السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد هنيئاً للآباء والأمهات على نجاحهم فيما مضى من أيام الاختبارات! وما أعظم الرعاية، وما أثقل المسؤولية الملقاة على عواتقنا. قال - صلى الله عليه وسلم - :( كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته) ولقد مر على الآباء خلال الايام الماضية امتحان وفتنة، وبفضل الله نجح الآباء في ذلكم الامتحان، واثبتوا انهم على قدر المسؤولية، فقاموا بواجبهم اتجاه اختبارات ابنائهم، فلم يتغيب أحد من الأبناء عن الامتحانات، ولم نسمع أن أباً ترك ابنه نائماً عن الاختبار بحجة أن النوم سلطان أو أنه عجز عنه، ولم يترك أولياء الأمور الحبل على الغارب، لمن شاء من الأبناء أن يسهر أمام تلفاز أو قناة أو يلعب بسوني أو دراجة! فنجح الآباء في الاختبار بامتياز. لكن يبقى السؤال: ماذا هم فاعلون مع أبنائهم مع الصلوات الخمس في المساجد مع الجماعة خلال الأيام القادمة؟ هل سيكررون النجاح ويحافظون عليه ليفوزوا في الدنيا والآخرة؟ نرجو ذلك ونسأل الله التوفيق. إن نجاحنا ذلك - أيها الآباء - يقيم الحجة علينا كيف لا والصلاة هي عمود هذا الدين وأهم أركانه بعد الشهادتين، الصلاة التي ملأت فضائلها أسماع العالمين بما أعد للمحافظين عليها، قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة وتمام المحافظة التي أمر الله بها وكمال الإقامة التي يريدها الله لا يحصلان إلا بأداء الصلوات في جماعة، لقوله تعالى:{وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} (43) سورة البقرة. كيف لا نُجاهد أنفسنا وأبنائنا والحبيب - صلى الله عليه وسلم - يقول فيما أخرجه الشيخان: (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) وعند الإمام أحمد بلفظ: (لولا ما في البيوت من النساء والصبيان لأحرقتها عليهم). ولما وقر تعظيم الصلاة في قلوب الصحابة - رضي الله عنهم - هانت أمامهم كل الصعاب في سبيل المحافظة عليها مع الجماعة مهما بعدت بيوتهم عن المسجد، فيأتون يسعون إليها، يمرضون فيؤتي بهم، يهادى الرجل منهم بين الرجلين حتى يقام في الصف، يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: (لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة) رواه مسلم. وهذا أبي بن كعب - رضي الله عنه - يقول: (كان رجل من الأنصار لا أعلم احداً أبعد من المسجد منه، كانت لا تخطئه صلاة، فقيل له، لو اشتريت حمارا تركبه في الظلماء وفي الرمضاء، فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال - صلى الله عليه وسلم - لما سمع ذلك منه: (قد جمع الله لك ذلك كله). وإذا كانت هذه حال الصحابة - رضوان الله عليهم - فهذا أبا زرعة الرازي ممن بعدهم لم تفته صلاة الجماعة عشرين سنة، بل هذا سعيد بن المسيب لم تفته التكبيرة الأولى مدة خمسين سنة، وهذا كله لأنهم عظموا الصلاة وأدركوا منزلتها، بينما الكثيرون اليوم لم يدركوا منزلتها ولم يتلقوا أمر الله بها بالتعظيم والتوقير. وقد وردت بعض الآثار الدالة على أن قرب المؤمنين من ربهم يوم القيامة على حسب استباقهم إلى الصلاة وشهودهم الجماعة، الجزاء من جنس العمل، فمن تقرب إلى ربه ومولاه وسارع الى تنفيذ أوامره كان محظياً عنده في يوم تطاير الصحف ووضع الموازين، ففي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة). فأين أنت من هؤلاء؟! سبقوا وتأخرت ونافسوا ولهوت، وتقدموا فأجلت. فحذار أن يصدق فينا قوله سبحانه: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)(59)( سورة مريم)، ولا حول ولا قوة إلا بالله.إن من اسباب السعادة، وحفظ الله لنا، أن نعمر مساجدنا بحضورنا، إنها الحياة ولا حياة بغير صلاة، إنها رغد العيش ولا رغد في العيش بغير صلاة، إنها دوام الأمن والاستقرار ولا أمن ولا استقرار بغير صلاة، إنها التوفيق من رب العالمين في كل شيء، ولا توفيق ولا تسديد بغير صلاة. فالله الله في الصلاة. أسأل الله العلي القدير أن يوفقني وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يأخذ بنواصينا للخير، وأن يحمي بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ علينا أمنها واستقرارها وأن يرد كيد الكائدين وحقد الحاقدين في نحورهم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. عبدالعزيز بن علي العسكر