ألقى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز الأمين العام للهيئة العليا للسياحة مساء أمس الأول الثلاثاء محاضرة حول (العلاقة بين السياحة والتراث) في نادي أبها الأدبي بحضور عدد من المسؤولين ومثقفي المنطقة.. وتناول سموه في محاضرته التي تأتي على هامش فعاليات ملتقى أبها السياحي في المملكة من خلال الرؤية والمهمة التي اعتمدتها استراتيجية التنمية السياحة الوطنية. وأكد سموه أهمية التراث من منطلق كونه ارثا ثمينا ومنوعا وضعت لبناته أجيال متعاقبة، وعنصرا مهما من عناصر السياحة الثقافية، كما أنه يعد وسيلة للتلاحم بين أصالة الماضي والحاضر، ويوفر مجالا للتميز النسبي والمطلق للوجهات السياحية، ويسهم في تعزيز اقتصاديات المجتمعات المحلية. وربط سمو الأمير سلطان في محاضرته بين السياحة والتراث من خلال العلاقة المتبادلة والمنافع المشتركة بين صناعة السياحة والتراث، واعتماد صناعة السياحة على عرض التراث وتقديمه، إضافة إلى أن التراث الثقافي يمد صناعة السياحة بعنصر جذب مميزة وموارد للمنتجات السياحية، علاوة على أن السياحة توفر التمويل اللازم لحماية التراث والحفاظ عليه، وابرز سمو الأمين العام للهيئة دور السياحة الثقافية في التنمية السياحية، مشيراً إلى أنه يقوم على استهلاك مواد التراث الموجودة في المتاحف والمواقع الأثرية والتراثية ويقدمها للجمهور كمنتج سياحي يساعد على تحقيق أهداف تربوية وتثقيفية، إضافة إلى مساهمتها في تدعيم الانتماء الوطني والتواصل الحضاري والثقافي مع المجتمعات الأخرى، وقدرتها على استقطاب السائح المحلي والوافد على حد سواء. مؤكدا في الوقت نفسه أن السياحة الثقافية تمثل حوالي 37% من إجمالي سوق السياحة الدولية، وتتم بمعدل 15% في العام تقريباً وشدد سموه في محاضرته على ضوابط استثمار مواقع التراث خاصة وأن موادها حساسة للغاية، وقابلة للتأثر سلبا من نشاط السياحة، مؤكدا أنها مواقع قابلة للتلف، غير أنه أكد على انه يجب ألا تكون عائقا للاستفادة منها من قبل السواح، وقال سموه انه يمكن ذلك من خلال التعامل مع مواقع التراث بأسلوب التنمية المستدامة من خلال المحافظة على الموارد والمقومات، وتحقيق استفادة اقتصادية بطريقة متوازنة تلبي مصالح للمجتمع المحلي. وصنف الأمير سلطان بن سلمان الموارد التراثية في المملكة إلى مواقع أثرية، ومواقع تاريخية مرتبطة بالتاريخ القديم والإسلامي، وتاريخ المملكة، ومواقع مرتبطة بالتراث الأدبي، ومتاحف ومواقع التراث العمراني، والحرف والصناعات التقليدية، والتراث الشعبي المرتبط بالعادات والتقاليد والمهرجانات التراثية والفنون الشعبية، وتراث المناطق الصحراوية والجبلية والساحلية، مؤكدا سموه أن الهيئة حصرت 6500 موقع ذات أهمية سياحية في المملكة. وأشار الى أن المملكة تملك الإمكانات السياحية لموارد التراث الثقافي من حيث التنوع والأهمية والجاذبية، والشكل العام وقال سموه في محاضرته انه تم اختيار المواقع التراثية لتنميتها سياحياً من واقع عدة معايير منها : إدارة الموقع، والبنية التحتية، قربه من الأسواق السياحية، وجاذبيته البصرية، إضافة إلى قدرة الموقع على إثارة الرغبة والاهتمام في نفوس زائريه، وإمكاناته التسويقية، والتعريفية والتعليمية في ترويج ثقافة معينة، وكذلك قدرته الاستيعابية ومقدار تحمله لضغوط الزائرين.. وأكد الأمير سلطان وجود فرص حقيقية لتنامي الاستهلاك السياحي لمواقع التراث الثقافي من قبل المستهدفين في الأسواق المحلية والعربية والإسلامية والدولية، مشيرا إلى أن تسويق هذه المواقع يتطلب تسهيل وصول المستهلكين إلى هذه المواقع والموارد، وإزالة العقبات التي تحد من ذلك، وتوفير متطلبات العرض وخدمة الزوار وإدارتهم، إضافة إلى أخذ الموجهات التي تحقق التنمية المستديمة. وتطرق الأمير سلطان إلى مبادرات الهيئة للمحافظة على التراث وتنميته من خلال حصر وتقييم موارد التراث المتاحة في المملكة وتصنيفها، ووضع معايير لترميم مباني التراث العمراني وفق افضل ما توصلت إليه التجارب الدولية، مستشهداً بمشروع تطوير مواصفات ترميم المباني الطينية والحجرية، وتسجيل هذه المواقع الأثرية والتاريخية في قائمة التراث العالمي (اليونسكو)، بالإضافة إلى إعدادها لبرنامج التوعية بأهمية التراث العمراني على مستوى المملكة، ومشروع تطوير وإعادة تأهيل الأسواق الشعبية، إضافة إلى إعداد استراتيجية وخطة عمل خمسية لتطوير الحرف والصناعات التقليدية بوصفها قطاعا اقتصاديا، وكذلك قيامها، بتأهيل وتطوير التراث العمراني بموانئ البحر الأحمر التاريخية، وكذلك إعادة تأهيل المباني التاريخية التابعة للدولة، وإعادة تأهيل المواقع التراثية بالتعاون مع القطاع الخاص والملاك، وإنجاز استراتيجية تطوير قطاع الآثار والمتاحف مع خطة عمل تنفيذية خمسية لها. وابرز سموه تطوير نظام الآثار والمتاحف في المملكة الذي يأتي ضمن مبادرات الهيئة التي تتضمن تحسين مراكز المدن التاريخية، ومنع الإزالة العشوائية لمباني التراث العمراني، وتناول الأمير سلطان مشاريع الهيئة القائمة في منطقة عسير والتي منها : مشروع دراسة تطوير وسط مدينة أبها، ومشروع تطوير قرية المفتاحة، ومشروع تطوير متحف عسير الإقليمي، ومشروع تطوير سوق محايل عسير الشعبي، ومشروع إعداد خطة تنمية سياحية لقرية رجال المع، وعرض سموه نماذج من تجربة المملكة في المحافظة على التراث العمراني وتنمية مستشهداً بمشروع تطوير الدرعية، ومركز الملك عبد العزيز التاريخي في مدينة الرياض، ومركز مدينة جدة التاريخي، ومشروع تطوير مركز مدينة الهفوف التاريخي، وتطوير قرية رجال المع في منطقة عسير، وتطوير قرية ذي عين في منطقة الباحة. وأشاد سموه بالمستوى الذي وصلت له منطقة عسير في مجال السياحة، مشيراً إلى أن المنطقة لم تأخذ موقعها الحقيقي في مجال سياحة الثقافة والتراث، واشار إلى أن المنطقة سوف تكسب مكاسب كبيرة من جراء إعادة بناء قطاع السياحة، مؤكدا امتلاك المنطقة مقومات سياحية واعدة على الرغم من تدمير الكثير منها، وأن الهيئة تريد إعادة الاعتبار لتاريخنا وتراثنا، وتطرق الأمير سلطان إلى الزيارة التي نظمتها الهيئة لرؤساء البلديات في المملكة إلى إيطاليا وفرنسا ورصدهم لمواقع التراث العمراني للاستفادة من هذه التجارب في التنمية السياحية.