كشفت وثائق الجيش الأمريكي التي أعلنت الشهر الحالي عن قيام أحد جنود مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) في العراق بصب سائل كحولي على جسد أحد المعتقلين العراقيين ثم إشعال عود ثقاب وتهديد المعتقل بإشعال النيران فيه ثم القيام بإحراق يدي المعتقل، وقيام جندي آخر بتوصيل سلك يخرج من محلول كهربائي إلى كتفي معتقل آخر، بحيث كان المعتقل يقفز ألماً كلما تم توصيل الكهرباء إلى جسده، كما يجري الجيش الأمريكي تحقيقات بشأن صور جديدة لأعمال تعذيب في حق المعتقلين تكشف إحداها عن جلوس جندي أمريكي على معتقل عراقي مقنع ومقيد اليدين في الوقت الذي يصوب فيه مسدسه إلى معتقل آخر ينزف الدماء. وأشار تقرير إلى أن القوات الأمريكية اعتادت ضرب المعتقلين في أفغانستان ونزع أظافرهم وصب الماء البارد عليهم أثناء نومهم وبصورة مفاجأة. وقد وقعت أغلب هذه الجرائم عامي 2002 و2003 . والحقيقة أن كل جرائم التعذيب هذه سواء في العراق أو في أفغانستان والتي لم تتحدث التقارير سوى عن نماذج قليلة منها تفند دعاوى الرئيس الأمريكي جورج بوش بأن هذه الجرائم ليست سوى أعمال فردية لا تتجاوز مسئوليتها حدود الأشخاص الذين ارتكبوها.كما تشير التقارير إلى تعرض جنود وضباط قدموا شكاوى لقادتهم من سوء معاملة المعتقلين بالانتقام منهم، بل وحتى بالإيذاء البدني، لكي يلتزموا الصمت تجاه ما يرونه من انتهاكات في المعتقلات الأمريكيةبالعراقوأفغانستان. وقد التزم الرئيس بوش الصمت تجاه التقارير التي تحدثت عن حوادث الموت الغامض للمعتقلين في المعتقلات الأمريكية وكذلك عن الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون على يد الجيش الأمريكي.والحقيقة أن الجنود في أرض المعركة يحتاجون إلى مساحة عادلة للتحرك تحت وطأة المعارك، فعندما يزيد معدل إفراز مادة الأدرينالين في جسد الجنود نتيجة الخوف وعندما يكون الجندي بين خيارين إما أن يقتل أو يقتل لا يمكن أن نعتبره يتصرف في ظروف طبيعية. ولكن هذا الكلام لا ينطبق على هؤلاء الجنود الذين يرتكبون أعمال التعذيب داخل المعتقلات، فالصور تقول إنهم يفعلون ذلك بدم بارد وبرغبة في تعذيب الآخرين. ومن المستحيل القول بأنه تم الكشف بالفعل عن كل جرائم التعذيب والانتهاكات سواء التي حدثت في الماضي أو التي تحدث حالياً.وكان الرئيس بوش قد قال في مايو الماضي وبعد قليل من الكشف عن فضيحة سجن أبو غريب إنه (يأسف للإهانة التي تعرض لها معتقلون عراقيون وعائلاتهم، ولكن هذه الجريمة التي ارتكبتها قلة من الجنود الأمريكيين لا يمكن أن تلغي الإنجاز والفخر الذي حققناه في العراق). والآن اتضح أن (القلة) التي تحدث عنها بوش هي (كثرة) من الجنود الأمريكيين اعتادوا ممارسة التعذيب والانتهاكات في حق المعتقلين بالعراقوأفغانستان. ومهما كانت الحقيقة بشأن المسؤولية عن أعمال التعذيب فإن القيادة العسكرية والسياسية في واشنطن تتحمل هذه المسؤولية.