قام في ذهني معنى من المعاني التي تعلق بالذهن ولا تبرحه، فكم من أشياء نطالعها ونسمع بها.. وكم من تجارب لا تؤتي شيئاً من النفع.. بل فيها ينطوي العقم، أو الاثر الذي يدخل البلبلة في باطن الذهن.. قال أحد المفكرين: ما معناه.. سعادة الانسان تقضى عليه بأن يخدع نفسه أكثر الأحيان، والسعادة كالثروة، وكالشباب، فمن الناس من يستعشر الغنى وهو على جانب كبير من الفقر.. أو الفقر وهو على جانب عظيم من الثراء.. ومنهم من يحس أنه تخطى مراحل العمر حتى أصبح شيخا هرما بلغ أرذل العمر وهو ما زال في شرخ الشباب وميعة الصبا.. أو شابا فتيا وهو طاعن في السن.. والطبيعة البشرية لا يمكن تغييرها.. ولكن في وسعنا، وفي مقدرتنا ان كنا نمتلك الذهنية المعافاة أن نرقى بهذه الطبيعة في خيالاتنا وتصوراتنا.. وأخيلتنا وتصوراتنا هي التي تذهب بنا مذاهب السعادة أو الشقاء.. هذا الرأي الذي لخصته هنا وقع من نفسي موقعا حسنا، ولا بد أنني شعرت أو شاهدت من كان يتلظى في هذه الحياة وهو يرتع في نعيمها.. لا أقول يرتع حقيقة.. ولكن باستطاعته أن يستشعر الهناءة التي هو فيها ان سلم احساسه من الوهم وتصوراته من الخيالات السيئة والأطياف الخبيثة.. وهذا واقع يجهله الذين يحسون هذا الاحساس.. ولست أنكر أنني مررت بحقبة من الزمن كان يقض مضجعي مثل هذا الشعور.. ولكن الشفاء عاجلني واستل مني ما كان ينغص على حياتي ويذهب بسعادتي.. وقد تخلصت من ذلك الثقل الطاغي الذي كان يسدل ستائر كثيفة بيني وبين رؤية الحياة بعين سليمة من أوصاب الوهم والتصورات المقيتة. وكم أغدو سعيداً حين تصادف هذه الكلمات سمع انسان ما زال يرزح تحت عبء هذا الشعور، لينعم قلبه بالراحة والاطمئنان. ان سلامة تصوراتنا للحياة وللطبيعة ولكل ما يحيط بنا، هي التي تشعرنا حقا بكثير من الرضا والارتياح.. والحياة ان أبصرها الانسان من غير هذه الزوايا المضيئة تفقد معناها الحقيقي، ويصبح فيها تعسا شقيا حتى ولو تأتت له الاسباب المادية التي يظنها الكثيرون أنها روح الحياة وجوهرها.. لقد وطأت أقدام الشقاء الخشنة قوما كانوا في رغد من العيش.. ولكنهم افتقدوا لباب الهناء بسبب النظرة الخاطئة وعدم التقدير السليم لجوهر الحياة ومعاني السعادة الحقة.