تعد اللغةُ أساساً مُهمّاً من أسس الشخصية الإنسانية، وهي ملمحٌ رئيس من ملامحِ هويةِ أيِّ أُمّة، وعنوانٌ لمدى حريتها واستقلالها. ولذلك فإن الأمم الحيّة تُعطي هذا الجانب أهميةً كبرى، فتحرص على تمكين لغتها من التعبير عن متطلبات حياة شعوبها، وتفرض سيادة لغاتها في مواقع العمل والتجارة وجميع المواقع الرسمية والخاصة؛ ذلك أن العبث باللغة يعني العبث بكرامة الأمة.. وليس هناك أُمّة مهما صغرت ترضى أن يُعبث بكرامتها. ولقد لقيت اللغة العربية كل تشريف وتكريم خلال مسيرتها الطويلة، وكان أعظم تشريف لها أنْ نزل بها القرآن الكريم. وظلت العربية في مكانها الرفيع، حتى جاء عصر السقوط العربي المعاصر، حين استُهين بالشرف العربي، فدخل الضيم على اللغة العربية بفعل الاستعمار والهيمنة الأجنبية، فنُحِّيَت العربية واستُبيحت مواقعها فيما استُبيح من محارم العرب والمسلمين. ومن المؤسف أن أبناء العرب هم الذين قاموا بالانتهاكات المخزية لمواقع لغتنا العربية، نجد ذلك في أسماء برامج القنوات الفضائية، وفي الإعلانات التسويقية، وفي أسماء المحلات التجارية على امتداد شوارعنا في بلاد هي مهد العروبة والإسلام. واليوم تطل علينا شركة عربية جديدة تعمل لأول مرة في حقل الاتصالات في بلادنا باستحداث خدمة أطلقت عليها اسم (موبايلي). وكأن اللغة العربية لا تستحق من هذه الشركة شرف تسمية أحد منتجاتها بها.. فلم تجد إلا الاسم الأجنبي ثم تنسبه بياء النسب العربية!. هذا الاسم من الأسماء التي سيكون لها شيوع شعبي كبير، وهو بذلك يمس ذوقنا العام، ويسيء إلى لغتنا العربية، ويرسخ بيننا ثقافة التبعية والتغريب والانفصال عن ثقافتنا العربية الإسلامية. ومن المؤسف ألا تقوم أي جهة رسمية مختصة بالاعتراض على هذه التسمية، مع أن النظام الأساسي للحكم ينص على أن لغة الدولة هي اللغة العربية، وقرارات مجلس الوزراء وتعليمات الدولة كلها تؤكد على استعمال اللغة العربية في التسميات التجارية والعقود والمعاملات، إعمالاً لنص المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم. ولقد قامت سياسة حكومتنا الرشيدة منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز على تعريب الأسماء الأجنبية. ففي عهد ذلك الملك الخالد أهدينا إلى العالم العربي أسماء عربية لمسميات كانت في البلاد العربية تسمى بأسماء أجنبية مثل اسم (البرق) الذي كان يسمى في معظم الدول العربية (بالتلغراف)، واسم البريد الذي كان يسمى في كثير من الدول العربية باسم (البوسطة).. وأعدنا تسمية كثير من الأسماء الأجنبية التي كانت شائعة بين العامة مثل (الموتر = السيارة) و(الريل = القطار).. وكنا مثالاً مشرفاً على ذلك، فأدخلت الاتصالات السعودية اسم (الجوال)، وهو اسم جميل ورشيق يفوق كثيراً من الأسماء العربية المماثلة المتداولة. كما أن خدمات الاتصالات السعودية جميعها لدينا تسمى بأسماء عربية، وهو أمر يشكر لاتصالاتنا السعودية. لا نريد بهذا الكلام هجر اللغات الأجنبية، ولا نطالب بعدم المعرفة بها، ولكننا نؤكد ان التحذلق باستعمال ألفاظ أجنبية لا ضرورة لها صفة ذميمة لا توجد إلا في المجتمعات المتخلفة الممسوخة والتي نربأ ببلادنا أن تكون منها. فهل تغير شركة اتحاد الاتصالات هذه التسمية حفاظاً على ذوقنا العربي العام في المملكة، وانطلاقاً من المحافظة على كرامتنا التي تمثل اللغة العربية وجهها الناصع؟ وإذا لم تفعل فهل من جهة تلزمها بذلك؟؟.. إننا لمنتظرون، ونأمل ألا يطول الانتظار. (*) عضو مجلس الشورى - مدير جامعة الملك سعود سابقاً