منذ الإعلان عن قيام جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945م والمملكة العربية السعودية ترتبط بالعمل العربي المشترك الذي شارك بوضع أسسه جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - ووضعه كنهج للسياسة الخارجية السعودية.. ونذكر أنه عندما جاء السيد عبدالرحمن عزام للتشاور مع الملك عبدالعزيز حول كيفية التوحد العربي.. فقال له: (نريد مشروعاً يحفظ للعرب كيانهم، فارتبط توقيع المملكة العربية السعودية كعضو مؤسس لجامعة الدول العربية بهذه الكلمات..). هذه الكلمات التي نذكرها اليوم والأمة العربية تمر بمرحلة بالغة الأهمية نظراً لخطورة التحديات التي تواجهها وتستلزم العمل العربي المشترك لعبور هذه المرحلة، لأنه إذا كانت جامعة الدول العربية التي شارك في قيامها بجانب المملكة العربية السعودية دول مصر سوريا ولبنان والعراق والأردن واليمن، قد قامت في ظروف غاية في الصعوبة لأن معظم الدول العربية كانت تحت السيطرة الاستعمارية سواء من الاستعمارالبريطاني أو الفرنسي أو الإيطالي، فإن جامعة الدول العربية وبالعمل العربي المشترك الذي ساهمت فيه السياسة السعودية قداستطاعت عبور تلك الفترة بأن تتحمل عبء قضايا هذه الشعوب حتى نالت كل الدول العربية الاستقلال وأصبحت تدخل في إطار جامعة الدول العربية. ولقد وقفت حكومة المملكة العربية السعودية بجانب هذا التوجه نحو العمل العربي المشترك منذ أول قمة عربية عقدت لمناقشة قضية الشعب الفلسطيني، وهي قمة (إنشاص) إحدى ضواحي العاصمة المصرية القاهرة، عندما أرسل الملك عبدالعزيز بوفد المملكة برئاسة ولي عهده الأمير سعود ومعه توجيهات صريحة من جلالته للاتفاق على مواقف عربية موحدة تدعم الشعب الفلسطيني في محنته ضد القوى الصهيونية، ولعلها نفس الكلمات التي حملها لوزير خارجيته الأمير فيصل عندما توجه إلى الأممالمتحدة عام 1947م ليشارك مع اخوانه العرب لبحث القضية الفلسطينية التي أصبحت على رأس قائمة الاهتمامات الخارجية السعودية مع القضايا العربية الأخرى. ومنذ ذلك الوقت استمرت المشاركة السعودية، حيث شاركت المملكة بوفد برئاسة الملك سعود في قمة بيروت التي عقدت من أجل دعم موقف مصر ضد دول العدوان الثلاثي عام 1956م. وعندما وجدت جامعة الدول العربية الأخطار المتزايدة بالأمة العربية قررت أن تعقد مؤتمرات القمة(كلما دعت الحاجة إلى معالجة إحدى القضايا العربية المهمة)ولذلك عندما تعرضت الأردن للمحاولات الإسرائيلية لتحويل مياه نهر الأردن قررت الجامعة العربية عقد القمة العربية الأولى تحت هذا الإطار وترأس الملك سعود وفد المملكة العربية السعودية لهذه القمة في يناير عام 1964م، والتي تلاها عدد من مؤتمرات القمة لم تغب المملكة عن أي واحد منها دعماً للعمل العربي المشترك الذي يرتبط بالقضايا المصيرية للأمة العربية. ولعل المملكة العربية السعودية وقفت في أحلك فترات الخلافات العربية تدعم العمل العربي المشترك، وهو ما تأكد في القمة العربية الرابعة التي عقدت بالعاصمة السودانية الخرطوم في نهاية أغسطس عام 1967م لدراسة آثار العدوان الإسرائيلي، وقرر القادة العرب تقديم الدعم لدول المواجهة مع إسرائيل، فأعلن الملك فيصل أن المملكة على استعداد لدفع ثلث احتياجات مصر والأردن حتى يتم إزالة آثار العدوان، وقال كلمته الشهيرة بأن(هذه ليست معونات بل التزامات). وكان من أبرز المشاركات السعودية في العمل العربي المشترك خلال حرب رمضان - أكتوبر 1973م، والتي قاد خلالها الملك فيصل الدول النفطية لحظر النفط العربي عن الدول المساعدة لإسرائيل وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، حتى أحرز العرب بالعمل العربي المشترك النصر الوحيد لهم إن لم يكن في التاريخ الحديث فليكن في القرن العشرين الميلادي، والتي كان من نتيجتها اتخاذ مؤتمر القمة العربية الثامنة بالعاصمة المغربية الرباط عام 1974م والتي شارك فيها الملك فيصل لقرار بالاجماع العربي على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني مما أعاد القضية الفلسطينية للأمم المتحدة بعد غياب منذ عام 1952م. ولم تقف مشاركات المملكة العربية السعودية في مؤتمرات القمة العربية عند هذا الحد من الدعم لقضية العرب الأولى بل أسهمت في طريق السلام بالمبادرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في قمة فاس المغربية عام 1982م، وتجلى موقف المملكة بقيادته لمعالجة القضايا العربية إبان الغزو العراقي للكويت عندما جندت المملكة كافة امكانياتها بداية من قمة القاهرة 10 أغسطس1990م للوقوف خلف الشرعية الكويتية حتى انتهى الاحتلال العراقي للكويت في فبراير 1991م. والآن وبعد المتغيرات العالمية في مطلع الألفية الجديدة وعندما وجدت جامعة الدول العربية ضرورة الإصلاح الذي بدأ يطرق أبوابها كانت المملكة العربية السعودية سباقة في هذا المجال ووافقت على التعديل الذي طرحته الجامعة العربية لانعقاد القمة سنوياً، وهو النظام الذي في مستهله قدم سمو الأمير عبدالله مبادرة للسلام في قمة بيروت 2002م من أجل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في ظل التراجع الإسرائيلي عن تنفيذ ما اتفق عليه خلال اتفاقيات السلام الموقعة بين الطرفين، وهي المبادرة التي ما زالت بنودها سارية للأخذ بها. ونحن اليوم نواجه الكثير من التحديات التي تلقي على عاتق جامعة الدول العربية تقديم الكثير من الإصلاحات للأمة العربية، نجد المملكة العربية السعودية تسير في إطار الاجماع العربي المشترك لتقديم الإصلاحات التي تخدم الإنسان العربي، ذلك الإنسان الذي أصبح يتطلع لما هو أكبر من البرلمان العربي الموحد أو آلية التصويت في الجامعة العربية، فالآمال العربية كبيرة لخروج قمة الجزائر التي تشارك فيها المملكة بقرارات تعمل على خدمة القضايا العربية بداية من إزالة الخلافات العربية إلى الأمور التي تتعلق بفلسطين والسودان والعراق والصومال، والمسألة السورية اللبنانية وحتى مسألة التحولات الديمقراطية التي يجب النظر إليها بشيء من الواقعية، وكذلك الأمر في بعث التنمية الشاملة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية وغيرها بين الشعوب العربية من أجل الإنسان العربي، ولعل التصريحات المتفائلة للأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية حول قمة الجزائر (بأنها ستعمل على تقديم ما ينفع ويعين العالم العربي على التقدم) تكون بادرة أمل للإنسان العربي ليسير مع التطورات العالمية التي اجتاحت شعوب العالم. إن المملكة العربية السعودية وهي الدولة العربية الوحدية التي لم تغب يوماً عن مؤتمرات القمة العربية، حيث كانت حكومة وشعباً حاضرة في كل المؤتمرات السابقة من أجل دعم العمل العربي المشترك، وهي تقف اليوم لتقدم المساعدة للأمة العربية في طريق الإصلاح الذي يسعد الإنسان العربي ضمن العمل العربي المشترك. ولنتذكر جميعاً كلمة المؤسس الملك عبدالعزيز التي كأنه يقولها اليوم للقادة العرب وهم في اجتماعهم بالجزائر (إننا نريد مشروعاً يحفظ للعرب كيانهم) كلمة قيلت منذ ستة عقود ونحتاجها اليوم.. ونسأل الله التوفيق لهؤلاء القادة للعبور بالأمة العربية تلك المرحلة المهمة من تاريخها وتقديم الإصلاحات التي تحفظ للعرب كيانهم وتساعدهم في بناء العالم العربي الجديد. أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد -كلية التربية للبنات - تبوك