منذ شهر وأيام مضت أشرقت شمس جديدة لعام هجري جديد، حملت هذه الشمس ذكرى الهجرة النبوية التي اعادتنا إلى تاريخنا مستلهمين اشراقات وانتصارات الماضي دون ان تتوقف الايام والشهور والسنون مسرعة ونحن نلاحقها كملاحقة عقارب الساعة للزمن. والعام الهجري الجديد لا يعني تبادل التهاني والالتفاف حول المأدبات التي تعتبر بدعة ودخيلة على مجتمعنا ولكن دخول العام الهجري يعني عند المسلم هجرته عن الذنوب والمعاصي ومحاسبة للنفس وارتداء ثوب الإيمان من جديد لاستقبال حياة جديدة. إن ذكرى الهجرة العطرة لا تحتاج إلى سرد الأحداث والتفاصيل التي من المأمول على كل مسلم أن يكون على علم تام بها حيث انها التاريخ المشرق الذي يجب أن نعمل من خلاله وعلى امتداده موصولا بحاضرنا ومستقبلنا حتى نكون خير أمة أخرجت للناس قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). ظلت الهجرة النبوية وستبقى مناسبة عظيمة لتأسيس النبي محمد صلى الله عليه وسلم لدولة الاسلام في المدينةالمنورة وذلك بعد ان غرس عليه الصلاة والسلام الإسلام والإيمان في نفوس من أسلم معه في مكةالمكرمة طيلة ثلاثة عشر عاماً فكان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم فور وصوله بناء المسجد وكان بداية عهد التأسيس والنجاح. جاء الأمر الإلهي إلى محمد عليه الصلاة والسلام عن طريق الوحي بالإذن له بالهجرة إلى يثرب فأخبر صاحبه أبا بكر رضي الله عنه الذي صاحبه عليه الصلاة والسلام إلى يثرب، وجاء التوقيت للهجرة مناسباً وفي غاية المثالية على نحو سارت فيه الأمور والاحداث بشكل منتظم ادت للوصول إلى الاهداف المبتغاة. ولم تكن هذه الهجرة النبوية المباركة إلا مؤكدة رفضها التام لهذا المجتمع الوثني الغارق في بحور الجهل والظلام المتعنت في غروره وكبريائه المستبد في ظلمه وطغيانه,وقد صورت الهجرة النبوية في انطلاقتها أقوى وأجل صورة عرفها التاريخ في سبيل الحق والعقيدة والإيمان قوة وروعة إلى جانب بساطة التجهيز والحماية من الناحية البشرية والمادية ولكنها كانت ذات حماية أعظم وأشمل وهي حماية وعناية الله عز وجل والتي حفظتهما ودرأت عنهما الأذى إلى أن وصلا إلى يثرب وذلك من خلال المعجزات التي رويت في هذه الهجرة (غار ثور سراقة بن مالك). تعتبر الهجرة النبوية هجرة ورحلة من مجتمع الكفر والضلالة إلى مجتمع الحق والهداية وفيه اتسعت هذه الرحلة لكل المؤمنين من فقير وغني وأسود وأبيض وصغير وكبير لا تفرق بين أحد منهم تحملهم من الظلمات إلى النور ومن الخضوع إلى التحرر. ومن هذا ستبقى هذه الهجرة النبوية نموذجاً رائعاً تحمل دروسا متعددة ومتجددة في الصبر والعدالة والإخاء والشجاعة والحكمة لكل المجتمعات وفي كل زمان ومكان.