لطالما أغاظتني هذه العبارة.. (واتفق العرب على أن لا يتفقوا).. إلا أنه لا جمل لي ولا ناقة.. فهي وإن كانت شوكاً يقرح الحناجر إلا أنني لست أملك سوى ابتلاعه على مضض.. وهي وإن كانت سكيناً قد اخترقت مني الصميم فإنها حقيقة مشاهدة على أرض الواقع لات منه مناص.. لا نستطيع غض الطرف عنها.. ولا الكفر بتفاصيلها. لطالما توقفت عند هذه الحروف وأطلت النظر وكأني أبحث بينها عن وسن من أمل.. إلا أنني لا ألبث إلا أن أعود لأحيد النظر عنها بوجع.. خالي الوفاق. . ليس بيدي سوى خفي حنين.. بيد أن دوام الحال من المحال وأن لكل قاعدة شواذاً و من بين ليالي الشهر السوداء ننعم بليلة تحت ضياء البدر.. فها أنا أخيراً أراه أجزاء هذه العبارة ومفردات تركيبها قد بدأت في التداعي وقاربت على الانهيار. . فأمست لا تلائم طبيعة الموقف ولا تناسب الحال.. مما يستلزم إخراجها من عداد ثقافتنا فوراً بلا فصال أو حتى جدال.. ليتسنى لنا أخيراً مصافحة السعد في خضم المصائب العضال. أترانا أخيراً سننعم بمصافحة تلك الأيادي واحتضانها..؟ حسناً.. يبدو أننا في طريقنا إلى ذلك.. فمنذ أن حدث ما حدث من إهانة وإساءة لحبيب المسلمين.. والعرب بل المسلمون بجميع طوائفهم يقفون يداً بيد في صورة الجسد الذي حكى عنه المصطفى أنه إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.. مقاطعات جماعية.. ردود ساخنة.. الكل يؤرقه الهم نفسه ويرزح تحت عذابه.. يحاول جاهداً التخلص منه والبحث عن أسبابه.. الكل أخيراً استطاع أن يرى وأن يبصر.. أن يلقي السمع وأن يعتبر.. الكل أخيراً نهض.. وبعزة انتفض.. ها أنا أرى المسلمين كما أحببت دوماً أن يكونوا وكما اللوحة التي رسمتها لهم في مخيلتي إلا أن خوفاً من المجهول ظل يلازمني.. يلاحقني.. في خطواتي.. وفي همسي.. حتى في حرفي أضحيت دوماً أراه.. كأنه باحث عن شقائي وعن تعسي حتى في حين ألقى حتفي أظنني سأراه.. إليكم سأترجم سؤالي الخائف فانظروا ما أنتم صانعون.. هل ستسرق اللوح التي رسمتها لعالمنا المتكافل فتباع تحت الأنفاق وتضيع هويتها..؟ هل من الممكن أن تتوقف الأيادي عن التصفيق لتذهب كل يد إلى حال سبيلها تبحث عن مرعى منفرد.؟ هل ستتفرق أعواد الخشب وتخمد حدة النار المضمرة..؟ هل سنضعف؟ هل سنشعر بالبرد يجمد الدم في عروقنا ونشعر بالخوف وهو يبخره؟ هل سيعود حفيف الأشجار يلقي الرعب في قلوبنا؟ هل ستجتمع أجزاء تلك العبارة التي كرهتها من جديد.. ويصبح كلٌ عن أخيه المسلم بعيداً.. أم سيخط لها مصير بالإعدام أو الوقوف على شفا جرف هار؟ هل وهل وهل سؤال وجل.. لم يعتد السعادة.. دأبه البحث عن أمل.. أمل بأن يكون ما حدث كما الصفعة التي تلقن النفس درساً.. وتضع لها حداً.. وتترك في القلب أثراً يذكرنا بالألم الذي سيكون لنا مصيراً إذا ما عدنا إلى الخضوع البغيض والموقف السلبي الذي يغيض.. آمل بأن نرى ذلك اليوم الذي قال فيه إقبال: نحن من نعمائه حلف إخاء قلبنا والروح واللفظ سواء فلم يقنع بوحدة القلب حتى توحدت جميع الألفاظ والتي هي للهدف مرمى ومبتغى ومرتجى فما أن يكتمل عقد الأخوة وما أن نتزين به حتى نطيح بقوى الشر ونعود نحضن الأمجاد.. سأعود لحلمي الذي تقارب مع الواقع أخيراً حول نقطة التقاء وسأكمل رسم جزيئاته معنوناً إياها ب(كم هو رائع لو).. - مبادرة رائعة هي الدعوة إلى المقاطعة والشروع في تنفيذها وجيدة الوقع وإن هم كابروا وأخذتهم العزة بالإثم إلا أنني متأكد أن هماً بدأ يعتلي كواهلهم وندماً بدأ يجري مجرى الدم في عروقهم.. لكن تخيلوا معي، كم سيكون رائعاً لو كانت المقاطعة أبدية حيث يكتب لجرحهم أبدية النزف لا برء له ولا شفاء ينهي وجعه.. ويرسم على جلودهم وشماً مشوهاً لا يستطيعون إزالته أو الخلاص من عاره.. و يكونون عبرة لمن اعتبر.. ودرساً لا ينمحى من الذاكرة.. وفصلاً مشرفاً من فصول التاريخ.. لتصف بعد ذلك في قائمة المغضوب عليهم المتفرج على بؤسهم وخيبتهم مع الفراعنة داخل الأهرام ومدائن صالح ليتورع من في قلبه ذرة من إحساس.. فنكون بذلك قد انتصرنا للحبيب وانتشلنا كرامتنا من بين زحام الأقدام.. ألن يكون ذلك رائعاً بل ومشرفاً. [email protected]