جاء الليل وألقت بجسدها فوق الفراش، تذكرت ما يجب أن تفعله غداً، الاستيقاظ في الساعة الخامسة والنصف صباحاً، تأدية صلاة الصبح، تجهيز طعام الإفطار لبناتها وزوجها ثم تهيئة نفسها للذهاب إلى عملها كمدرسة. آه غداً دوري في المناوبة سأتأخر عن موعد انصرافي المعتاد.. سأخرج مع آخر طالبة.. كم أتمنى ألا يتأخرن في الانصراف، لم تكن تشعر أنها نامت إلا وصوت المنبه ينطلق برنينه المعتاد ودقاته الرتيبة.. آه.. يا الله لقد نمت.. انقضى الليل بسرعة، أصبحت وأصبح الملك لله وحده.. قامت من فراشها.. كل شيء أعدته بهدوء.. وحسبما رسمته لنفسها؟!.. وانطلقت في الصباح وبناتها وزوجها كل إلى موقعه.. ألقت الدروس على الطالبات بجدية تامة.. صححت الدفاتر، حضرت دروسها ليوم غد.. حان موعد الانصراف.. نزلت إلى الساحة مع البنات تنادي على هذه وتحذر تلك من اللعب الطائش والمؤذي، تجولت بين الطالبات.. لفت نظرها مجموعة من الطالبات وهن جالسات على الأرض يلعبن لعبة طالما تمنت أن تلعبها.. ولكن هيهات.. (آه يا أبي.. كلماتك لا تزال ترن في أذني: أنت أمي.. أنت أختي.. أنت حبيبتي.. وتجلس تحكي لي عن همومك ومتاعبك.. وكل شيء يشغلك.. وكنت أنا فرحة بهذا.. وأتكئ بجسدي الصغير لأسمعك.. وأقرأ الكلمات في عيونك قبل أن تنطق بها وتقول:(أحمد الله ابنتي واعية وذكية.. وأفرح بهذا وأي فرح..) كانت نفسي تراودني أحيانا في أن ألعب.. أقفز.. أتأرجح.. ولكن حينما أتذكرك.. أسمو عن هذه الأشياء.. وأبتعد عن مرح الطفولة والشقاوة.. لقد عشت طفولة يتيمة.. يتيمة من اللعب والمرح.. عشت طفلة بعقل امرأة ناضجة، كم أتمنى أن أرجع إلى الوراء.. لأعيش.. مرح الطفولة.. أفاقت من خواطرها على صوت الطالبات.. وهن يصرخن.. (هيه.. هيه.. أستاذة تلعبي معانا؟؟) لقد لعبت ورجعت إلى طفولتها دون أن تدري.. عاهدت نفسها.. (اسمعن يا طالباتي العزيزات كلما يأتي دوري في المناوبة سألعب معكن شريطة أن الفائزة تأخذ هدية) هديتي إلى نفسي هي أن استرجع شيئا من طفولتي بالرغم من أني أم.. ولكن مع بناتي لا يهم.. بهذا حدثت نفسها..