تستقبل هذه الأمة بحفاوة بالغة عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين؛ مبايعة له بالملك بعد أن بايعته بولاية العهد، وهي في مستهل هذا العهد، وبهذا العهد منها. تجدد للمليك المفدى بيعتها بصفته ولي الأمر الذي ينتهي إليه في هذه البلاد وجوب السمع والطاعة بعد أخيه الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز الذي ودعناه -رحمه الله تعالى- وقد أدى دوره وعهد بالمسؤولية إلى يد أمينة وقائد قدير وفارس أصيل. والملك عبدالله مؤهل بكل صفات الزعامة ومواصفات القيادة للسير بهذا الوطن على النهج المستقيم والتطوير المستمر والتقدم المزدهر، فمن قبل أجمعت الأمة على ولايته للعهد وهي الآن تجمع على ولايته للحكم الذي عاصره وشارك فيه وكان أحد أركان هذه الدولة البارزين وأعمدتها القوية، وهو يتبوأ قمة المسؤولية فيها، وله دوره الفاعل وحضوره المؤثر في دفع مسيرتها ودعم كيانها وتفعيل عطائها وتأكيد نهجها وترسيخ ثوابتها. * * * ملك كان متوجاً على القلوب قبل أن يتوج على سدة الحكم، فهو يحيا في قلب كل مواطن من أبناء هذا الوطن العزيز بما قام به من رعاية، وما بذله من جهود من أجل إسعاد شعبه الوفي الذي يبادله حباً بحب ويحمل له من الإعزاز والإكبار ما يحمله شعب محب لمليكه وزعيمه القريب منه العزيز عليه. لذلك فلا غرو أن رفعه شعبه على هامة المجد واستظل برايته في ساحة التقدم، وهذه الراية امتداد لرايات ملوك سابقين من هذه الأسرة المالكة الكريمة التي هي من الشعب أصالة وكياناً وحقيقة ومصيراً. ولقد كان نهج الملك عبدالله - أعزه الله -: السير على خطى والده العظيم جلالة الملك عبدالعزيز بطل التوحيد وموحد أجزاء البلاد وباني هذا الكيان الكبير وجامع الشمل المتفرق، والذي أحل الأمن محل الخوف، وثبت الاستقرار بدل التشتت، وهو المؤسس لهذه الدولة التي نتفيأ ظلالها وننعم باستقرارها.. وقد جاء من بعده أبناؤه الملوك الذين تعاقبوا على الحكم: الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد، وكل فرد من هؤلاء أدى دوره وحقق رسالته في المرحلة التي تولى الحكم فيها في صورة انجازات منظورة تمت في عهده وارتبطت باسمه، وقد كانت دورات الحكم هذه بمثابة حلقات متماسكة مترابطة كل منها يستمد مما قبله ويمتد إلى ما بعده. * * * وقد جاء دور الملك عبدالله الآن وهو دور نرجو ان يحمل إشراقة بوادر مضيئة تنير جوانب هذا الوطن الذي له مكانة أثيرة في قلبه وأهمية بالغة في نفسه واهتمام كبير من لدنه حفظه الله.. لقد كان هذا الوطن يعيش في فكر الملك عبدالله ويشغل ذهنه ويملك عليه كل حواسه، وكان الارتقاء به هاجسه الكبير وهمه الأكيد، وبناء على ذلك كانت رحلاته العديدة داخل البلاد وخارجها في أسفار متعددة عبر القارات تجشم فيها الصعوبات من أجل رغد وطنه وراحة مواطنيه وتوطيد أركان هذا الكيان الكبير. ولقد ضرب رعاه الله أروع مثل في تفانيه في خدمة الوطن واسعاد المواطن على منوال أسلافه من الملوك الذين كانوا خير خلف لخير سلف منذ عهد جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - فقد قام كل منهم بدوره حسب طاقته ووفق نظرته.. وحالياً يجيء دور جديد لقائد مبدع يدرك أبعاد العمل الذي يتطلب منه القيام به والأعمال المرتقبة والمنوطة به، وقد لمسنا مقدماته وشاهدنا ألواناً من إنجازاته مما يبشر بمستقبل واعد لهذه البلاد، وبما يعد بآمال كبيرة على قدر همة القائد الذي يتقدم الأمة ويقودها في ساحة الإصلاح وميدان التقدم: (على قدر أهل العزم تأتي العزائم).. ومعروف عن الملك عبدالله أنه يتمتع بشخصية قوية ونظرة مستقبلية، فهو يجمع في ذاته صفات الزعيم القائد؛ شجاعة في الرأي وعمق في الرؤية، إلى جانب الانفتاح على الآخر، مع الحرص على الثوابت المتمثلة في الالتزام بالعقيدة والحفاظ عليها باعتبارها الركن الأساسي في حياة المسلم، وعدم التراخي في التعامل مع من لا يلتزم بها أو لا يتقيد بالقيم المرعية في السلوكيات التي تمثل أهم سمات هذه الأمة وأبرز معالمها في العالم المحيط بها.. وهو في حماسه المتأجج للإصلاح واندفاعه المدروس لمسايرة التطور العالمي، فإنه معني بالنهضة العامة من أوسع أبوابها وأشمل اتجاهاتها، حيث تحتشد عوامل مستقبلية في التعليم والثقافة والفكر والتقدم الحضاري والمجال الصناعي، بهدف أن يضع بلاده على مدارج الرقي ويدفع بها إلى مواكب النهوض حتى تتجاوز دور المستهلك لتقوم بدور المنتج، وتقفز من مستوى التلقي إلى منبر العطاء، وهي آمال واسعة تتطلب جهوداً كثيرة على قدر النفوس الكبيرة. وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام لقد أرهق نفسه وفكره وشغل كل وقته وسخّر قدراته في سبيل رفعة وطنه، فقد واصل عمل الليل بالنهار ليطمئن على وضع الأمور في نصابها ولكي تجري الأوضاع كما يجب في مسارها. * * * والشخصيات القيادية لها دورها في الحياة وبروزها في المجتمعات العالمية، وذلك لما تحمله من وعي فكري وما تمثله من ثقل معنوي، ومليكنا المحبوب رجل تتوافر فيه مؤهلات القيادة، فنرى فيه شجاعة الفارس وبطولة القائد وخبرة الحاكم الذي تمرس بالمسؤوليات المهمة وحضر المؤتمرات العديدة وطاف القارات المتعددة، وقد رسم لجولاته ولقاءاته أهدافاً بعيدة الأثر في حياة الشعوب عميقة التأثير في دعم كيان الوطن.. كما أنه كذلك عمق إحساسه بشؤون بلاده وكرس وقته لرعاية أمته ليضع البلاد والأمة في أسمى مراتب التقدم وأرحب منطلقات التطور، فتسعد هذه البلاد برقيها كما سعدت البلدان المتقدمة بحضارتها، وترتفع قامة هذه الأمة بين قامات الأمم العملاقة في عصر التقدم والتطور. والملك عبدالله صاحب مواقف مشهودة وانطلاقات مرموقة، وله عبارات محددة تحمل دلالات تعكس مقاصده وتترجم مشاهره وتعبر عن آماله وترسم تصوراته، وقد طبع على الصراحة في قوله والوضوح في قصده والاستنارة في رؤيته، وشواهد الواقع تؤكد هذا النهج وتدعمه، فإذا كان كثير من السياسيين يسلكون في سياستهم طرقاً متعرجة أو ينهجون أساليب (ميكيا فيليه) تتأرجح مع المصالح ولا تثبت على المبادئ فإنه - أدام الله توفيقاته - يسلك نهجاً مغايراً لذلك النهج لا في السياسة وحدها وإنما في كل مناحي القول ومجالات العمل، فهو يصل إلى الغاية المطلوبة والهدف المنشود من أقصر الطرق وأوضح المسالك، لأنه لا يحب أن يبدو بغير الخلق القويم الذي تربى عليه، والسلوك الرفيع الذي نشأ في رحابه. وله من السجايا الحميدة والفضائل المعهودة ما مكنه أن يجمع في ذاته يقين المؤمن المحافظ على شعائره، ونخوة العربي الأصيل الذي ترتفع به مشاعره.. إلى جانب ما يتمتع به من حس مرهف في التعامل مع الكلمة سواء كانت في صيغة خطاب يلقيه، أو تصريح يدلي به، أو فكرة يعبر عنها.. لذا نجد في كلماته روح الأصالة العربية والعمق الإسلامي والبعد العالمي، فهي كلمات تتصف بنضارة الأسلوب وروعة الإيقاع وقوة الحق ونصاعة الحقيقة، وبهذه المواصفات وتلك الصفات فإنها تترك أثراً مباشراً في النفوس وصدى يتجاوب معه الرأي العام في الداخل والخارج. * * * والملك عبدالله حين يضطلع بحمل أعباء مسؤوليات جسام تمثل هموم وطنه وحياة شعبه فإنه كذلك يحمل إلى جانب همومه الخاصة هموماً عامة تتجسد فيما يحمل بين جوانحه من التفكير في شؤون أمته العربية والإسلامية في جميع همومه وقضاياها ومشكلاتها، وقد تأكد ذلك خلال مواقفه المشرفة ولقاءاته المتنوعة ومباحثاته الجادة واجتماعاته العامة، وفي سائر مناشطه ومجريات حياته، فقد كانت هذه الهموم والقضايا هي الشاغل الأكبر لأفكاره والمهيمن الرئيس على توجهاته. * * * يؤمن بالثوابت والقيم ويصدر عنها في تصرفاته وجميع حالاته، فقد تبنّى مصالح بلاده وقضايا أمته العربية وما نسي حقوق أمته الإسلامية بصفته العاهل العربي المسلم الذي أدى دوره كاملاً غير منقوص نحو مشكلات العرب وقضايا المسلمين.. فهو ينطلق بحكم أصالته العربية وعقيدته الإسلامية ليحقق أهدافاً رسمها في ذهنه واستوعبها خلال دراسات مجدية، ومارس تطبيقها بعد ذلك على أساس أنها مناط تفكيره وموضع اهتمامه، وهو إلى جانب ذلك فإنه يملك صراحة لافتة للنظر تبهر المحاورين له والمجتمعين معه تعززها نظرة واقعية تبدد غيوم المجاملات فيما يتصل بالقضايا المصيرية والحقوق العامة، أو ما له أدنى مساس بالوطن أو على حساب الشعب، ولذا فإنه يعمد إلى الوضوح والمكاشفة دون مواربة ولا مداورة، فعلانيته أشبه بسريرته، فهو يعلن ما يعتقد ولا يبطن ما لا يعلن، وانما ينطلق على سجيته فيحدد مقصده بكلمات معبرة وقصد صريح، ذلك أنه واضح كالنهار وفي المواقف الحاسمة حاد كالسيف.. يؤكد مطلبه صدق في القول وإخلاص في التوجه، ولذلك نراه يستولي على مشاعر محاوريه ويرتفع في نظر مخالفيه، وهذا عائد إلى أنه زعيم يشعر الجميع نحوه بتقدير كبير. لأنه يشف ظاهره عن باطنه وتعبر سماته عن نبل أصالته، وقد بايعته القلوب قبل أن تصافحه الأيدي واجمعت عليه الأمة لأنها ترى فيه فارس أمانيها, وقائد مسيرتها ورائد مستقبلها. نبتهل إلى الله تبارك وتعالى أن يعينه على ما تحمل من مسؤوليات ليست جديدة عليه ولكنها افاضت أعباء على أعبائه، وأن يمتعه بالصحة الدائمة والرؤية السديدة. وأن يؤيده بالحق ويسدد خطواته على النهج القويم. ومن دلائل التوفيق وبوادر نجاح المسيرة إن شاء الله للملك عبدالله بن عبدالعزيز أنه سار على نهج أخيه الراحل باعتزازه بلقب (خادم الحرمين الشريفين).. وإذا كان للملك فهد فضل السبق إلى هذا اللقب، فإن للملك عبدالله فضل تأصيله وإرسائه تقليداً متبعاً بمشيئة الله تعالى على مدى الأجيال المتعاقبة من الأسرة المالكة على امتداد الزمان. تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، التي تمثل قولاً وعملاً شعار هذه الدولة الرشيدة.