لم يكن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليستثني باكستان من جولته الآسيوية، وهي الدولة التي وصفها بأنها الصديقة والشقيقة تمييزاً لها عن بقية الدول التي زارها، ولم يخص خادم الحرمين الشريفين بهذا التعريف لمستوى العلاقة السعودية الباكستانية بالإعلان عنه في الغرف المغلقة، وإنما قاله وصرح به في الهند وأمام قادتها للتأكيد على أن الموقف من باكستان على ما هو عليه ولم يتغير، وأن التعاون معها متواصل مستمر، وأن العلاقات السعودية الهندية التي ينبغي أن يتم تطويرها من خلال التوسع في التعاون فيما بين الدولتين لن يضر أو يمس بالعلاقات التاريخية بين المملكة وباكستان. وهذه الزيارة مع ما تكتسبه من أهمية بحكم أنها الأولى لعبدالله بن عبدالعزيز بعد مبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية وخادماً للحرمين الشريفين، إلا أن الملك عبدالله كان قد زارها أربع مرات من قبل، وقد كان آخرها عام 2003م عندما كان ولياً للعهد، وهذه الزيارة إذاً هي الخامسة له، مما يؤكد عمق العلاقة السعودية الباكستانية، مع ما يعطيه الملك عبدالله - تحديداً - من أهمية لهذه الدولة الشقيقة والصديقة معاً من أهمية للعلاقة الإستراتيجية التي قامت وينبغي أن تستمر بين الدولتين الشقيقتين. في الشق الاقتصادي تعد المملكة أكبر ممول نفطي لباكستان، وقد بلغ التبادل التجاري بين المملكة وباكستان لعام 2004 - 2005م ما يصل إلى حوالي ثلاثة بلايين دولار، وللمملكة استثمارات في باكستان خلال نفس الفترة في حدود ثلاثمائة مليون دولار، وهذه أرقام كبيرة لمن يعرف الوضع الاقتصادي الباكستاني، وما هي عليه باكستان من شح في الموارد الطبيعية، وترقب حذر يحتاج إلى استعدادات عسكرية كبيرة لمواجهة خلافاتها مع الهند من جهة ووضعها مع الحالة الأفغانستانية من جهة أخرى. والملك عبدالله في زيارته لباكستان، كما هو في زيارته للهند، لا بد أنه أعطى للخلاف الباكستانيالهندي الكثير من الوقت والتأمل والحرص على تقريب وجهات النظر بين الطرفين لنزع فتيل هذا الخلاف التاريخي المدمر، بل من المؤكد أنه عرض وساطته وإمكاناته للتخفيف من حالة التوتر باتجاه الوصول إلى حل يرضى عنه الطرفان، وأعتقدُ أنَّ وساطةً نزيهةً من زعيم كعبدالله بن عبدالعزيز، سوف تقابل بتشجيع من الجانبين للاستمرار فيها بأمل إزالة كل المعوقات التي حالت وتحول دون إنهاء هذا الصراع الدامي بين الجارتين. لقد ظلت باكستان تنظر إلى المملكة على أنها الدولة الأكثر اهتماماً بأحوالها والأقرب تعاطفاً مع الظروف التي يمر بها شعبها، وكلما واجهت مشكلة واحتاجت إلى مَنْ يساعدها على حلها، برز أمامها اسم المملكة بوصفها الشقيقة الكبرى التي تعودت على أن تسندها دون أن تمن بذلك أو تبحث عن ثمن له في أي مجال من المجالات. وهذا الأسلوب في التعامل مع باكستان بدأ مبكراً منذ عهد الملك عبدالعزيز، وظل يتطور وينمو وتتسع رقعته خلال عهود كل ملوك المملكة، من غير أن تشعر باكستان يوماً وعلى امتداد هذه العلاقة بأن تغيراً أو نكوصاً لهذه العلاقة قد يحدث، رغم تغير زعماء الحكم فيها سواء بالانتخابات أو بالتغيير القسري الذي يتم حسب الأجواء السياسية في ذلك البلد الشقيق. وما رأيناه من حفاوة الاستقبال للملك عبدالله سواء في هذه الزيارة أو في زياراته السابقة يكفي بالاعتماد عليه أن نتعرف على حقيقة هذه العلاقة في مشوارها الطويل، حيث تتغير زعامات وتستجد أمور، لكن تبقى العلاقة أصيلة وثابتة ولا تتغير. ولعل مصدر هذا الثراء في أصالة العلاقة الصدق والشفافية والإخلاص والمحبة التي اتسمت بها العلاقات السعودية الباكستانية منذ استقلال باكستان وإلى اليوم، وكل المؤشرات تؤكد استمرارها على هذا النحو بل وأكثر، معتمدين في قراءاتنا وتوقعاتنا على ما تحقق من نتائج خلال السنوات الماضية.