الفنان عندليب ناطق بلسان الطبيعة والحياة. فالرسام يسخر ريشته لخدمة الفن فيطبع اللوحة بحسن الحياة، والفنان الذي يردد ألحانه مع أنغام الوتر ما هو إلا ناقل لحركات القلوب السهارى أو مجالس المحبين وفرحتهم. لكن هل كل شخص فنان؟ وهل هناك شروط لشخصية الفنان؟ وأقول الفنان وأعني به فنانينا.. فلقد سبق لي أن قرأت مقالاً للأستاذ أحمد السعد بعنوان (تمرة وجمرة) في جريدة (الجزيرة) بهذه الصفحة؛ حيث تكلم عن موضة الأزارير لدى بعض المطربين هنا؛ حيث يجعلونها في حلوقهم كقطيع الأغنام في سفح الجبل. فماذا يريدون من هذه الأزرار؟! طبعاً يريدون الجمال. ولكن ما هو الجمال؟ كما قال المازني: (الإحساس بما يهيج في الذهن مركز التوليد من طريق مباشر أو غير مباشر أو بواسطة تسلسل الخواطر). وعجبت من فلسفتهم هذه التي زعموا فيها أن الأزارير هي مولد الإحساس.. لقد أخطؤوا حينما زعموا ذلك، وغاب عنهم أن الصوت هو انفعال بعد الكلمات واللحن، وإن دلت هذه الفلسفة على شيء فإنما تدل على عدم الاتزان العقلي، فالرجل بطبيعته يختلف عن المرأة، ومعاني الجمال عنده غير معاني الجمال عندها، والخشونة من طبيعة الرجال والنعومة للنساء. ولكن تقاسيم الأعضاء والتناسب بينها هي الجمال، بل حرية الأعضاء هي الجمال، غير أنه لا يعنينا الجمال الصوتي الذي يدور عليه محور الفن. فهد بلان اكتسب جماهير كثيرة، وصوته كما هو معلوم رجولي قح - خشن - فهل كان يضع الأزارير على عنقه والطاقية على حاجبيه أم كان صوته رخيماً؟! لا هذا ولا ذاك.. بل كل ما لديه هو حرية الصوت وتناسبه مع تقاسيم الآلات، والمعاناة لها دورها الفعال في أداء فهد بلان، لذلك نجح في اكتساب الجماهير المختلفة. أقول هذا وأنا أشاهد هذه التقليعة قد طغت على المطربين ليكتسبوا بها لفت النظر وتغطية النقص في الأداء. ولن يجدوا مطلبهم إن كان هذا طريقهم. وأذكر أنني شاهدت فناناً كويتياً على شاشة التلفزيون وهو يغني إحدى أغانيه بثوبه الواسع وهندامه العادي وجسمه النحيف، وصوته الجميل هو الذي شدَّني إليه. فهذا الفنان أتى إلى المخرج بلا زوائد بل بلا ماكياج، فهل عابه هذا أو نقص من فنه، كلا بل زاده حباً؛ حيث إنه لم ينْسَ رجولته أمام الكاميرا.وكل ما أرجوه هو ألاَّ ينسى فنانونا رجولتهم أمام الكاميرا.. مع تحياتي لهم.