مائة عام وهي تتجرع الألم والمهانة لكنها أبداً ما كلت برسالتها النضالية. تعرضت للذل وللاعتداءات الجسدية داخل سجون التعذيب الإسرائيلية، ولكنها أبداً لم ترضخ، ولم تستكن من أجل أن تشرق شمس الحرية على أرض وطننا الحبيب. من أجل فلسطين جادت بالزوج والابن والحبيب ثم ضحت بالروح. من بين دماء آلاف الشهداء، ودموع الثكالى والأرامل والأيتام، ومن أنات الجرحى والمعاقين، وآهات الأسرى والمعتقلين، تقدمتِ الصفوف لتثأر لكل هؤلاء من عدونا، ولتعيد أمجاد مجاهدات الوطن. ومن أجل شعبها وقضيتها العادلة تعيش مرارة الأسر في المعتقلات والزنازين الإسرائيلية وهي التي حكم عليها بالسجن لمدة 1584 عاماً!! إنها البطلة أحلام عارف التميمي التي جسدت بكفاحها نضال وجهاد المرأة الفلسطينية في التاريخ بحروف من نور، وأعادت للأذهان دور المرأة المميز في مقاومة المحتل نتذكر أحلام التميمي هذه الأيام في ذكرى تحرير قطاع غزة من المحتل الإسرائيلي التي كانت أحلام إحدى بطلات هذا الانتصار وهذا التحرير. ونذكر أحلام التميمي مرة أخرى مع تناقل الأخبار بخطوبتها على المناضل نزار سمير التميمي الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في سجون العدو الإسرائيلي. فقد أصدر القضاء الصهيوني في أواخر أكتوبر 2003م حكماً بالسجن 1584 عاماً (16 مؤبداً) على المجاهدة الفلسطينية (أحلام عارف شحادة التميمي) (25 عاماً)، بتهمة المشاركة في عملية أسفرت عن مقتل 16 صهيونياً، وجاء في نص الحكم (أن المتهمة كانت شريكة في العملية، بل إنها بادرت إلى اتخاذ خطوات فعالة في العملية، وإنها فرحت بعد معرفة النتائج القاسية التي أسفرت عنها العملية، وهذا دليل آخر على انزلاقها إلى أدنى المستويات الإنسانية)..!! وقال القضاة في نص الحكم: (إنها امرأة تصرفت بوعي تام ناجم عن رغبة شديدة في سفك دماء الإسرائيليين، ليس لشيء وإنما لكونهم إسرائيليين فقط)..!! وكانت قوات الاحتلال الصهيوني قد قامت باعتقال المجاهدة أحلام التميمي بتاريخ 14-9-2001م، وقدمت للمحاكمة بتاريخ 23-10- 2003م، حيث طالبت النيابة المحكمة برفع توصية إلى قيادة جيش الاحتلال بعدم إدراج (أحلام) في أية صفقة تبادل أسرى في المستقبل، وطالبت بإبقائها داخل السجن حتى الموت. قابلت أحلام اتهامات النيابة العسكرية بالضحك والسخرية، مما أثار حنق وغضب القضاة والنيابة العسكرية التي اتهمتها بالاستهزاء بدولة إسرائيل وبالقضاء. عقب النطق بالحكم وقفت المجاهدة أحلام التميمي لتقول للقضاة: (إن 16 قتيلاً هو عدد قليل نسبياً مقارنة بالعدد الكبير ممن قتلتموه.. وسأشاهدكم وأنتم في جهنم، إن شاء الله، إن الابتسامة المرسومة على وجهي لن تزول)، وأضافت أنها لا تعترف بشرعية هذه المحكمة التي تصدر الأحكام على المناضلين الفلسطينيين. وبعد أن قرأت آية قرآنية تحث على الجهاد، قالت: أنا لا أريد أن أعرفكم على نفسي باسمي أو عمري أو حلمي، أنا أعرفكم على نفسي بأفعالي التي تعرفونها جيداً في هذه المحكمة.. وأنا أرى في عيون كل الجالسين بالمحكمة الغضب وأنا مبسوطة، ليش؟).. وأضافت بلهجة عامية فلسطينية (الغضب اللي في وجوهكم وعيونكم هو نفس الغضب اللي في قلبي وفي قلب كل الشعب الفلسطيني وهو أكبر من غضبكم.. 16 قتيلاً و122 جريحاً هذا رقم قليل مقابل الأعداد اللي قتلوا بسببكم.. وإذا أنتم بتقولوا ما عندي قلب وإحساس فمن إذن عنده قلب، أنتم؟، إذا ابتحكوا ما عندي قلب ولا إحساس، وين كان قلبكم لمن قتلتوا الأطفال والنساء في جنين ورفح ورام الله والحرم الإبراهيمي، وين القلب وين الإحساس..)، وتابعت (وإذا عقابي في جهنم مثل ما تقول أيها المدعي.. لن نلتقي هناك، أنا سأنظر إليكم وأنتم في جهنم بأفعالي التي عشتموها ولمستوها في حياتكم، أفعالي التي حرقت قلوبكم، وذهبت بكم إلى الجحيم..). وأضافت (أنا اسمي أحلام، وسأبقى كذلك حتى أحقق حلم شعبي الفلسطيني في التخلص منكم على هذه الأرض إن شاء الله، وسأبقى في السجن لأحرق قلوبكم، وعندما أموت سأذهب إلى الجنة بإذن الله.. أما أنتم فستذهبون إلى النار، وسأراكم وأنتم تحرقون فيها). وأضافت: (في الأسابيع الكابوسية الماضية، وأنا أتابع عملية الصيد الوحشي التي يقترفها جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه في قطاع غزّة، أخذت في قصقصة صور الأطفال، والأشجار، والحقول التي صحرت تماماً بعد أن كانت خضراء تسر الناظرين، والبيوت المهدّمة، ولكن صور الأطفال صارت تتكرر ملحة على عقلي وروحي، بحيث نشأت علاقة غضب وحزن وقهر بيني وبين الأشلاء، والوجوه المعفرة بالتراب، والعيون الصغيرة المشدوهة وهي تتأمل ملامح الأب، أو الأم، أو الصديق، الذي مزقته شظية، أو اخترقت رأسه رصاصة. الصورة الأخيرة للحبيب، للصديق، للبيت المهدم، للأشجار تخلع من بيوتها العميقة في أرضنا وتسحل بالجرافات إمعاناً في قتلها وتعذيب من غرسها شتلة وأكل من ثمرها فتية يانعة وارفة الظلال، وارتجل على أغصانها مرجوحة لطفله وطفلته). ووجهت كلامها إلى عائلة إسرائيلية قتل أحد أفرادها في عملية سبارو كانت تجلس في المحكمة: (لن أتأسف لكم، ولن أعتذر، فما فعلته شيئاً قليلاً مما كان يجب أن أفعله رداً على جرائمكم في قتل أطفال شعبي)، ثم ختمت الأسيرة المجاهدة أحلام التميمي قائلة: (أما بالنسبة لابتسامتي التي تقهركم، وتحرق قلوبكم، فإنها ستبقى تلازمني طوال حياتي، وسأقهركم أنتم أيضاً) وأشارت بيدها إلى القضاة الثلاثة، وضحكت بصوت عالٍ وسط المحكمة. ولدت الأسيرة المجاهدة (أحلام عارف شحادة التميمي) في 20-10- 1980م في مدينة الزرقاء الأردنية لعائلة فلسطينية كبيرة تعود جذورها لقرية النبي صالح قضاء رام الله. وعقب إتمامها للدراسة الثانوية عادت أحلام لأرض الوطن، والتحقت بجامعة بيرزيت قضاء رام الله لتدرس الصحافة والإعلام، ودرست فيها ثلاثة أعوام ونصف العام، وبقي لتخرجها 12 ساعة دراسية معتمدة. ومع انطلاق انتفاضة الأقصى نهاية سبتمبر 2000م، شاركت أحلام في الانتفاضة من خلال عملها في الصحافة، حيث كانت تعد وتقدم برنامجاً إخبارياً بتلفزيون محلي خاص برام الله يدعى (الاستقلال) اسمه (حصاد الأسبوع) كانت تحاول من خلاله فضح جرائم الاحتلال الصهيوني، ودفع الشعب الفلسطيني لتصعيد المقاومة. لم تكتف أحلام بذلك حيث اشتهرت بأنها كانت تقوم برشق جنود الاحتلال بالحجارة على حواجز الاحتلال مع طلاب الجامعة. في هذه الأثناء التحقت أحلام بكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، كانت المهمة الرئيسية للمجاهدة أحلام التميمي هي توصيل الاستشهاديين إلى داخل فلسطينالمحتلة عام 1948م، وقامت بأول عملية لها في 30-7-2001م، حينما وضعت قنبلة في سوبر ماركت يدعى (كو أوب) في شارع كنج جورج الشهير بالقدس الغربية ، وبعد عملية السوبر ماركت خططت حماس لتنفيذ عملية استشهادية كبرى بمساعدة أحلام، وقام بتجهيز عبوة كبيرة زرعها داخل (جيتارة) وضعت داخل حقيبة أحلام التميمي. وتقرر أن يكون الاستشهادي الشاب (عز الدين شهيل أحمد المصري) من مدينة نابلس. وفي يوم الخميس 9-8-2001م خرجت أحلام مع عز الدين المصري لتنفيذ الهجوم، وفي القدس طلبت أحلام من عز الدين وضع الجيتارة على كتفه وأرشدته حتى مفترق كنج جورج - شارع يافا الذي يعج بالصهاينة، وطلبت منه تفجير نفسه في المفترق لإلحاق أكبر الإصابات، كما أعلمته أنه يستطيع أن يحدد هدفاً آخر في نفس الشارع إن أراد. لكن عز الدين المصري دخل مطعم (سبارو) للبيتزا الواقع على المفترق وفجر الجيتارة هناك حيث قتل 16 صهيونياً وجرح العشرات، وقامت أحلام بالرجوع في سيارتها إلى مدينة رام الله. أحلام التميمي: ونحن نستعيد مسيرة نضالك لا نملك إلا أن نردد: رب (وامعتصماه) انطلقت ملء أفواه البنات اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم..!!