يعيش المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها أياماً مباركة؛ إذ يسعى الحجيج من كل فج عميق ميمِّمين صوب البيت العتيق ليؤدوا فريضة الحج، حيث جموع الحجيج تحط رحالها عند البيت العتيق تنشد المغفرة، وتبتغي رضا خالقها، وكلهم رجاء أن يصيبهم من الخير ما يصيب المقبولين في هذه الرحلة الفريدة، فالجميع يبتهل إلى الله أن يبلغهم غايتهم، وأن يقضوا حجهم بيسر وسهولة، وأن يعودوا بحفظ الله إلى أوطانهم غانمين بالبركة والغفران، سالمين من كل أذى ومكروه.وفي مثل هذه المناسبة، حيث تحشد الجهود وتتضافر الاستعدادات لخدمة ضيوف الرحمن في الأراضي المقدسة، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن فقيد الأمة الإسلامية المغفور له بإذن الله تعالى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز واستحقاقه للقب الذي كان يعتز بأن يحمله وهو (خادم الحرمين الشريفين)، فلم تأتِ هذه الصفة من فراغ، فالإنجاز العملاق في عهده - يرحمه الله تعالى - الذي يعد من مناقبه الكبرى المشهودة اليوم هذه التوسعة للحرمين الشريفين التي لم يشهد التاريخ مثيلاً ولا نظيراً لها، فقد تبنى خادم الحرمين الشريفين - يرحمه الله تعالى - أكبر مشروع على مر العصور لتوسعة وعمارة الحرمين الشريفين وتوفير كافة الخدمات المتطورة لضيوف الرحمن سواء لموسم الحج السنوي أو لأداء العمرة التي لا تنقطع طوال العام.لقد كان برنامج توسعة الحرمين الشريفين طموحاً تكلف الكثير من المال؛ مما أدى إلى زيادة مساحة المسجد الحرام والمسجد النبوي لتستوعب المزيد من زوار مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة للحج أو العمرة، فبعد التوسعة زاد الإقبال الشديد على زيارة الحرمين الشريفين بعد أن وفرت حكومة المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - يرحمه الله تعالى - كافة وسائل الرعاية والراحة والإعاشة وتوسعة طرق الحجاج والمعتمرين لضيوف الرحمن. كان حقاً خادم الحرمين الشريفين؛ فقد كان - يرحمه الله تعالى - يعتز بذلك قائلاً: (إن مكةوالمدينة لهما مكانتهما في نفوس المسلمين عموماً، وفي نفوس سكان هذا البلد الأمن المستقر، وفي نفسي أنا شخصياً. إن أي عمل يمكننا أن نؤديه في مكة أو في المدينة في بيت الله الحرام أو في مسجد نبيه عليه الصلاة والسلام ما هو إلا من الأعمال الواجبة على حكومة المملكة العربية السعودية، وعليَّ أنا شخصياً أن أؤديه على خير ما يطلب، وأي عمل نستطيع أن نقوم به في مكة وفي المدينة هو واجب إسلامي، ويسعدنا في الوقت نفسه حكومة وشعباً أن تؤدي هذه البلاد جميع ما تستطيع من واجبات تجاه خدمة الإسلام والمسلمين). لقد كان خادم الحرمين الشريفين - يرحمه الله تعالى - حريصاً على نشر الإسلام في كل أصقاع الأرض، وأن يصل كتاب الله إلى كل بيت إسلامي في العالم، فمن مآثره العظمى التي لم يسبقه إليها أحد تأسيس المجمع الذي يحمل اسمه (مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف) بالمدينةالمنورة لطباعة المصحف الشريف ونشر القرآن وترجمات معانيه وما يتعلق بالدراسات القرآنية الأخرى من ترجمات وتسجيلات وكتب السنة والسيرة النبوية العطرة. إن كل من تعلَّق قلبه بأقدس مكانين على الأرض، وهما بيت الله الحرام بمكةالمكرمة والمسجد النبوي بالمدينةالمنورة، وحرص على زيارتهما، ليتضرع إلى الله بالدعاء ليسكن خادم الحرمين فسيح جناته على رعايته للمقدسات الإسلامية الغالية في قلوب المسلمين، وقبل ذلك وبعده سوف يذكر خادم الحرمين الشريفين ويدعو له كل مسلم كلما طاف أو اعتمر أو حج بيت الله الحرام ورأى هذه الإنجازات الضخمة، كما سيبتهل إلى الله بصادق الدعاء لخادم الحرمين الشريفين كل مسلم يزور مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ويشاهد (المسجد النبوي) الذي شهد أكبر توسعة في التاريخ، كما سوف يتضرع إلى الله بالدعاء لخادم الحرمين الشريفين كل مسلم يمسك (كتاب الله) وهو يراه قد طُبع في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف. تغمَّد الله مليكنا الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بواسع رحمته، وأعلى درجاته في المهديين، ووفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز لمتابعة المسيرة الرائدة ومواصلة مسيرة البناء، وحفظ الله بلاد الحرمين ورجالها من كل مكروه، ورحم الله السلف، ووفَّق الله الخلف.