تخيل عالماً من دون مياه للشرب.. إنه تصور مخيف، لكن العلماء يقولون: إن 40 في المئة من البشر الذين يعيشون في جنوب آسيا والصين يمكن أن يعيشوا وليس لديهم سوى كميات شحيحة من مياه الشرب خلال خمسين عاماً بسبب ذوبان الأنهار الجليدية في جبال الهيمالايا وهي المصدر الرئيسي للمياه بالمنطقة وذلك بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري. وتمد الأنهار الجليدية أنهاراً آسيوية بنحو 8.6 ملايين متر مكعب سنوياً بما فيها نهر يانجتسي والنهر الاصفر في الصين ونهر الجانج في الهند ونهر اندوس في باكستان ونهر براهمابوترا في بنجلاديش واراوادي في بورما.. لكن مع تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري تتقلص الأنهار الجليدية بسرعة، حيث ارتفع متوسط درجات الحرارة في منطقة الهيمالايا درجة مئوية واحدة منذ السبعينات. وقال تقرير للصندوق العالمي للحياة البرية نشر في مارس آذار: إن ربع الأنهار الجليدية في العالم يمكن أن تختفي بحلول عام 2050 وترتفع النسبة إلى النصف في عام 2100م. وقال براكاش راو منسق برنامج الطاقة وتغير المناخ مع المنظمة في الهند لرويترز: (إذا استمر هذا السيناريو.. فستكون هناك كميات قليلة للغاية من المياه في نهر الجانج وروافده). الوضع هنا أكثر خطورة لأن الناس هنا يعتمدون على أنهار الجليد في الحصول على مياه الشرب بينما في المناطق الأخرى توجد مصادر متعددة لمياه الشرب). ويشعر الخبراء بالقلق. وأخذ نحو 34 ألف كيلومتراً مربعاً من الأنهار الجليدية بجبال الهيمالايا في الانحسار على المدى الطويل مع تقلص الجليد وذوبان بعضه في فصل الصيف كما ستنخفض أيضاً تدفقات المياه من الأنهار مما سيؤدي إلى نقص حاد في المياه بالمنطقة. ويتقلص نهر جانجوتري الجليدي وهو مصدر المياه لنهر الجانج الذي يعدّ أقدس أنهار الهند بنحو 23 متراً سنوياً. كما فقد نهر كومبو الجليدي في نيبال أكثر من ثلاثة أميال منذ عام 1953م. وقال جاجديش بهادور وهو خبير في أنهار الجليد بجبال الهيمالايا (الصرخة في الجبال هي أن المياه قلت كما جفت الينابيع.. التغير في المناخ العالمي له تأثير في ذلك.. لكن المياه جفت أيضاً بسبب كثافة الزراعة في الجبال). ويوجد في نيبال أكثر من 3000 نهر جليدي تعمل كمخازن للمياه النقية كما توجد 2000 بحيرة جليدية أخرى. ويقدّر الخبراء أن انهاراً عديدة تنبع من جبال نيبال تسهم بنحو 70 في المئة من التدفقات المائية التي تسبق التدفقات الموسمية في نهر الجانج الذي يمر عبر الهند المجاورة وبنجلاديش. وقال ارون باكتا شريثا الخبير في الأنهار الجليدية بمنطقة الهيمالايا في إدارة علوم الطقس وخصائص المياه بالحكومة: (الأنهار الجليدية تتقلص بسبب الاحتباس الحراري الذي يشكل خطورة على وفرة المياه ليس فقط بالنسبة لنيبال ولكن لمناطق من آسيا أيضاً). ولكن من الصعب حالياً تحديد موعد ظهور تلك المشكلة أو مداها). ولم تسمع تولسي مايا (85 عاماً) وهي مزارعة تقيم في إحدى ضواحي العاصمة النيبالية كاتمندو أبداً عن الاحتباس الحراري أو تأثيره على الأنهار في تلك المملكة الواقعة في جبال الهيمالايا لكنها في الوقت نفسه تدرك أن تدفق المياه قد تراجع. وقالت: بينما كانت تقف في حقل أرز وتنظر إلى نهر بيشنوماتي (لقد دأبت المياه على الفيضان من على ضفتيه والانسياب في الحقول). ولم يعدّ نهر بيشنوماتي مصدراً يعول عليه في الحصول على مياه الشرب والري. وأضافت وهي واقفة إلى جوار حفيدها ميلان دانجول الذي كان يقوم بتنقية المزروعات من الحشائش (تدفق المياه ينخفض عاماً بعد عام). وفي المنطقة الهندية من جبال الهيمالايا ظهرت بالفعل علامات على نقص في كميات المياه خلال الصيف. فالسياح الذين يزورون جبال لاداخ وهيماشال براديش الوعرة يضطرون لحمل عبوات من المياه فيما يقول الرحالة: إن حرارة الجو أكثر دفئاً منها قبل عقد. ويمكن ملاحظة التأثير أيضاً في باقي أنحاء البلاد. وخلال شهور الصيف يسير آلاف الأشخاص في القرى الهندية أميالاص بحثاً عن المياه وأصبحت المياه في المدن أيضاً سلعة غالية وقد تؤدي في بعض الأوقات إلى مشاجرات بالشوارع. وانخفض نصيب الفرد من المياه في الهند إلى 1869 متراً مكعباً من المياه من 4000 قبل عقدين في وقت يتزايد فيه اعتماد المزارعين على المياه الجوفية. وحفرت الملايين من الآبار في الهند وانخفض منسوب المياه الجوفية في مناطق كثيرة بسبب الاستخدام الجائر للمياه. ويقول صندوق الأممالمتحدة للطفولة: إنه بنهاية عام 2005م يمكن أن ينخفض نصيب الفرد من المياه في الهند إلى 1000 متر مكعب وهو حد (ندرة المياه). ويخشى العلماء الهنود الذي يدرسون أحوال أنهار الجليد في جبال الهيمالايا من حدوث نقص حاد في مياه الشرب الطبيعية في ولاية هيماشال براديش وذلك استناداً إلى دراسات أجريت على حوضي بييس وباسبا بين عامي 1962 و2001م. واكتشف عالمان من منظمة البحوث والفضاء الهندية استخدما تقنية الاستشعار عن بعد بواسطة الأقمار الصناعية حدوث انخفاض قدره 23 في المئة في مياه الأنهار الجليدية في 19 من بين 30 نهراً جليدياً بالمنطقة. وتأثير التغير المناخي ظاهر بالفعل من خلال درجات الحرارة العالية في الصيف في جنوب آسيا التي قد تصل إلى 50 درجة مئوية ومن خلال الطبيعة غير المنتظمة للرياح الموسمية وهي إحدى أكثر الظواهر العالمية التي تحظى باهتمام واسع. وقال: إنيل كولكارني الذي قاد الفريق الذي درس الأنهار الجليدية في هيماشال براديش (بحثنا يشير إلى أن اقتصاد المنطقة قد يتأثر بسبب تلك الظروف وتوحي الفحوص بأن جميع الأنهار الجليدية ربما تكون آخذة في التقلص وهو ما قد يؤدي إلى ندرة حادة في المياه).