ننشر فيما يلي نص مشاركة الأستاذين خالد المالك وبدر كريم في الندوة الكبرى التي أقيمت ضمن فعاليات المنتدى السنوي الثالث للجمعية السعودية للإعلام والاتصال عن التعليم والتدريب الإعلامي في الوطن العربي المنعقد في جامعة الملك سعود خلال المدة من 3 إلى 5 ديسمبر عام 2005م ورقة عمل خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة يأتي انعقاد المنتدى السنوي الثالث للجمعية السعودية للإعلام والاتصال متزامناً مع موافقة مجلس الوزراء على خطة التنمية الثامنة للدولة، وهذه المصادفة الجميلة مع إقامة الجمعية لندوتها الكبرى، إنما تضيف إلى هذه الندوة أبعاداً مهمة تناسب عنوانها الكبير، بأمل أن يغني المشاركون هذا الموضوع بما يعطينا المزيد من الثقة بقدرتنا على تفعيل التعليم والتدريب الإعلامي في المملكة، بأمل أن تستجيب مخرجاته في المستقبل القريب بإزالة الانطباع السائد من أن الإعلام السعودي يوغل ويبالغ في الشكليات ولا يمس الجوهر أو يتعمق في المضمون. * * * ومن أجل تحويل هذه الندوة المهمة التي تقام تحت عنوان (مخرجات التعليم والتدريب الإعلامي في المملكة العربية السعودية في ضوء متطلبات التنمية: رؤية إستراتيجية) من وهج إعلامي وفرصة للمصوِّرين لاستعراض مهاراتهم، ثم لا شيء بعد ذلك، إلى تقويم حقيقي وأمين لعلاقة مُخرجات التعليم والتدريب الإعلامي في المملكة بمتطلبات التنمية في المجتمع السعودي، فإن الأمر يحتاج مستقبلاً إلى عدم اقتصار المشاركة في مثل هذه الندوة على ذوي الاختصاص من الأكاديميين والشخصيات الإعلامية في المملكة بحجة مشاركة من هم غير سعوديين في جلسات المنتدى السنوي للجمعية، وإنما باللجوء إلى الاحتكاك والتفاعل والاستزادة من الخبرات الأجنبية بإشراكها في الندوة الكبرى أيضاً؛ لمعرفة تقييمها لتجربتنا من وجهة نظر إستراتيجية، وكذلك التعرُّف على المعطيات والأسس في الدول الأخرى، بما له علاقة بالموضوع ذاته في دولهم. * * * الأمر الذي يجعلنا بذلك أكثر اطمئناناً على أن الباحثين والمتحدثين سوف يثرون الندوة بخبراتهم وتجاربهم ووجهات نظرهم، بما يفتح أمام المعنيين والمهتمين وصنَّاع القرار هنا في المملكة آفاقاً لتجسير العلاقة بين مخرجات التعليم والتدريب الإعلامي في المملكة مع متطلبات التنمية في المجتمع السعودي، كرؤية إستراتيجية يبنى عليها التخطيط للإعلام الفاعل والمؤثر والمفيد الذي ندعو إليه. * * * إن موضوع التدريب، وقبله التعليم الإعلامي، في المملكة كما هو في الوطن العربي، يواجه معوقات كثيرة، وكان هذا سبباً رئيساً في أن الوسائل السعودية الإعلامية لم تتمكن من أن تمارس دوراً فاعلاً ومؤثِّراً في خدمة التنمية الشاملة في المملكة، وكلُّ المحاولات التي بُذِلت للتغلب على هذه المعوقات اقتصرت على تكرار الفكر النمطي السائد، والتوسُّع فيه دون مبادرات جادة لخلق أفكار جديدة وأسلوب متطور، بحيث ينقل الوسائل الإعلامية من حالة الضعف إلى موقع القوة والتأثير، في ظل المتغيّرات والتحديات المتسارعة التي يشهدها العالم، لأن مواكبتنا للعمل الإعلامي المتجدد والمتطور عند الغير - تعليماً وتدريباً وممارسةً - يمكن أن يصنف بأنه دون مستوى الطموح، بسبب تقوقعه وانكفائه على نظريات وأساليب ربما تجاوزها الزمن مع ظهور الفضائيات والشبكة العنكبوتية والصحافة الإلكترونية، فضلاً عن التقنية الهائلة بالنسبة لوسائل الاتصالات، والانطلاقة المتطورة في صناعة أجهزة ومعدات الصوت والصورة والطباعة والأجهزة الأخرى المساندة. * * * ولا شك أن التعليم والتدريب الإعلامي في المملكة - كما هو في الدول العربية الأخرى - لا يعطي الصناعة الإعلامية الأهمية التي تستحقها، ومن وجهة نظري المتواضعة، فإن قيام المملكة وهي الحاضنة لوزارة للثقافة والإعلام بالبدء مستقبلاً في تحويل التلفاز والإذاعة ووكالة الأنباء السعودية إلى مؤسسات - تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء، وما قامت به الوزارة من قبل من تطوير لنظامي المؤسسات الصحفية والمطبوعات - لا يكفي لتطوير العمل الإعلامي، والنهوض بمستواه وتوسيع دائرة الاستفادة منه، ما لم يُعَد النظر في أقسام الإعلام في جامعاتنا أولاً، وما لم نتوسع في إنشاء معاهد تدريب حقيقية وليست شكلية للإعلاميين، وما لم تكن هناك فضاءات واسعة لممارسة العمل الإعلامي ضمن هامش أوسع من الحرية المنضبطة، وبأكثر مما هو متاح في الوقت الحاضر، حتى وإن تطلب ذلك منا التسامح عن بعض الأخطاء الاجتهادية التي لا يخلو منها أي عمل إعلامي ناجح، ومثلما قال الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في كتابه (الإعلام في المملكة العربية السعودية الصادر عام 2000م): فإنه باستطاعة الإعلام السعودي، أن يجمع بين الأصيل في الثوابت والمتجدد في المحدثات، وأن يخطو خطوات واثقة نحو تطور نوعي، ونظرة جديدة للرقابة تتطور من التركيز على الشكل إلى المضمون، وفتح للنوافذ لا يتناقض مع الأساس ولا يُثقله ولا يمحوه، فالانفتاح وحرية التعبير الملتزم، هما - كما يرى الدكتور الشبيلي - أعلى درجات التأكيد على الثقة، والقوة، والإنسانية. * * * نعم هناك توسع في عدد أقسام الإعلام في الجامعات السعودية، إذ يبلغ عددها خمسة أقسام في أربع جامعات حتى الآن، وخريجوها كثر في مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وهذا طبيعي بحكم كثافة سكان المملكة، وأسبقية جامعاتنا في إنشاء أقسام الإعلام على مستوى دول الخليج، وهناك معاهد تدريب ومؤتمرات وندوات تختص بهذا النوع من التعليم،وتضيف إليه مما لا يتمكن الدارسون من التعرف عليه في حلقات الدرس في جامعاتهم، غير أن ما نراه لا يصل في سرعته ومستواه إلى ما هو مطلوب، لإعداد المبدعين والمتفوقين من الكوادر الإعلامية، إعداداً ينسجم مع ما هو مُلِحٌّ من حيث الأهمية، بما في ذلك خلق الجو التنافسي على الإبداع والابتكار وتنمية المهارات بين الإعلاميين. * * * وقد تبادر إلى ذهني - خلال إعدادي هذه الورقة - موضوع المرأة السعودية وعلاقتها بالإعلام، ولي أن أتساءل.. كيف لنا أن نقدِّم إعلاماً مرئيّاً أو مسموعاً أو مقروءاً بلا نساء، إذ إنّ جميع جامعاتنا لا تسمح بقبول الفتيات في أقسام إعلامها، وهذا ما لا نعترض عليه، لكن وفي مقابل ذلك فهي لا تسمح بافتتاح أقسام إعلامية نسائية فيها، ممّا عطَّل أو عاق الاستفادة من هذا العنصر الذي يمثِّل نصف سكان المملكة، وما قامت وتقوم به المرأة السعودية من اقتحام شجاع لوسائل الإعلام لتمارس دورها، إنّما هو تأكيدٌ على مقدرتها على المنافسة والإبداع، واستعدادها لأخذ المكان الذي يمكنها من أن تشارك بمعالجة ولو بعض ما تئن منه الصناعة الإعلامية في المملكة من عدم بلوغها المستويات الإعلامية المتقدمة. * * * ولأن هناك كلاماً كثيراً عن أن من يعمل في وسائل الإعلام أغلبهم ليسوا من خريجي أقسام الإعلام في جامعاتنا، وأن أكثريتهم ممن لم يتخصصوا في هذا المجال، فإن هذا يعيدنا إلى ما أشرت إليه آنفاً، من أن أقسام الإعلام ربما كانت تحتاج الآن وليس غداً إلى مراجعة سريعة، وإلى إعادة نظر في كوادرها وخططها التعليمية، وقياسات وشروط محددة لمن يقبل من الطلاب فيها، مع إعطاء أهمية للتدريب لمن يتخرَّج فيها، هذا إذا كانت هناك جدية حقيقية في وضع العمل الإعلامي من حيث المستوى والمهنية العالية في خدمة التنمية، وفي مواجهة الإعلام الأجنبي المضاد. * * * ذلك أن مدى تلبية مخرجات أقسام الإعلام في جميع جامعاتنا لسوق العمل، هي مماثلة بنظري لما توصل إليه الدكتور عبدالله الحمود والدكتور فهد العسكر في دراستهما المسحية عام 1424ه عن قسم الإعلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، متضمنة أن مخرجات القسم يعوزها امتلاك بعض المهارات الفنية المتقدمة، نظراً لتسارع وتيرة التطورات التي تشهدها مختلف مجالات الصناعة الإعلامية، وعدم قدرة أقسام الإعلام على مسايرتها. * * * إن قضية التدريب الإعلامي في غاية الأهمية، وتحتاج بنظرنا إلى مبادرات تتبنى خططاً إستراتيجيةً إعلاميةً، وتقودها مجتمعة الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة، بحيث يفرز لنا مثل هذا التعاون، وبمثل هذه المبادرات، عملاً إعلامياً ضخماً لا نضِلُّ بعده عن الطريق الصحيح، ولا يجرفنا التقليد الأعمى للغير عن التركيز الضروري والمهم على العمل الإعلامي الأمثل. ومثلما قال الدكتور محمد سعيد الشعفي في بحث نُشِرَ له في مجلة الفيصل في عددها الصادر شهر شعبان عام 1398ه من أننا ندرب حملة المشاعل - يقصد الإعلاميين - وبالتالي فلا بدَّ من بذور جيدة في تربة صالحة ليخرج لنا نبت سليم، إذ لا يمكن أن نتوقع حصاداً وفيراً وخيراً عميقاً وإنساناً سليماً من وراء إعلام قاصر. * * * والتدريب الذي نتوخَّى منه خيراً عميقاً - مثلما ذكر الدكتور الشعفي - هو ذلك الذي تحدثت عنه الدكتورة فوزية فهيم في ندوة عن الإعلام نظمتها مؤسسة (اقرأ) الخيرية في القاهرة خلال الفترة من 30 شوال إلى 2 من ذي القعدة عام 1412ه بالقول: إن العنصر البشري هو محور الارتكاز في أجهزة الإعلام، وهو الوسيلة والهدف لكل عمليات التنمية، ولا بد أن تتلقفه يد التأهيل والتدريب وهو طالب يدرس الإعلام في كليته، فإذا سلَّمنا بذلك، وذهبنا إلى ما ذهبت إليه الدكتورة فهيم، فقد آن الأوان لأن تتبنى هذه الندوة توصية بأهمية التدريب، مع وضع تصور طموح قابل للتنفيذ عن مخرجات التعليم والتدريب الإعلامي بالمواصفات التي تناسب المرحلة التي تمر بها بلادنا، وبما يلبي ويستجيب لمتطلبات التنمية في المجتمع. * * * وفي نظرة عجلى وقراءة سريعة لخطط التنمية التي شهدتها المملكة منذ العام 1970م وحتى الآن، لا يبدو أن الشأن الإعلامي قد أخذ حقه كاملاً من الاهتمام بمقارنته بغيره، مع أنه سيكون في وضع أفضل - ممارسةً وتعليماً وتدريباً - لو أن خطط التنمية أولته العناية التي يستحقها، ولو أنها فعلت ذلك لكانت قد أسدت له خدمة كبيرة ربما ساعده على تجاوز ما يقال فيه وعنه من نقد لا يمكن إغفال موضوعيته، ولو في بعض ما يتداوله المواطنون سواء في صوالينهم الخاصة أو من خلال وسائل الإعلام ذاتها، مع أن صورة الإعلام السعودي بصرف النظر عن خطط التنمية وما جاء فيها، كان يمكن أن تكون في وضع مرضٍ، لو أن أقسام الإعلام في الجامعات السعودية، بالإضافة إلى أهمية التوسع في مجال التدريب، تفاعلت مع متطلبات التنمية للمجتمع السعودي من خلال توثيق العلاقة بين ما يدرسه الطالب بما يتطلبه سوق العمل، مع التركيز على المراجعة الدائمة والمستمرة للعلاقة القائمة أو التي ينبغي أن تقوم بين مخرجات التعليم والتدريب الإعلامي من جهة، ومتطلبات التنمية في المجتمع من جهة أخرى، إذ بذلك يمكن مع مزيد من التوسع في مجال التدريب أن نطمئن على أن مستقبل التنمية في بلادنا سيكون بخير. * * * إنني أتفق مع ما كتبه الدكتور الشعفي لمجلة الفيصل - مع تحفظي على المدة - من أن دورة المعلومات تصل إلى نهايتها في غضون خمس سنوات، وأنه لا بد من قيام تدريب نشط لإطلاع الإعلامي على آخر التطورات التقنية التي طرأت على مجال عمله والمجالات القريبة؛ حتى لا يصاب بالجمود في عالم سريع الخطو والإيقاع، وأضيف إلى ما قاله الدكتور من أن التعليم بمخرجاته يجب أن يخضع أيضاً للمراجعة والتطوير والتجديد بشكل مستمر، وفق الحاجة، وبما يتواءم مع متطلبات السوق، وعلى أن يترجم أي تجديد يتم إقراره مدى قدرته على التفاعل مع المستجدات في كل المجالات التي يمسها التغيير المدروس. * * * وفي نهاية هذه الورقة أريد أن أقول: إن هذه الندوة إذا لم تُغطَّ مواضيعها ومحاورها من قِبَل الباحثين والمشاركين والحضور، بما يلقي ظلالاً من الثقة واليقين على تصميم الخبراء والمختصين، بأن رؤيتهم لهذا الموضوع تلامس المواقع، وتخاطب المستقبل، وأنها قابلة للتنفيذ، فإن هذه الندوة - بنظري - لا جدوى منها، ولا في آراء من شاركوا فيها، ممن ينتظر منهم أن يضعوا النقط على الحروف؛ للتدليل على تصميم الجميع ورغبتهم في تطوير مهارات القوى البشرية الإعلامية، ومن ثم الاعتماد عليها، لأن وضع التصورات ورسم الخطط والتنظير للمستقبل الذي نتطلع إليه من خلال هذه الندوة ومثيلاتها لا تكفي مجتمعة لتحقيق ما ننادي به وندعو إليه، إن لم يصاحبها التنفيذ السريع، والمتابعة الدقيقة، لكي نطمئن على أن خططنا التنموية تمر عبر قنواتها الصحيحة، وبما يستجيب مع رؤيتنا الإستراتيجية لها. ورقة عمل بدر أحمد كريم الباحث والإعلامي المعروف إذا كانت وسائل الإعلام الجماهيرية في بداية عهدها، بسيطة من حيث الإنتاج، ومصدر المعلومات، والتوزيع، وكانت تخدم مجتمعاً محلياً واحداً، وتستمد منه في الوقت نفسه، الأدوات التي تسهم بها في أداء وظائفها، إلا أن أداء هذه الوظائف يتطلب - في الوقت الراهن - مؤسسة تعليم وتدريب، يتميزان بأنهما مخططان ومقصودان، لإعداد وتأهيل مرسلي الرسائل الإعلامية، فوسائل الإعلام مطالبة بأن تعرف الواقع الاجتماعي، وأن تثبت المعايير الاجتماعية المقبولة، فعملية التعلم الإعلامي تنطوي على جانبين أساسيين الأول: جعل جمهور وسائل الإعلام يتبنى ترجمة هذا الواقع للحقيقة، التي تشتمل على: وقائع، ومعايير، وقيم، وتوقعات، والآخر: يظهر في التفاعل الانتقائي والمستمر بين الذات من جهة، ووسائل الإعلام من جهة أخرى، إذ إن هذا التفاعل يؤدي دوراً في تشكيل سلوك الفرد، وفي تكوين مفهومه عن ذاته. ومعنى هذا أن الإعلامي المتعلم والمتدرب، يستطيع أن يعرف بيئته الاجتماعية، ثم تستجيب للمعرفة التي تعلمها عن طريق الاكتساب، بطرق معينة. إنّ جمهور وسائل الإعلام، يتوقع منها أن تثبت: أولاً: أنواع الأدوار الاجتماعية المنوطة بالفرد، والجماعة، والمجتمع. ثانياً: طبيعة التوقعات المتصلة بكل دور منها، سواء بالنسبة لأدوار العمل، أو الحياة الأسرية، أو السلوك الإنساني. ثالثاً: بعض القيم الاجتماعية المقبولة، المنبثقة من مجالات التجربة الاجتماعية. رابعاً: الحوارات بين الأشخاص ذوي التأثير. وحينما يتساءل متسائل: لماذا يطلب هذا من وسائل الإعلام الجماهيرية؟ فإن الإجابة ببساطة: لأنها تحظى بثقة عالية عند الجمهور، بحكم أنها مصدر للمعلومات، والانطباعات المتصلة بعالم الفرد، الذي يتجاوز حدود خبرته المباشرة. إنّ عملية تعليم الإعلام في المجتمع السعودي، يمكن أن توصف بأنها ضعيفة، وإذا كان هذا رأياً فردياً لا تدعمه الدراسات العلمية، إلا أنه رأي ينبع من مجموعة من القضايا النظرية، يتمثل أبرزها في: الطرق التقليدية في التعليم الإعلامي، التي كان الاعتماد عليها ممكناً في غير هذا العصر، فلقد برهنت مجموعة من خبراتي التراكمية القابلة للفحص والتأكد، أنّ الإعلام ابتلي اليوم بنمط من الإعلاميين والإعلاميات، يعرضون صوراً وأفكاراً لا تنبع من الواقع الاجتماعي، بل ولا تعبّر عنه، وتتسم بنمطية، تكشف عن اختلال في تعليم الإعلام من جهةٍ، وفي بعض المتخرجين من أقسامه وكلياته من جهةٍ أخرى، سمح بأداء مضمون، يتميز بانعدام الاتساق في المفاهيم والأفكار. ومن هنا فإنّ على أقسام وكليات الإعلام في المجتمع السعودي، أن توجد البرهان الذي يثبت الآثار المتمايزة لخريجي الإعلام، ولا أعتقد أن المهمة يسيرة، بل معرضة لمجموعة من التحديات، التي تتعامل مع ظواهر ذات طبيعة شاملة، من حيث المنهج، والطالب، والاعتماد على الطرق العلمية المألوفة، في تعلم الإعلام والتدريب على مختلف فنونه. ولو تأمل أي باحث مجموعة العوامل المتصلة بنجاح العملية التعليمية الإعلامية أو فشلها، لأمكنه الاستعانة بالآثار المتصلة بردود أفعال الجمهور، وأشير على نحو خاص إلى: أ- عوامل متصلة بالجمهور وولائه للوسائل الإعلامية القادرة على ربطه بها، وصلاته الوجدانية معها، اللذين يؤثران على فاعلية أدائه الاجتماعي. ب- عوامل متصلة بالمصدر، في ظل الاحتكار الذي يشير إلى تعدد القنوات الإعلامية، التي تبث الرسالة نفسها، واحتمال زيادة التأثير على المستقبل. ج- عوامل متصلة بنظام توزيع المعلومات، لتغيير الآراء أو الاتجاهات، التي يمكن أن تتيح فرصة الاستجابة الفردية والجماعية المباشرة، المتمثلة في الفعل وردة الفعل. د- عوامل متصلة بالسلوك الإنساني، الناجم عن حالات الذعر، والهلع، والخوف، والقلق، التي تسود مجتمعات اليوم بفعل الإرهاب والفكر الإرهابي، وما يسود عملية استقبال المعلومات بواسطة الوسائل الإلكترونية الحديثة. إنّ الخوض في تفسير ضعف التعليم والتدريب الإعلامي في الوطن العربي، يعد مشكلة في حد ذاته، وبخاصة لو أراد باحث أن ينتقل من التفسير إلى التوقع (التنبؤ) ومما يزيد من تفاقم حدة مشكلة التفسير والتوقع، تلك السلبية الطاغية في مكونات بعض الإعلاميين، والإعلاميات، التي يمكن رؤية نتائجها بسهولة في أداء بعض وسائل الإعلام، التي أصبحت وظائف بعضها مجرد إثارة لمنبه واستجابة له، يهيئ المناخ لظهور استجابات سلوكية، من ذلك النوع الذي يتمثل في: الإجرام، والعنف، والعدوان، والخوف، والإثارة، وهو ما يمكن تقريره هنا، نتيجة لضعف التعليم الإعلامي في الوطن العربي. إن الصلة النظرية والتاريخية بين تعليم الإعلام وخريجيه، تجعل من الأهمية بمكان، إلقاء الضوء على خصائص العملية الإعلامية، وعناصرها، وتحديد موقعها ضمن قنوات الإعلام، فضلاً عن الاهتمام بمقومات بناء الإعلامي والإعلامية، وأسمحُ لنفسي أن أضع ثلاثة اعتبارات أساسية هي: أولاً: تحديد مفهوم الإعلام في العصر الحالي، من أن يكون مجرد نقل رسائل معينة من مرسل إلى مستقبل، تعرض للنقد الشديد في الآونة الأخيرة، ليتحول إلى بناء للإنسان، من خلال تحليل المقومات الأساسية لعملية الإعلام. ثانياً: أن يدرك القائمون على تعليم الإعلام، ومتعلميه في المجتمع السعودي، أو الوسائل الإعلامية المعروفة الأربعة: الإذاعة، والرائي، والصحيفة، والمجلة، تواجه اليوم تحديات لا قبل لها بها، إذ إن هناك وسائل اتصال حديثة فرضت نفسها ومنها: القنوات الفضائية العابرة الحدود، والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) والصحيفة الإلكترونية التي بدأت تزحف شيئاً فشيئاً على الساحة الإعلامية. ثالثاً: أن يتحول الإعلام إلى إعلام جماهيري حقيقي، بما ينطوي عليه من مغزى للتفاعل، ولتبادل المعاني والأفكار، واستقبال وإرسال المعلومات. رابعاً: أن يهيأ خريجو أقسام وكليات الإعلام، لعالَمِ العولمة، التي لا تجعل المتلقي يواجه صعوبة الحصول على المعلومات، بل تغزوه على النحو الذي يجعل المجتمعات في منأى عن مراقبة سلوكيات أفرادها، أو ممارسة الضبط المباشر على تلك السلوكيات، وإذ ذاك يصبح الإعلام ليس مجرد نقل للأفكار، بل صانع لها على نحو غير مألوف، وتصبح الكلمة المنطوقة، والمقروءة، والمسموعة، ذات تأثير ربما يعيد ما كان سائداً من قبل: من أنّ تأثير وسائل الإعلام كالطلقة، أو كالحقنة تحت الجلد، أو كالقذيفة السحرية، مستبعداً أي وسائط أخرى، وقافزاً عليها، ومنحيها جانباً. ودعوني أتصور وضع إعلام العولمة على النحو التالي: أولاً: صحف مطبوعة تتميز بخصائص متشابهة ومشتركة. ثانياً: متلقون ألغيت بينهم الحدود، والسدود، والحواجز. ثالثاً: إذاعة مسموعة تتمتع بمرونة أكثر، وقدرة على التحرك أسرع. رابعاً: رائي (تلفاز) يتوافر له الزمن الواقعي (أو واقعية الزمن) إيقاعه أسرع مما هو عليه الآن، وطريقة أدائه تتركز في اختصاص كل متعولم، والزمن فيه عرضة للانكماش، وامتداده اتسع، وجمهوره يبالي بكل صغيرة وكبيرة في هذا العالم، وخياله أوسع مما هو عليه الآن، وقياس نتائجه تنبع من مدى مطابقتها للواقع، والعيون الملتصقة بالشاشة مرتبطة بحيز الحياة الواقعية، والمسافة بين المشاهد والصورة، تعبّر عن علاقة بين شخصٍ وآخر، وليست من شخص ومؤسسة إعلامية. إنّ أقسام وكليات الإعلام في المجتمع السعودي، ينبغي أن تتخذ ما يمكن تسميته ب(التدابير الصناعية). وسأشرح المقصود بذلك. إنّ عملية التعليم الإعلامي بناء يشتمل على عنصرين هما: التنظيم والتمويل، اللذان يخضعان لنشاطات التصدير والانتشار. ففي أدبيات صناعة السينما في هوليوود، ما يشير إلى أنها عندما ظهرت استحدثت عدداً من التدابير والترتيبات البنائية، التي أصبحت بمرور الزمن تبدو على أنها أمور طبيعية، فضلاً عن أنها أصبحت موضعاً للاقتباس منها، بواسطة صناعات السينما في كل أنحاء العالم. ولذلك كانت هذه الترتيبات هي الشكل المسيطر على هذا النوع من الصناعات، ومازالت تقوم بهذا الدور حتى الآن. باختصار شديد أرى أن تعتمد عملية تعليم وتدريب الإعلام في المجتمع السعودي، على الخصائص التالية: الأولى: النظر إليها على أنها بناء متكامل، يبدأ بإنتاج الإعلاميين والإعلاميات، وينتهي بتقديمهم لسوق العمل الإعلامي، مروراً بعملية توزيعهم على وسائل الإعلام. الثانية: وجود نظام مرن لتعليم الإعلام والتدريب على مختلف علومه وفنونه، ولكنه يتسم بالديناميكية، أو بما يسمى ميكانيزم المبيعات، أي يعرض إعلاميين وإعلاميات في سوق العمل، يعاونان على إيجاد ما يعرف باسم (نظام النجوم) الذي يدعم الآن الأفلام السينمائية. الثالثة: وجود درجة عالية من التخصص، تستلزم تقسيماً دقيقاً للعمل الإعلامي، الذي يوفر قدراً ملائماً من الأمن للعمل الإعلامي، والأمان للإعلامي والإعلامية، والربحية للوسيلة الإعلامية مادام هناك توجه لظهور وسائل إعلام خاصة في المجتمع السعودي. الرابعة: قواعد واضحة ومرئية للسلوك المهني الإعلامي، في مؤسسات وسائل الإعلام السعودية، والاتجاهات الفعّالة، المتصلة بكل ما هو ملائم في أسلوب العمل الإعلامي وإنجازه، بما في ذلك الالتزام بالموضوعية في إعداد المضامين الإعلامية. الرابعة: البعد عن الصورة التقليدية النمطية، التي تظهر في عملية التدريب، الذي تقوم به مؤسسات إعلامية غير مؤهلة، لطائفة من الإعلاميين والإعلاميات العرب. الخامسة: نشر الأخلاقيات المهنية الإعلامية (قيم الممارسة) من خلال تعليم وتدريب الإعلاميين والإعلاميات عليها. السادسة: إدخال وتعزيز مبادئ معينة مثل: الموضوعية، والنزاهة، والاتزان، ومكافحة الفساد الإعلامي، والرشوة، والمحسوبية، كمقومات تسيطر في دائرة الأخلاقيات المهنية، وبخاصة في وسائل الإعلام التي تقوم بدورٍ محوري، في نشر وتصدير هذه القواعد المهنية الأخلاقية. السابعة: تكثيف برامج التقنية الإعلامية الملائمة، التي تمثل أيضاً مجالاً مهماً من مجالات تصدير القيم الاجتماعية، ونشرها. أخلصُ من كل ما سبق إلى: انّ المتغيرات الآنية والمستقبلية على الساحة الإعلامية، وبخاصة تلك التي تتعلق بتعليم الإعلام والتدريب عليه، إنما تنبثق من الوزن الجديد لمجتمعات العولمة، وموقع تأثيرها، الذي يحتاج إلى فحص معمق لواقع الإعلام ووسائله، للخروج بإجابة عن سؤال محوري وهو: هل تعد وسائل الإعلام الجماهيرية، بمثابة مرحلة تطورية قصيرة المدى، أم أن الظروف التي أدت إلى ظهورها، تجعلها تتميز بالقوة والاستمرارية لمقاومة مخاطر التبعية الإعلامية، التي ترى الآن في تصدير وانتشار منتجات، تنحرف صوب القشور، والتبعية الإعلامية، وفحص العلاقة بين ما هو مطلوب من احتياجات للمؤسسات الإعلامية القائمة، والمستحدثة، مما يفيد في معرفة الوضع الراهن للتعليم والتدريب الإعلامي في الوطن العربي، والأسباب التي أدت إلى ضعفه، وتخلفه عن اللحاق بركب المجتمعات المتقدمة، والظروف التي تزيد من ترجيح استمرار هذه الظاهرة في الوطن العربي، والمراجعة النقدية لمناهج أقسام وكليات الإعلام العربية، لاستيعاب المرحلة الجديدة: مجتمع العولمة والمعلومات.