أن يعقد الكونجرس الأمريكي جلسات استماع حول قيام القوات الأمريكية في العراق بتقديم رشا إلى صحفيين عراقيين لنشر مقالات بأسماء ضباط أمريكيين تتحدث عن نجاح القوات الأمريكية في عملياتها ضد المتمردين من أجل خفض الروح المعنوية لدى المقاتلين.. هي شهادة اعتراف أمريكية بأن الشفافية التي يطالبونها من دول العالم الثالث غائبة عن أهم مؤسسة بالدولة الأمريكية بعد الرئاسة، وهي الجيش الأمريكي الذي يعمل على تزوير الحقائق وليِّ أذرع النتائج لصالحه من خلال تقديم الرشا وقلب الحقائق. ذلك الأمر الذي دفع الكثير من المراقبين إلى التأكيد بأن هذا الكشف يمكن أن يطيح بوزير الدفاع دونالد رامسفيليد ويجبره على تقديم استقالته.. وقد حاول الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير أن يدافع عن القوات الأمريكيةبالعراق محاولاً تجميل صورتها بأنها في طريقها للقضاء على الإرهاب والانتصار عليه قبل أن ترحل من بلاد الرافدين، وذلك للتخفيف من وقع تلك التسريبات على صورة أمريكا وجيشها. لكن قبل أن يذهب وقع وتأثير خطاب بوش المدافع عن القوات الأمريكيةبالعراق تكشّفت فضيحة جديدة للمخابرات، قال عنها تقرير بريطاني: إن أكثر من 300 طائرة استخدمتها وكالة الاستتخبارات المركزية (سي آي إيه) توقفت في أوروبا، تنقل أسرى وسجناء في سجون سرية تستخدمها الاستخبارات الأمريكية وتقوم بتعذيبهم بعيداً عن أعين القانون الأمريكي ومراقبة الكونجرس. وفي هذا الصدد ذكرت منظمة حقوق الإنسان في تقرير لها عن (المعتقلين الأشباح) أن هؤلاء متهمون بأعمال إرهابية ومعتقلون لمدد غير محددة وبدون اتهام وبدون وسائل اتصال مع الخارج وحتى إمكانية الاتصال بمحامٍ.. وقال التقرير إن هؤلاء المعتقلين تعرضوا للتعذيب أو لقوا معاملة سيئة جداً في السجون. وفي هذا السياق صدرت احتجاجات أوروبية على السلوك الأمريكي من السرية التي تستخدمها الولاياتالمتحدة على أراضيه بشكل يسيء إليه، وأن تكون بداخله سجون سرية يمارس فيها التعذيب والإيذاء البدني لمعتقلين لا يعرف عنهم الاتحاد الأوروبي أيَّ شيءٍ.. وهو الأمر الذي أزعج قادة الاتحاد من السرية وعدم الشفافية التي اتبعتها واشنطن معهم. ولن نذكر هنا ما حدث بسجن أبوغريب في أحداث التعذيب الشهيرة التي مورست على معتقلين عراقيين من قبل القوات الأمريكية حتى نؤكد أن الشفافية في السياسات الأمريكية باتت محل نظر، بل تكيل بمكيالين: واحد موجه لأوروبا باعتبار الولاياتالمتحدة زعيمة السياسات الخلاقة والبلد الأكبر في الحريات وحوق الإنسان في العالم.. وآخر موجه لدول الشرق الأوسط تطالبهم بالشفافية في سياستهم وزيادة رقعة الديمقراطية والحرية فيها، كما عرف بالمشروع الأمريكي للديمقراطية في الدول الشرق أوسطية رغم أنها في هذا الصدد تناقض نفسها عندما ترسل معتقلين وأسرى إلى هذه الدول من أجل تعذيبهم وأخذ اعترافات منهم تحت التهديد. غير أنه من خلال تلك التسريبات والفضائح التي انجلت مؤخراً أكدت أن أمريكا تقيّد الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتعذّب المعتقلين والسجناء، ولديها سجون سرية في أوروبا تمارس فيها كلَّ أنواع التعذيب.. إضافة إلى سجن جوانتنامو بكوبا وما تسرّب منه من ممارسات بشعة بحق السجناء والمعتقلين وبروايات الذين خرجوا منه. من ذلك كله نقول: إن مقولة (أن أمريكا زعيمة الحريات في العالم) أصبحت محل شك وريبة وتقارير منظمات حقوق الإنسان التي صدرت خلال العامين الماضيين تكشف بجلاء عن أنها دولة تنتهك حقوق الإنسان وتضرب عرض الحائط باتفاقية جنيف في معاملة الأسرى، ويشوب سياساتها الكذب والتدليس، كما حدث مع اتهام العراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل، وقامت بغزوه واحتلاله.. والأمثلة في هذا الصدد تطول، غير أنها تجزم أن الشفافية غابت عن سياسات الإدارة الحالية وربما لن تعود في القريب المنظور!. (*) صحفي مصري [email protected]