خاصةٍ لعبدالله بن عبدالعزيز، وتقديرٍ عالٍ للمملكة، واعترافٍ بشهامةِ مواقف شعب المملكة نحو شعب باكستان، وهذا بعض ما رمزت إليه أقواس النصر التي نُصبت في شوارع العاصمة الباكستانيةإسلام أباد ولافتات الترحيب والصور التي ازدانت بها كل الطرق والممرات والمباني لخادم الحرمين الشريفين. لكن أكثر ما لفت نظرنا ضمن مظاهر التهيؤ والتحضير لاستقبال الملك عبدالله، هذا الحشد الكبير من الرجال والنساء، وفي مختلف الأعمار الذين ضاقت بهم الميادين وجوانب الطرق، بما أعاق حركة المرور، رغبةً من هذا الشعب بأن يكون حاضراً وموجوداً عند مرور خادم الحرمين الشريفين للتعبير عن وفائه ومحبته. كان الوقت مبكراً لبدء هذا التجمع من الجماهير، إذ لا يزال هناك ثلاث ساعات متبقية على موعد وصول الملك عبدالله، وهؤلاء يتزاحمون لأخذ مواقعهم لإلقاء نظرة على موكب الملك والترحيب به، ولا أدري منذ متى بدؤوا يتوافدون ليكونوا في الأمكنة التي رأيناهم فيها عند وصولنا قبل وصول خادم الحرمين الشريفين بثلاث ساعات، وكان من الواضح أن هؤلاء جاؤوا مبكراً ودون ترتيب أو تنظيم أو إيحاء مسبق من أي أحد، وإنما هو تصرف عفوي أملته المحبة للمملكة ملكاً وشعباً. ومثلما حدث في دول أخرى، فقد سبق الملك أعضاء في وفد المجتمع المدني السعودي إلى باكستان، حيث التقوا نظراءَهم في باكستان، وتحادثوا مع المثقفين والإعلاميين هناك حول الهموم المشتركة، وتبادلوا المعلومات ووجهات النظر حول قضايا الساعة على المستوى الدولي والعلاقات الثنائية بين المملكة وباكستان في المجالات وأوجه الاتفاق أو الاختلاف، في حوارات حضارية تحترم الرأي والرأي الآخر. وكذلك فعل رجال الأعمال، حين سبقوا زيارة الملك بتنظيم زيارة لهم للبحث عن أوجه التعاون والفرص المتاحة والأسلوب الأمثل للتعاون مع نظرائهم الباكستان، كما لو أن ذلك كان تحضيراً لإكساب الزيارة كل هذا الزخم من الأهمية الذي رأينا مشاهد منه عند وصول الملك إلى باكستان وإلى حين موعد مغادرته لها. ولا بد أن التاريخ سوف يظهر يوماً ما سُجِّلَ عن هذه الزيارة من نجاحات مشهودة، ومن تعزيز للعلاقة التاريخية بين بلدينا، اعتماداً على ما توصل إليه خادم الحرمين الشريفين من اتفاقات مع القيادة الباكستانية، وما أُنجز من اتفاقيات بين رجال الأعمال في البلدين الشقيقين. على أنه من المهم أن نضيف مع أشقائنا الباكستانيين إلى هذه العلاقة من حين لآخر ما يميزها ويمنحها القدرة على الصمود والديمومة، دون أن يؤثر عليها أو يمس بثوابتها تصرفٌ اجتهاديٌّ قد لا يكون محسوباً أو مقصوداً، فيما أننا وهم على قناعة بأنه لا خيارات أخرى أفضل مما هو قائم بالنسبة إلى العلاقة النموذجية بين بلدينا، وبخاصة حين تكون الإضافات منسجمة مع هذا التوجه الجميل.