بكل ما في النفس البشرية من شموخ وعلو ومكابرة إلا أنها تعج بعاطفة جياشة، مهما لبسنا من أقنعة لن نتمكن من اخفائها، ليكاد سنا برقها يخطف الأبصار، رغم انحناء كواهلنا من عبء الحياة، إلا انه يا سيدتي متى التم شمل الأحبة واحتضنت النظرات بعضها بعضاً وتناغمت المشاعر بكلمات سحرية لا صدى لها إلا بها، وتعانقت الأكف بكل ما في الدنيا من حنان وشوق.. عرفنا كيف نجد الحب في أبهى صورة.. ولكن وآه من لكن!! ممن يرتعون في حقول القمح الذهبية، ويتغنون بقصائد الشعراء في أحبتهم، ويتراقصون على نغمات رسمها أصحابها على أجنحة الطيور الملونة وحمائم السلام، متباهين باحتكارهم ذوي الحس المرهف والمشاعر الرقيقة في قبضتهم كما يحتكر البرواز الصورة، إذا ما أرادت الخروج منه تثنت أطرافها وأصابتها الخدوش وغارت معالم جمالها.. سيدتي ما أنا وأنت وهم إلا شخوص تجسد حقائق الحياة في التعامل البشري، أعرفك سيدتي كما أعرف ذاتي لا بل أعمق، قد تتساءلين كيف لي بذلك!! ضعي خطوطا عديدة تحت هذا التساؤل، فمتى قلت أحبك في غفلة من الزمن.. يخفق قلبي بمعاناتك المتخفية بين جوانحك والعائمة في لآلئ عينيك، وما تكرار أحبك، وهل تجني إلا ازميل نحات يؤكد ملامحها في داخلي، أدرك يا سيدتي بأن الحياة تكون لا أروع ولا أبهى منها في عيون المحبين، رفقة الليل، الملتحفين السماء، المفترشين الأرض الذين يسرقهم الألم وكأنهم توائم له.. أنت يا سيدتي هؤلاء أجمع، ومالي أراك تحزنين لبكاء طفل، وتبكين لدموع ثكلى، وتتزاحم زفرات صدرك في آن واحد، لماذا تئن وتتسرب أهاتك من بين أسنانك هاربة رغم شفتيك المزمومتين ولكأن حرارة جسدك تلهبها بسياطها.. لماذا يا سيدتي وأنت تعين جيداً بأننا خلقنا في ميعاد قدره الإله، ثم نأتي لنطوي هذا العمر وريقات مقتطفة بعد أن نضدنا اياها!! أياماً وشهوراً وأعواماً؟؟ نحسبها بدقائقها وساعاتها فماذا جنينا؟ دعينا نحسب الربح والخسارة، حسناً لا تغضبي سيدتي.. أعلم لا رابح ولا خاسر في الحياة، فالجميع يلهث وهي قدر مقدر.. هل تعين ذلك؟ إذا لم تسمحين للهم والحزن اكتساح وجدانك؟ لم يرصف القلق والشقاء دروبك؟؟ تتألمين لكلمة وتبكين بكلمة وتضحكين بكلمة، تبنين قصوراً من الهم والقلق بيدك تقويضها، لعل لسان حالك يقول: لا تستحق الحياة أن نعيشها إلا بمعايشة آلام الآخرين ومعاناتهم، نعم أؤيدك ولكن دعيني أخبرك بمقولة قرأتها تقول مهما كانت آلامنا كبيرة. ومهما كانت دموعنا غزيرة فإن الحياة لا تستحق هذا الألم، أرأيت سيدتي..لا تستحق هذا الألم، لقد أبكيتني كثيراً عندما عشتك جسداً منهكاً معترضاً السرير، راحلا مع أحلامك الخامدة داخل نفسك، تنتزع المخالب الكوابيس، لتتراءى أمام ناظرتك الخائبة صوراً مشوشة مزعجة، لم ذلك كله يا سيدتي؟ لعل السبب سذاجة إنسان يضمن وجوده في حياة الآخرين إلغاء لوجود غيره، إنسان فقد القدرة على مواجهة الحقيقة لأنها عكس رغباته المكبوتة في التملك، وأنانيته في استبعاد مشاعر الآخرين، أفكار يظن أن حبه كاف لإذلال القلب والعقل؟؟ الحب يا سيدتي عطاء لا يعرف الحدود ولا الموازين، غير عادل ولا منصف، فعلينا تقبله كما هو لأنه جميل بذاته باحساسه حتى ألمه لذيذ، لا تبك سيدتي فهي ليلة مقمرة بوجهك المليء بما لا اقدر على وصفه، ابتسمي!! لذاكرتك لتتلمسي صور السعادة في العيون الدامعة، في الشفاه المضطربة وهي تدعو لك على زخم عطائك، ونبلك، دعي زفراتك تخرج من جوفك دافعة أشواك الصبار ومرارة الحنظل، ليحل مكانها براعم الأمل متفرغة بورد الجوري الأحمر والفل الأبيض ليسود السلام نفسك وتتصالحين مع ذاتك وتنشرين الرضا حولك في ليلة بكى فيها القمر. * معارضة لمقالة الكاتبة فوزية النعيم (أحبتي إن قلبي في خطر)