يشهد العالم في كل يوم تقدماً تقنياً رائعاً في الاتصالات وفي المعلومات على نطاق كل من الإنتاج والاستهلاك في الصورة وفي الصوت وفي الأرقام بواسطة الأقمار الصناعية التي اتخذت مواقعها حول الأرض، كل هذه الأمور قد ساعدت على إسقاط الحدود، وعلى شطب كل (القواعد) التي مازالت تسيطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.. ولأن الدولة (تزول) أمام الاتفاقات بين (الشركات متعددة الجنسيات) ورؤوس الأموال.. فإن العالم قد انقلب فعلاً إلى قرية صغيرة.. ان لم نقل (إدارة) متعددة الرؤوس. وهناك تشابك متزايد على مستوى العالم كله بين منظومتي الاقتصاد والإعلام التلفزيوني المرئي والناطق بالصورة المتحركة.. التي تنقل المعرفة المختزنة والموجهة والمسبقة في آنٍ واحد معاً.. وكذلك الأعمال الإبداعية والفكرية الموجهة.. وقد أدى هذا التشابك إلى ظهور ما يسميه علماء الثقافة وفلاسفة المعرفة باسم التمنيط أو التوحيد الثقافي للعالم كله، وذلك على حد التعبيرات التي استخدمتها لجنة اليونسكو العالمية للإعداد لمؤتمر السياسات الثقافية من أجل التنمية.. الذي عقد في العاصمة السويدية استوكهولم في الفترة من 28 مارس حتى 3 إبريل 1998م. وقد ساعد البث المباشر من خلال الأقمار الصناعية على ظهور ما يُعرف بظاهرة التخطي المعلوماتي للحدود القومية من خلال الشركات متعددة الجنسيات التي تشير الدراسات إلى تزايد دورها في الأنشطة الإعلامية والثقافية حيث تعمل على استقطاب النخب المثقفة بشكلٍ خاص، والجمهور العربي بشكلٍ عام للترويج لفكر العولمة ولإعادة تشكيل الرأي العام العالمي تجاه الأفكار التي تطرحها، مستخدمة في ذلك كل أساليب الجذب والإبهار، ولكي تنجح الفضائيات العربية لابد أن تهتم بالمتلقي العربي وأخذ خصائصه ورغباته وعاداته الاتصالية في الاعتبار. وفي إحدى الدراسات العلمية الميدانية المهمة لعينة من مشاهدي القنوات الفضائية خلصت صاحبة الدراسة الدكتورة سوزان القليني إلى أن أهم العوامل التي تساعد الفضائيات العربية في التصدي للقنوات الأجنبية ومن ثم تصديها لسلبيات العولمة ما يلي: 1- ضرورة تحديد خصائص الجمهور وإمكاناته الاتصالية واحتياجاته ورغباته من وجهة نظره, كذلك من وجهة نظر الخبراء والمتخصصين في المجالات المختلفة وأخذها في الاعتبار عند وضع الاستراتيجية الإعلامية والخطة البرامجية للفضائيات العربية كل على حدة. 2 - دراسة المتلقي باختلاف خصائصه وقدراته وعاداته وأنماط تعرضه لوسائل الاتصال المختلفة، حيث يساعده ذلك على الوصول إلى الجمهور العربي من خلال الفضائيات العربية في ضوء تعدد وسائل الاتصال وتنوع مخرجاتها. 3 - الاهتمام بالمواطن العربي المهاجر أو المقيم خارج المنطقة العربية بنفس القدر الذي يتم به الاهتمام بالمواطن العربي داخل المنطقة العربية.. وتؤكد التجربة الفرنسية نجاح القنوات العربية في الوصول إلى المهاجر العربي في فرنسا والذي تجاهله الإعلام الفرنسي فانصرف عنه إلى القنوات العربية. 4 - الأخذ بالقنوات المتخصصة، سواء متخصصة الجمهور أو متخصصة الموضوع لتحقيق الإشباع الاتصالي من حيث الكم والكيف للمتلقي. 5 - يجب على الفضائيات الوعي بأن الإعلام أصبح علماً يمارس على أسس علمية وعلى نظريات تستقي مرجعيتها وقوتها من نظريات علوم إنسانية واجتماعية أخرى وليس فقط من خلال امتلاك تكنولوجيا متقدمة مما يؤكد أهمية الاستعانة بالخبراء والمتخصصين في المجالات المختلفة لإنتاج برامج على أعلى مستوى شكلاً ومضموناً يخاطب عقل ووجدان المشاهد العربي. 6 - تشجيع التبادل البرامجي والبث المشترك في المناسبات الوطنية والقومية بين الفضائيات العربية على اختلافها. 7 - تحقيق المشاركة الجماهيرية والاتصال ذوي الاتجاهين والاستفادة من تكنولوجيا الاتصال لخلق حوار دائم بين الجمهور والوسيلة بما يحقق ديمقراطية الاتصال، ويعمل على ربط الجمهور العربي بالفضائيات العربية ويعطي للمشاهد حقه في التعبير عن ذاته بتلك القنوات. 8 - لابد أن يكون لكل قناة فضائية شخصيتها المستقلة إعلامياً.. بحيث لا تتشابه مع غيرها من القنوات الفضائية العربية ولا تكون صورة مكررة لما يقدم شكلاً أو مضموناً في الفضائيات الأجنبية حتى يكون لها جمهور خاص يقبل على برامجها بناءً على شخصيتها المميزة. 9 - مراعاة كل المشاهدين وذوي الاحتياجات الخاصة مع توسيع مساحة الحرية في طرح ومناقشة القضايا المختلفة، بما يحقق المصداقية لتلك القنوات ويوفر لها عناصر الجذب، ويوثق علاقتها بالمتلقي العربي. 10- يمثل احترام المشاهد شكلاً من أشكال العلاقة القائمة بين الفضائيات وجمهورها ومن أهم مظاهر هذا الاحترام هو إحاطة المشاهد علماً بمواعيد البرامج والالتزام بالمواعيد المعلنة وهو ما يعزز من مصداقية الفضائيات العربية. 11 - مما لا شك فيه أن أحد ملامح الشخصية المميزة للفضائيات هو مقدمو برامجها، ولذا يجب الاهتمام بمستواهم الثقافي والفكري والعلمي بالإضافة إلى قدراتهم الشخصية، حيث يتعاملون مع جمهور مختلف الجنسيات والثقافات بدءاً من النخب المثقفة إلى عامة الجمهور، مما يتطلب كفاءات على أعلى مستوى تتعامل مع العقل لكي تجذبه وتقنعه ببرامجها. 12- يجب استغلال عامل اللغة العربية كأحد عوامل الجذب إلى الفضائيات العربية، حيث تشكل اللغة وسيلة للتواصل بين الجمهور والفضائيات، وعندما يفتقد الجمهور اللغة خاصة الأجنبية يفقد أحد أهم وسائل التواصل مع الفضائيات الدولية التي تصبح بالنسبة له مجرد مناظر وأساليب مبهرة يمكن استغلالها عربياً في تطوير أساليب العرض الإعلامي مما يجعل المشاهد العربي ينصرف بنسبة ملحوظة عن الفضائيات الأجنبية التي لا يفهم محتوى برامجها. 13 - ضرورة إيجاد وسيلة للتكامل والتنسيق بين الفضائيات العربية بحيث تعمل بشكلٍ متكامل (سواء كانت قنوات خاصة أو حكومية) وليس بشكلٍ متنافس حتى تكون الفضائيات العربية بمثابة وحدة لمنافسة الفضائيات الأجنبية. 14 - يأخذنا الحديث عن الإعلام وعصر السماوات المفتوحة إلى الحديث عن دور الإعلام في الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية، ولن يتم تحقيق ذلك الهدف إلا عبر البناء السليم لفكر ووعي الإنسان العربي.. فهو بناء يقوم على عنصرين يعملان معاً بشكلٍ متوازٍ ومتوازن وهما: أ - تأصيل وتعميق ارتباط المواطن بجذوره الأصلية، وحضارته، وتاريخه وقيمه الروحية، وتقاليد وعادات مجتمعه الإيجابية، وترسيخ الاعتزاز والانتماء للوطن ودوره الحضاري المتواصل، وكذلك استيعابه الصحيح لقضايا وطنه وهموم أمته. ب- تشجيع الانفتاح على العالم، والتفاعل مع العصر، وفتح الآفاق أمام المواطن لمعايشة متغيرات العالم من حوله، والاستفادة من كل تقدمٍ فكري وتكنولوجي يمكن تحقيقه لأن صيانة الهوية والثقافة الوطنية لا يمكن أن تتم من خلال عزل المواطن عن عصره ومحاصرة فكره، وإنما يتم من خلال فتح كل الأبواب والنوافذ للمواطن للتعامل مع حضارة عصره، بشرط تزويده في نفس الوقت بالبديل الوطني القوي، والقادر على تطعيمه بالفكر الواعي والوازع الديني الذي يربطه بجذوره الأصيلة وقضايا وطنه، ويمكّنه من التعامل مع الآخرين بكل ثقةٍ واقتدارٍ واعتزازٍ، وبعينٍ قادرةٍ على النقد، وعقلٍ قادرٍ على التمييز والانتقاء ما بين الغث والسمين.. وذلك من خلال إنتاج برامج عربية خالصة ذات توجهات تثقيفية ومعرفية على أن تُعطى الأولوية للأطفال والناشئة لإبعادهم عن البرامج المستوردة التي تركّز في مضامينها على العنف والتدمير وإثارة الرعب وكل ما يتنافى مع القيم العربية والإسلامية. 15 - العمل على إرساء قواعد للتعاون بين أجهزة الإعلام وأجهزة البحث العلمي والتكنولوجيا المتطورة وإقامة (وكالة فضاء عربية) توفّر المنظور العربي للاستفادة من عصر الفضاء والأقمار الصناعية وتكوين الكوادر العلمية العربية القادرة على مواكبة ذلك.