منذ أربعة أشهر لم يمسك الشاعر فاروق جويدة القلم ولم تصافح عينه ورقة بيضاء .. لم يكتب شعراً .. أو مقالاً .. مرّ بحالة غريبة من العجز أمام الأوراق .. مؤخراً كتب فاروق جويدة مقالاً تحدث فيه عن معاناته وقال: كان أسعد أوقات عمري عندما أجلس إلى مكتبي الذي اشتريته بأول مرتب تقاضيته من (الأهرام) ولم أغيِّره حتى الآن .. كانت أعمق صداقة في حياتي تلك التي ربطتني بأقلامي .. وأنا لا أكتب إلاّ بقلم واحد من الحبر لا أغيِّره أبداً .. وعندي صندوق فيه كلُّ قلم صافح يدي يوماً .. إنّ عمر الكاتب ليس أكثر من أوراق وقلم هذا كلُّ تاريخه .. وكلّ ما يملك لم استطع أن أفسِّر هذا الجفاء الذي حدث بيني وبين أوراقي وقلمي .. كنت أشعر بحزن لما أصابني .. لست أول مريض أصيب بجلطة في الشريان التاجي وواجه الموت وجهاً لوجه .. ولست أول كاتب أو شاعر دفع ضريبة الموقف الذي تبنّاه من صحته وعمره .. هناك كثيرون .. فلماذا كلّ هذا الحزن .. وكلّ هذا الإحساس بالألم. لقد أصيب قلبي رغم أنّني لم أشرب سيجارة واحدة في حياتي .. ولم أشك يوماً من شيء في قلبي إلاّ أنّه عاشق مجنون .. إنّه عاشق لتراب الوطن بكلِّ ما فيه. كنت كلّما اقترب من القلم والأوراق تعود إلى عيني صورتي وأنا أدور في مكتبي في (الأهرام) يوم 27 أبريل وهناك وحش كاسر ينهش صدري .. كان الوقت سريعاً .. ونُقلت للمستشفى وعانيت أياماً طويلة .. وبعد الشفاء عجزت عن الكتابة .. كنت أضع الأوراق والقلم وأستسلم أمام حزن لا أجد له نهاية .. لا أنا كتبت في بيتي ولا عدت إلى مكتبي في (الأهرام) .. والشهور تمضي وأنا أنظر إلى الأوراق والقلم وأقول لنفسي: شيء تكسّر بيننا .. في رحلتي للعلاج في باريس سألت طبيب القلب الفرنسي الشهير ديفر ناجول وهو يفحص قلبي: هل يقتل الحزن إنساناً .. أجابني: ويقتل أيضاً شعوباً..!! ما زال القلم هارباً مني .. وما زلت أحاول أن أستعيد الحب الذي كان بيننا .. وكنت أتساءل: هل خذلتني أحلامي؟! أم أنّ العمر تسرّب منا خلف قضايا ومعارك وهميّة لا طائل من ورائها. أسئلة كثيرة طاردتني وأنا أمسك قلمي لأكتب هذه السطور .. وكأنّني أكتب لأول مرّة .. إحساسي غريب .. وتساؤلات كثيرة تدور في رأسي.