يأتي الخاطب وكأنه بقايا حلم صيفي قديم.. حضور مدهش يذرف فواصل البهجة في أجواء المنزل السعيد.. يرسل البشرى.. آه تمتمي يا أغصان الفرحة.. واهتفي يا ربا المحبة.. خاطب جديد.. في زمن العزوف.. أليس هاجس كل أب مكافح أن يزف ابنته في موكب زوجية مشرفة.. وتأتي الإجازات لتوقظ هذا الاحساس الغافي. على رسلكم معشر الآباء.. فكّر وبروية وهدوء واستمطروا غيوم الحكمة.. اقرؤوا فضاء الزوجية القادمة قبل ان تزفوا بناتكم في ركبهن المبارك.. تأكدوا من بيانات الرحلة المبهجة.. تيقنوا من صفاء الجو واعتدال درجات الحرارة. ذلك ان الفرحة بقبول الخاطب والاستعجال في قبول العريس تحجب أنوار التأني وتغطي صوت العقل وتصرف الأهل عن التحري وزراعة الاسئلة وقراءة الموقف قراءة متأنية.. وبخاصة مع حرصهم على الزوج الجاهز مادياً مغفلين الشاب المكافح القنوع.. انه بريق القدوم الذي يغري الآباء والأمهات ويحيل المشروع الزوجي الى ضفاف الفشل والضحية فتيات في عمر الزهور يجدن أنفسهن بلا موعد في قافلة الطلاق. إن شباب اليوم لهم مواصفات (خاصة جدا) في شريكة الحياة استقوها من القنوات الفضائية وبعضهم يقدم على الزواج قبل اكتمال ملامح نضجه واستواء تجربته ودون ان يستوعب مواصفات الزوجة مع غياب الاقتناع وبالتالي سيكون احتفاؤه بزواجه طارئاً وقتياً فلا يقدّر مفردات بيته الزوجي.. لتجد المرأة نفسها بين أمرين أحلاهما مر، إما الطلاق بمرارته ورؤيته المجتمعية الظالمة وإما حياة زوجية تعيسة أغصانها ذابلة تنبجس عن آهاتٍ حرّى.. تسيح على خاطر مكلوم تستبد به فغمة الحسرة والوجع.. وربما ظلت تنسج خيوط الحزن والأسى وتتحمل لسعات الزمن.. انها المشاكل الزوجية ذات النفس الطويل التي لا تنفع معها عمليات الترميم والترقيع. لابد أن يفتش والد الفتاة عن النماذج المضيئة من الشباب القادرين على تنوير الحياة الزوجية واشعال قناديلها وبناء قنوات العطاء المتبادل عبر لغة واحدة ومواقف مشتركة عامرة بالكفاح. وإذا كان الدين والعقل يرفضان التشدد وسياسة إقفال الباب مع الخاطبين درءاً للعنوسة فإن الدين والعقل يرفضان الاستعجال في القبول وليكن الضابط الشرعي هو المنطلق: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) نعم ليس من الانصاف ان يغض الآباء الطرف عن شباب مكافحين حتى ولو كانت ظروفهم المادية محدودة لأنهم هم الذين يملكون القناعة والرضا بمنأى عن الشروط الوردية. والتدقيق الحاد.. وهذا عنصر أمان للفتاة.. بعيداً عن شباب السفر من الطيور المهاجرة ذات النزوح الدائم وحقاً هناك شباب يرسمون صوراً مثالية لشريكات الحياة مسكونة بالأحلام المخملية.. ويمضون يستحثون الخطى مجهدين أنفسهم في البحث والتنقيب وكأنهم يبحثون عن نساء من كوكب آخر!! ليستحيل الزواج الى (مغامرة كبرى) على أيدي شباب يحلمون بحواء فريدة تحتاج الى (ريشة فنان وخيال شاعر)!! مغفلين المقياس الأسمى (فاظفر بذات الدين تربت يداك).. أجل ان قيمة المرأة تتجلى بما تملكه من (قيم روحية) و(صفات معنوية) لان الجمال يذوب تحت أقدام السنين. ثم انه لا بد ان تزف الفتاة الى بيت الزوجية وقد ألمت بأبعاد العطاء الزوجي واستوعبت شؤون الحياة الجديدة ومعرفتها التامة بالحقوق الزوجية لتكون قادرة على القيام بمسؤوليات الميدان الزوجي وممارسة دور تربوي أسري ملائم وبعض الأسر للأسف الشديد تقصّر وتغفل عن تهيئة الفتاة لعالم الزوجية.. لتلج إليها بدون موعد.. وتفاجأ بأفق غريب لا تستطيع ان تحلق فيه.. عذراً معشر القوم.. وأنتم تقفون على بوابات الزواج.. عبر فرحة تشتعل على كل محيّا.. وسعادة تسيح على الملامح النابضة بالعطاء اسرجوا خيول الاعتدال.. اذرعوا دروب الاختزال.. وتجنبوا دوائر التبذير في مظاهر الفرح فإن البركة ثمرة البساطة والتيسير.. وحسن التدبير.. ولا سيما ان ذلك وقوف مشرف مع شباب مكافح راغب في العفاف.. كاره للاسراف.. وهنيئاً لكم بكل زيجة مضيئة تجمع بين زوجين صالحين ارتضيا القصد ونهجا نهج التوسط ورسما خريطة الرحلة المباركة تحت مظلة المشاعر المتوهجة التي تفتش عن مواقف العطاء وعن قيم اللقاء.. وتكتب فقرات أصيلة في تاريخ الزوجية العابقة.