كثير من الناس يجهل أن الصبر والقدرة على انتظار الدور واحترام النظام فن وذوق وملكة لا يحسن بعض الناس امتلاكها. وهؤلاء الصنف من الناس هم المتأخرون دائما ويحاولوا أن يعوضوا هذا التأخير على حساب الآخرين فتجد أحدهم يأتي آخر الصف ويريد أن يحصل على الرقم واحد مهما كلفه الأمر، فتظهر عليه علامات الاستياء والعجلة فيحمر الوجه ويكثر التأفف وتقضم الأظافر، فاحذر أن تكلمه فهو قنبلة مفخخة، فأنت إن تكلمت معه فقد ضغطت على زر التفجير وسوف يفرغ فيك كل طاقات غضبه، وإذا لم تعطه الفرصة لأن يتشاجر معك تشاجر مع نفسه، ولعلي في ذلك اليوم شاهدت أحدهم عند ماكينة الصرف الآلي ولا يخفى عليكم كيف يكون الزحام كما لو أنك تتسول وتتوسل إليها لكي تتصدق هي عليك من رصيدك، فأنا لا ألومها ولكني ألوم أصحاب الشأن والاختصاص فهو السوق الأول في المحافظة ولا يوجد به سوى ماكينة صرافة واحدة هذا إذا لم تكن قد أعطت نفسها إجازة مرضية وأصبحت خارج الخدمة، المهم في ذلك اليوم كان الجميع واقفين بانتظار الدور والأجواء مطمئنة وهادئة إلى أن تقدمت امرأة لكي تصرف وكان الدور لرجل فسمح لها بأن تصرف من باب يؤثرون غيرهم ولو كان بهم خصاصا أو من باب (ليديز فرست) كما يقال. الله وحده أعلم بالنوايا فتقدم رجل من آخر الصفوف يطير شرار الغضب من وجهه مفتول الشوارب وقال له بصوت عال يذكرني بصوت منشار الحديد لماذا تعطيها الدور وتجعل النساء تصرف اولا ونحن رجال بشواربنا واقفين ننتظر؟ فقال له الرجل الآخر الدور لي وأعطيه من أريد وإذا كنت على عجلة من أمرك فكلنا مستعجلون، وهكذا دارت معركة كلامية بينهما انتهت بالسباب وتراشق الشتائم والله المستعان، فأنا لست مع الأول وضد الثاني أو العكس فلكل واحد منهم فهمه وعقليته ووجهة نظره؛ فالرجل الأول ربما فضل أن تصرف النساء أولاًَ رحمة بهن أو لأن السوق نسائي والرجال هم المتطفلون على حقوقهن وإلا بإمكان الرجل أن يركب سيارته ويذهب لصرافة أخرى ولا يزاحم النساء. أما الرجل الآخر فهو أكثر غلطا ولغطا من الأول فيا ليته تفاخر بشيء من فضائل الرجولة غير الشوارب لكان أبقى قليلاً من الاحترام له فمثل هذا الشخص لا يرى النساء كائنا بشرياً، فقد ذهلت عندما سمعته يسب النساء كل النساء ولشدة غبائه يظن أنه ولد من رحم رجل!! فلقد نسي أمه وزوجته وبنته وأخته إلى آخر محارمه فهو نموذج لإنسان العصر الجاهلي الذي كنت أوقن بأنه انقرض قبل 1426ه سنة أين هو من قول سيد البشرية وحافظ جميع الحقوق ولم ينس بأبي وأمي حق المرأة وهو عليه الصلاة والسلام ما ينطق عن هوى إن هو إلا وحي يوحى عندما قال: (رفقاً بالقوارير) (استوصوا بالنساء خيرا) (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ولكن لمن أنادي ولا حياة لمن تنادي فأنا أشك بل أجزم بأن هذا الرجل لم يمسك صحيفة أو مجلة إلا لمشاهدة الأغلفة والصور فهو من كثرة تهميشه للآخرين لا يعيش إلا في هامش الحياة. ولكني أقول بأن الرجلين الأول والثاني جانبا طريقالصواب بقصد أو بدون قصد ولابد من الوسطية فالأول بالغ بأن جعل الدور للنساء فقط والثاني بالغ بطمسه لحق المرأة حتى بالوقوف أمام الصرافة فلو أننا من البداية احترمنا النظام والتزمنا به وكل واحد منا انتظر دوره سواء رجلا او امرأة لكفى الله المؤمنين شر القتال.