الفراغ الذي يفترس طلاب المدارس والجامعات خلال الإجازات، خاصة الصيفية منها، مشكلة كبرى تعاني منها غالبية المجتمعات، لما تمثله من خطر على كثير من الناشئة والشباب، بسبب إساءة استغلال الوقت في اللهو والسهر والرحلات، التي قد لا تخلو من حرام أو فساد، بعيد عن أعين الأسر وأولياء الأمور، وفي ذات الوقت يمكن أن تكون هذه الفترة فرصة عظيمة لاستمالتهم نحو حفظ القرآن الكريم، وتحصيل علم نافع، واكتساب مهارة مفيدة داخل حلقات التحفيظ. إشكالية الفراغ، وكيفية الاستفادة منه في حفظ القرآن الكريم، وربط الناشئة بتعاليمه، طرحناها على عدد من المختصين في القرآن الكريم وعلومه.. فماذا قالوا؟ *** فوائد متعددة بداية يؤكد د. عبدالله بن حمد اللحيدان عميد كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم، وعضو جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمحافظة البكيرية، أن أعداد الحلقات القرآنية تزداد باستمرار، حيث يقدم للطلاب من خلالها برامج مكثفة ظهرت نتائجها على الدارسين، كما تميزت هذه الحلقات على غيرها، حيث أقامت الجمعية دورة صيفية مكثفة لحفظ كتاب الله، وأجزاء من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمدة ستين يوماً، يجلس الطالب في هذه الدورة طوال تلك المدة بالليل والنهار، وتتكفل الجمعية بجميع متطلبات الطالب، مع إعطائهم فسحة للترفيه في كل يوم جمعة من ليلة الجمعة، وحتى ليلة السبت، ويشرف على هذه الدورة عدد من المشرفين التربويين والمتخصصين في القرآن، وحفظ السنة، والموثوق بعلمهم، وفضلهم، وصدق إخلاصهم، وانتمائهم لبلادهم. وأضاف: لقد تم الإعلان عن الدورة على مستوى المملكة، وشارك فيها عدد من المناطق، ووضع للالتحاق بها شروط متعددة، من أهمها: اجتياز المقابلة الشخصية للتعرف على جديته، ورغبته في الالتحاق، حيث التحق بها (150) طالباً، حفظ منهم القرآن كاملاً خمسة وسبعون طالباً، وراجع حفظه (40) طالباً، وحفظ السنة عدد منهم، (20) طالباً لم يتموا الدورة.. مشيراً إلى أن الدورة تخللها عدد من المحاضرات لأصحاب الفضيلة، واللقاءات التي تخص القرآن وأهل القرآن، لذا فإنني أحبذ إقامة مثل هذه الدورات، وتنوع المناشط الخاصة لحفظ القرآن وأهل القرآن، في فترة الصيف، لما لها من أهمية قصوى، لذا لابد من تفعيل فترة الإجازات بإقامة مسابقات متعددة لحفظ القرآن، وحفظ السنة، وحفظ المتون، وكذا الأنشطة الأدبية الهادفة النافعة. الوقت كالسيف من جانبه يقول الدكتور فالح بن محمد الصغير الأستاذ بكلية أصول الدين: إن عطلة الصيف التي تمتد إلى ثلاثة أشهر، هي جزء كبير من السنة، فهي ربع السنة، لا ينبغي أن يمضي الإنسان هذه الفترة دون فائدة، من حفظ أجزاء من القرآن الكريم، وتحصيل علم نافع، واكتساب مهارة مفيدة، ورياضة وتقوية للأبدان، وزيارات مستحبة للأهل والأقارب، والتعرف على بعض المناطق في البلاد. والحذر الحذر من ضياع الوقت في السهرات والرحلات المحرمة، وليعلم الجميع أن الوقت هو الحياة، وهو العمر الحقيقي للإنسان، فحفظه أصل كل خير، وضياعه منشأ كل شر، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)، ويقول ابن الجوزي: (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل). وأضاف د. الصغير: ليعلم الطالب أن ما مضى من الوقت لا يعود إليه أبداً، وقد قال الحسن: ما من يوم يمر على ابن آدم إلا وهو يقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخر ما شئت فلن يعود إليك أبداً، وقال ابن القيم رحمه الله: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها. ولاشك أن أفضل ما يشغل به الطالب وقت فراغه في عطلته هو حفظ القرآن الكريم، وتحصيل العلم النافع في العقيدة، والسنة، والفقه، والتجويد، وحفظ المتون، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم القرآن وتعليمه، بقوله: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وينبغي ألا تكون حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والدورات العلمية خالية من الأنشطة الجانبية، فذاك يسبب الملل عند الأولاد، بل لابد من مراعاة أعمال الناشئة وميولهم. وطالب المربي بإقامة الحلقات العلمية داخل البيوت في فترة الصيف، بحيث تعقد تلك الحلقات في مواعيد محددة، وتقرأ فيها بعض الكتب الملائمة للأولاد والبنات، فيتعلمون بذلك القراءة وحسن الاستماع وأدب الحوار، إضافة إلى استغلال عطلة الصيف في إقامة المسابقات الثقافية بين الأبناء، ووضع الجوائز والحوافز لها، من أجل شحذ هممهم، وتحريك أذهانهم، وتدريبهم على البحث والنظر في كتب أهل العلم، واصطحاب الأولاد لمجالس الذكر: كالمحاضرات، والندوات التي تعقد في المساجد وغيرها، فهي مما يثري الولد بالمعلومات، ويمده بالخير، ويعده لمواجهة الحياة، ويجيب على أسئلته التي تتردد في ذهنه، كما أنها تغذيه بالإيمان، وتربط على قلبه وتربيه على أدب الاستماع، إضافة إلى أن الصيف فرصة طيبة لتعلم الأشياء النافعة، مثل الحاسب، واللغات الأجنبية، والسباكة والكهرباء وغيرها، بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه، مشدداً على أنه لا ينبغي ربط الطلبة والطالبات في إجازة الصيف ببرامج علمية فحسب، والتغاضي عن ترويح النفس، مثل الرحلة مع الأولاد إما إلى مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة أو غيرها من الأماكن المباحة، حتى يتعرف الوالد على الأولاد أكثر وأكثر ولأجل أن يجمعهم ويشرح صدورهم، ويكسبهم خبرات جديدة، إلى غير ذلك من فوائد السفر التي لا تخفى. غرس مبارك ويؤكد د. عبدالرحمن بن زيد الزنيدي أستاذ الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالرياض أن مناشط تحفيظ القرآن الكريم في مجتمعنا السعودي غرس مبارك، رعته أيادٍ كريمة، ونيات صالحة من علماء هذه البلاد وحكامها الصالحين، نشأت ونضجت خلال سنين، وأثمرت ثماراً يانعة نافعة أخرجت للبلاد وللأمة الإسلامية شباباً قرآنياً متزن الشخصية، وحافظاً لكتاب الله، مشاركاً في بناء وطنه. وأضاف: أهم قضية في تصوري ينبغي التأكيد عليها لزيادة التسامي لدى الشباب الذي نسعى لربطه بكتاب الله، هي أن يلقى في روح الناشئة وغيرهم أن في هذا العصر الذي اختلت فيه المعايير، والتبس فيه الحق بالباطل، وأصبح الانفجار المعرفي والإعلامي هادراً كالسيل المندفع، لا ملجأ للمسلم كي يحافظ على دينه، ويستبصر طريقه إلا بالركون إلى القرآن المجيد الذي يهدي للتي هي أقوم، كما أنه هو النور المبين، وفرقان بين الحق والباطل. وقال د. الزنيدي إن هذا يقتضي عدم الوقوف عند حد قراءة القرآن أو حفظه فقط، بل ينبغي أن تجاوز الناشئة نحو الفقه بآياته، وتفهم مراد الله فيها، وأن يعلموا أن القرآن روح تبث الحياة في الإنسان، وترتقي به، ليكون إنساناً كامل الإنسانية في علاقته بربه، والناس، بل والعالم أجمع. وأضاف: نحن مقبلون على إجازة صيفية يحتاج فيها الشباب إلى محاضن تحميهم من عواقب السوء، بحيث تكون مناشط تحفيظ القرآن الكريم شيئاً أساسياً فيها، ولكي تقوم بدورها كاملاً لابد من دعمها من قبل الجهات المسؤولة، كوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والتي ينبغي أن تكون الداعم الرئيس لهذه المحاضن مادياً ومعنوياً، وكذلك ينبغي على الموسرين المساهمة في تفعيل برامج المحاضن ورعاية المنتسبين إليها، كما لا يمكن أن نتجاهل دور طلاب العلم، وحفظة القرآن والدعاة الذين يجب عليهم أن يجعلوا من هذا الميدان انطلاقة حقيقية لعمل دعوي تربوي، وكذلك يجب أن تساهم الوسائل الإعلامية ببرامج ثقافية وترفيهية يشارك فيها الطلاب. تنوع الأنشطة ومن جانبها تقول الأستاذة جوهرة بنت صالح الصقر المحاضرة بكلية التربية للبنات بالأحساء (الأقسام الأدبية): إن من نعم الله علينا أن فتح لنا أبواب الخير من أجل التقرب إليه، ونيل مرضاته سبحانه، وخير ميدان للتنافس هو ميدان حفظ القرآن الكريم وخدمته، قال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}، وقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) وقد انتشرت حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وامتدت جذورها في مواقع كثيرة من بلادنا الغالية، فلا نكاد نرى مسجداً إلا وبه حلقة، ولا تزال تلك الحلقات تؤتي ثمارها يانعة، وتخرج منها الحفاظ والمشايخ وطلبة العلم الذين نفع الله بهم البلاد والعباد. ولاشك أن الاستفادة من تلك الحلقات لا تتحقق إلا من خلال تضافر الجهود بين كل من الطالب والمعلم والأسرة والمسجد والقائمين عليها، فإذا اختل دور واحد من هؤلاء ضعفت الإنتاجية، وأصبح هناك هدر للأموال والطاقات والجهود والأوقات، والواقع المشاهد في الوقت الحالي أن الكثير من حلقات تحفيظ القرآن على تعددها إلا أن فاعليتها في الوقت الراهن ضعيفة، ولا تواكب تطورات العصر الحديث، من استخدام تكنولوجيا العصر، وإنما تعتمد على عملية الحفظ والتلقين فقط، كما أن الكثير منها يغلق أبوابه خلال الإجازة الصيفية، والتي كان من المفترض أن تستغل أوقات الشباب والناشئة الاستغلال الأمثل، حيث إن الكثير من الطلاب والطالبات يعيشون حالة فراغ ويقضونها بما لا يفيد ولا ينفع. وأضافت: إن من شروط الالتحاق ببعض الحلقات دفع رسوم رمزية قد لا تتعدى (50 أو 100 ريال)، ولكن هناك من لا يستطيع دفعها، فيحرم من دخول الحلقة، بالإضافة إلى أن القائمين على تلك الحلقات يستغلون تلك الرسوم في إدارة الحلقة، وعمل المناشط فيها، وهذا شيء جميل وطيب، ولكن لماذا لا تتواجد ميزانية خاصة لكل حلقة يتم الصرف من خلالها على مكافآت الطلاب أو الأنشطة، وإقامة الحفلات أو حتى الجوائز التشجيعية، سواء كانت للطالب أو حتى المعلم، ذلك المعلم الذي نادراً ما يكافأ، بل إنه أحياناً يصرف من جيبه على الحلقة وطلابها، كذلك وجود الحلقة في مسجد قديم أو صغير، أو أي مكان عام كسوق أو مكان إزعاج وضوضاء، يؤثر سلباً على الطلاب، وعلى المناشط التي تؤدى فيه، بل قد تنعدم فيه، فتكون عملية التحفيظ عملية روتينية خالية من التجديد، كذلك عدم ثبات وقت الحلقة فترة العصر، ثم يكون المغرب، ثم تعود العصر مرة أخرى، مما يؤدي إلى تشتت كبير للطلبة وأولياء أمورهم، كما لابد أن تحرص العائلة على مستقبل أبنائها وحفظهم من رفقاء السوء، وتشجيعهم مادياً ومعنوياً على الالتحاق بحلقات القرآن، ومتابعة الأب لابنه في الحلقة، مما يساعد على رفع مستواه العلمي والتحصيلي، بالإضافة إلى إحساسه بالمسؤولية، وحضور اللقاءات الدورية التي تعقدها الجمعية، أو الحلقة للتباحث في كل ما من شأنه الارتقاء بالحلقة وطلابها. وتؤكد الصقر أن لحلقات التحفيظ دوراً في وضع برامج معدة لحفظ الشباب من الفراغ، ومسبباته، وجعل نشاطات مختلفة في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وعلومه، وتفسيره، وتجويده، وتوفير جميع الإمكانات وتسخيرها خدمةً لحفظ كتاب الله، وتشجيعهم بصرف مكافآت عينية وأخرى معنوية، وتبادل الزيارات بين الحلقات، وعقد المسابقات فيما بينهم، مما يخلق نوعاً من التنافس بينهم. مشيرة إلى أن قلة المتابعة والتوجيه من الجمعية، وعدم تشجيع الحلقات المتميزة يؤدي إلى التهاون في الالتحاق بها، لهذا لابد من المتابعة والتوجيه، سواء كان للطالب أو المعلم، كما لابد من متابعة المشرف القائم على الحلقة ومناقشته في مستوى طلابه، وتقدمهم في الحفظ من عدمه، مما يلقي مزيداً من المسؤولية على المشرف، إضافة إلى عمل مسابقات في الحفظ والمراجعة، قد تكون شهرية أو فصلية، مع رصد جوائز قيمة لها، وعمل إحصائيات سنوية لعدد الطلاب الحافظين وعدد الأجزاء التي تم حفظها في كل حلقة، ومعرفة أسباب ضعف بعض الحلقات ومحاولة علاجها وعمل لقاءات دورية بين إدارة الجمعية والمشرفين على الحلقات، وحل المشكلات، وتذليل الصعوبات التي تواجه بعض الحلقات، ومحاولة الاستفادة قدر الإمكان من تجارب بعض الحلقات، وكذلك يجب التواصل مع أولياء الأمور بعقد لقاءات دورية للتباحث معهم في أمور أبنائهم، والاستفادة من مقترحاتهم وتوصياتهم، كما يجب عمل رحلات ومسابقات بحيث لا تكون مقصورة على طلاب الحلقة، بل يجب دعوة شباب الحي والأسرة القاطنة فيه المرحلة، مما يكون له الأثر في جذب الشاب وحث الأسر أبناءها على الالتحاق بها.