اتصل بي أحد الزملاء من مكتب معالي وزير التربية والتعليم السابق الدكتور محمد الأحمد الرشيد يخبرني بموعد لمقابلة معاليه كنت قد نسقت في طلبها لأقدم له إهداء إصدار تربوي، وكان في ظني أن اللقاء سيكون سلام واستلام لا يعدو دقيقة أو دقيقين بزعمي أن وقت الوزير لا يسمح بأكثر من ذلك، غير أن ظني لم يكن في محله، دخلت مكتبه وألقيت السلام، بعدها همّ الجالسون عنده وهمّ من أركان الوزارة بالخروج من مكتب معاليه، أشار عليهم أبو أحمد بالجلوس، فضيفنا من الميدان- يقصدني- ونريد أن نتعرف عن الواقع في الميدان التربوي، بدأ معاليه حديثه عن مدينتي التي زارها كأول وزير يزرها ثم فتح معي مواضيع تهم المعلم وما يحتاجه.. ما سبل تطويره.. كيفية اختيار القيادات.. ما أهم الثغرات والملاحظات على أعمال الوزارة تقييمي لما أنجز.. طلب ملاحظاتي ورأيي في الميدان وأن أتحدث دون تحفظ دون إطراء أو مديح.. بعد هذه المقابلة التي دامت ما يزيد على النصف ساعة استأذنته بالانصراف، وجه لي دعوة لحضور الجلسة الأسبوعية مع مسؤولي الوزارة صباح اليوم التالي، حضرت الاجتماع الذي فاح منه عبير الشفافية والوضوح والصراحة. لقد كان جانباً كبيراً من حديث معاليه عن المعلم وما يحتاجه وما سبل الارتقاء بمستواه، والحديث مفتوح للجميع، وكان من ذلك الاجتماع الحديث عن ميثاق أخلاقي لمهنة التعليم، هكذا هي اللقاءات بين الوزير ومسؤولي الوزارة كما أكده لي أحد الوكلاء خارج الاجتماع.. لقد انتهج الوزير الرشيد في منهجه المهني بالعمل بمبدأ الشورى في العمل وهذا يتجلى من خلال اللقاءات والاجتماعات الدورية التي يعقدها أسبوعياً مع أركان الوزارة واللقاءات الشهرية مع مديري العموم والاجتماعات الفصلية مع الصف الثالث من الموظفين بالإضافة إلى اللقاء السنوي لقيادات العمل التربوي والتعليمات الصادرة من الوزارة للمناطق والمحافظات التعليمية التي تطلب رأي العاملين في الميدان ومشاركتهم في القرار. كما أن الوزارة انتهجت مبدأ الأخذ بمبدأ العمل المؤسسي والذي يتضح من خلال إصدار العديد من التنظيمات واللوائح التي تسهم في مؤسسة الأعمال بما يجعل العمل في الوزارة عملاً مؤسسياً يسير وفق قنوات واضحة لا يتأثر بتغير الأشخاص ومن ذلك على سبيل المثال صدور القواعد التنظيمية لمدارس التعليم العام، ودليل مدير المدرسة الإجرائي والذي كان له أثر كبير في عمل مديري المدارس، وقواعد وتنظيمات نقل المعلمين والمعلمات ومعلمي الظروف الخاصة، وشروط اختيار المشرف التربوي، وشروط اختيار المرشد الطلابي، صدور تنظيم مجالس التعليم في المناطق والمحافظات، واعتماد الميثاق الأخلاقي للمرشد الطلابي، وإعداد مجموعة كبيرة من الأدلة كدليل المشرف التربوي ودليل المعلم ودليل المرشد الطلابي ودليل النشاط ودليل التدريب ودليل مراكز الإشراف، ودليل القبول والتسجيل ودليل النقل المدرسي، وأدلة في الاختبارات، وصدور عدة لوائح منها لائحة تقويم الطالب ولائحة جائزة الأداء التميز.. وغيرها. ومن المنهج الذي عمل في الوزارة إعطاء الصلاحيات والحد من المركزية فإلى جانب إعطاء صلاحيات أوسع للعاملين في جهاز الوزارة ومديري التربية والتعليم بالمناطق والمحافظات فقد أعطيت صلاحيات أوسع لمديري ومديرات المدارس. كما أن الوزارة انتهجت مبدأ التوجه نحو استخدام التقنية الحديثة في المدارس ولا شك أن برنامج معارف يكرس هذا التوجه في بدايته، وربط المدارس مع الإدارات في اتصال شبكي من خلال البريد الإلكتروني، بالإضافة إلى افتتاح نوادٍ للحاسب الآلي في معظم المناطق والمحافظات. ومن الجوانب الأخرى التي لمسناها في الميدان التربوي التواصل الإنساني للوزير الرشيد بمشاركة المعلمين ومواساتهم في أتراحهم، وتوصيته لمديري التعليم في المناطق والمحافظات بتقديم واجب العزاء والمواساة باسم الوزير والوزارة، وإرسال خطاب التعزية ممهوراً بإمضائه لذوي الفقيد.. ومن المواقف المضيئة اهتمام الوزير بالحالات المرضية التي تحتاج عناية خاصة لمنسوبي الوزارة ونقلهم للمستشفيات التخصصية. فهكذا كان الوزير الرشيد الذي لم يهدأ يوماً عن التطوير والتجديد في وزارته، يشاركهم في كل مناسباتهم، يحفزهم ويشحذ هممهم، فتح قنوات الاتصال معهم، طاف بلاد العالم المتقدم وإرسال الوفود والبعثات إليها بحثاً عن كل جديد ومفيد، رافعاً شعار (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة).. بحث عن الكفاءات واستقطبها لإدارات الوزارة ووكالاتها، مشاريع تربوية نجني ثمارها في الميدان لا مجال لحصرها.. اقرأوا فكره ورؤيته في الرسائل العشر يخاطب التربويين.. واقرأوا في كتاب رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة، وإلى المعلم اتحدث، اقرأوا هكذا تعلمت الإسلام، اقرأوا ما كتبه في أعداد المعرفة التي أعادها إلى الضوء كمنبر إعلامي تربوي لكل التربويين. لن تفي الكلمات في حقه ولن تتسع المساحة لمآثره التربوية، وحبي أن أبوح بهذه السطور.. عن معلم ومربٍ فاضل ترك أثراً وبصمات واضحة في الميدان التربوي. مشرف تربوي / الحدود الشمالية [email protected]