الخطوات الإصلاحية التي اتخذتها الدولة والمتمثلة في الحوارات الوطنية بين فئات المجتمع المختلفة، تلك الحوارات التي فتحت المجال أمام الجميع للنقاش والتحاور في أمور تهم المجتمع، واتخذت توصيات بهذا الشأن، سيكون لتطبيقها- إن شاء الله- هدف رئيسي وهو تطوير الفكر والارتقاء بمستواه لما يحقق الصالح العام في كافة مجالات الحياة التعليمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. هذه الحوارات التي أتاحت للجميع بمن فيهم المرأة أن يكون لها صوت مسموع يعتد به ويسهم في دفع عجلة التطور. الإصلاح لم يقف عند هذا الحد بل تعداه إلى خطوات عملية إيجابية ارتقت من مستوى القول إلى العمل، ومن التخطيط إلى البناء، وذلك ما أكده التوجه إلى المساهمة في صنع القرار من خلال الانتخابات البلدية في كافة مناطق المملكة، نعم هذه الخطوات الإصلاحية المباركة تتبناها الدولة، أساسها التطوير وعمادها أبناء الوطن. المواطن سيتوجه قريباً إلى صناديق الاقتراع ليختار ممثليه في المجالس البلدية، وسيكون له دور كبير في الاختيار والمشاركة في نواحي الحياة المختلفة، لن يكون متفرجاً ولا ناقداً بعد اليوم بل هو جزء من منظومة العمل ولبنة من لبناته، وأداة فعالة في اتخاذ القرار وتنفيذه. وإلى جانب الأهداف المباشرة لخطوات الإصلاح التي أشرت إليها، هناك أهداف أخرى لا تقل عنها أهمية بدأت تتحقق وستكون قاعدة قوية راسية في المستقبل- إن شاء الله- ومنهج حياة، ألا وهي التقارب بين فئات المجتمع، والألفة بين أطيافه المختلفة في الآراء والتوجهات مع المحافظة على الثوابت المتمثلة في اتباع أسس الدين الإسلامي الحنيف والمحافظة على أمن واستقرار ووحدة الوطن. لقد فتح المجال للجميع لقول رأيه بصراحة ووضوح بعيداً عن التشنج أو الشك أو الاتهام للطرف الآخر، الأمور تعالج بشفافية لا يشوبها غموض، وهذا ما نطمح إليه، لن يكون هناك مجال للغمز واللمز أو التقليل أو الانتقاص من رأي أو إقصاء لفئة. سيسمع الرأي مهما اختلف ويرد عليه بأسلوب حضاري متطور، هذا بحد ذاته يعد إنجازاً كبيراً يمهد السبيل لوجود مجتمع متطور بعيد عن الفرقة والاختلاف. تأتي كل هذه الإنجازات الحضارية متوجة للنجاحات الكبيرة المتوالية لرجال الأمن في محاربة الإرهاب واجتثاث جذوره حتى أصبحنا نسمع عن إلقاء القبض على مشتبهين من الفئات الضالة يحملون أدوات التفجير، ولكن المتابعة اليقظة لهؤلاء الرجال الأبطال أفسدت على الأشرار خططهم، فلم يستطيعوا تنفيذها ولم يتمكنوا من القيام بأي عمل إجرامي بل أصابهم الارتباك وتوالت عليهم الإخفاقات، وحاق بهم الفشل من كل جانب، وأينما اتجهوا يجدون رجال الأمن في وجوههم، وحل بهم قوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ} ونرجو الله أن يكون هذا حالهم حتى ينتهوا عن آخرهم ويخلص البلاد والعباد من شرورهم. بالطبع لم يعجب أعداء الوطن ممن يقبعون خارجه الضربات الموجعة للإرهاب، ولم يتوقعوا أن تسير خطوات الإصلاح في طريقها الموفق وأن تجد الدولة من المواطن الدعم والتأييد لمشاريعها الإصلاحية الخيرة، فثارت ثائرتهم وأسقط في أيديهم بعد أن رأوا المواطن يقطف ثمرات الإصلاح الهادئ الموزون بل ويعيشها، وهم أي الأدعياء قد وعدوا الناس كذباً بالإصلاح فأخذوا يتخبطون وانهارت خططهم ووضح زيفهم وانفض الجميع عنهم، ولم يكن لهم من وسيلة إلا الكذب والدجل والادعاء الباطل والمحاولات اليائسة لتأليب العامة والدهماء على الوطن وأهله بعد أن يئسوا من المواطنين الصالحين، وحاولوا عبثاً تحريكهم واستغلال السذج لإثارة الفتنة والبلبلة وزعزة الأمن، ولكن أنى لهم ذلك، فالبناء الشامخ للكيان له قواعد قوية راسخة لا تهزها هذه الأراجيف، ولا يؤثر فيها عبث العابثين، بل ازداد المواطن التصاقا بوطنه وولاءً لقادته لعلمه أن أولئك المجرمين الحاقدين لا يسعون لخير بل إلى شر، وتحركهم أصابع خارجية خبيثة لا تخفى على أولي العقول، ولم يكن لهم من وسيلة إلا الادعاء الكاذب بأنهم يؤيدون من الداخل، وزوروا أسماء معروفة ادعوا بأنها تقف إلى جانبهم، ولكن كشف إخلاص أبناء الوطن الزيف والدجل، وإن قوّلوا الناس ما لم يقولوا، وإن أوردوا أسماء معروفة ردت عليهم بضاعتهم الفاسدة. وهاهي المملكة اليوم- ولله الحمد- آمنة مستقرة تنعم بالرخاء الاقتصادي، وقوت أواصر المحبة، وازدادت اللحمة بين المواطن وقادته، وهذا مالم يكن في حساب دعاة السوء والضلال. أعمدة الأذى لهذا الوطن قد أعياها الانتظار لمؤازرتها من قبل أبناء الوطن للقيام بأعمال يدعون أنها إصلاحية، وهي أبعد ما تكون عن ذلك، فأخذ يؤلب المواطن على السلطة بأي وسيلة كانت حتى دعا أحدهم إلى ضرب المصالح الأمريكية على حد زعمهم ولو تطلب الأمر إحراق آبار النفط. تصوروا كيف يرجى خير من امرئ يدعو إلى تدمير اقتصاد البلاد وإحراق آبار النفط نكاية بأمريكا؟ وكيف سيعوضهم عن ذلك؟ أم أنه لا تهمه مصلحة الوطن، المهم أن يشفي غله وحقده على أهل المملكة وقادتها. أمر عجيب والله، والأعجب منه أن يجد من يبث هذه الدعاوى الشريرة من قناة فضائية تدعي كذباً الحيادية والبحث عن الحقيقة، الحقيقة التي في نظرهم هي تقديم كل أذى ممكن للمملكة وتلميع صورة كل من يحقد على المملكة وقادتها. وعندما يصلهم شريط صوتي مسجل لأحد رموز الفتنة يصبح هذا الشريط الخبر الأساسي يرددونه كل ساعة ويستقطبون كل من يعرفون عداوته للمملكة للتعليق عليه، ويحاورون كل من يظنون أنه سائر في ركبهم، بل ويضعون الكلمات في فمه لو تلكأ، وإلا كيف يبرر بث شريط يدعو إلى تحطيم اقتصاد دولة مسلمة بل وهي بلد الحرمين الشريفين، والمؤلم أنها تبث من دولة عربية شقيقة ترتبط بها المملكة بكل أواصر القربى والنسب والدين واللغة والأهداف المشتركة. ترى هل هو الحقد والحسد للمملكة من القائمين على المحطة؟ هل رأيتم من يدعو مزارعاً مثلاً إلى إحراق زرعه أو رجل صناعة إلى رمي منتجه في البحر؟ المملكة العربية السعودية لها أياد بيضاء معروفة في إنشاء الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى نشر الدعوة الإسلامية وتوضيح أسس الدين الحنيف وتقديم المساعدة والدعم للجاليات المسلمة في مناطق العالم المختلفة، ولولا تدخل أدعياء الإصلاح لاستمرت هذه الجمعيات في أداء رسالتها الخيرة. نحن نعرف كيف تكون الحيادية في وسائل الإعلام المختلفة وأسلوب نقل الخبر، ونشاهد محطات ذات عراقة إعلامية معروفة لكنها لا تحرض على الآخرين ولا تأخذ موقفاً محدداً من طرف معين لا سلباً ولا إيجاباً، بل تنقل الخبر كما ورد، وإذا استضافت خبراء أو محللين حرصت على اختيار الأكفاء من ذوي النزاهة، وتعمل على عدم تغليب رأي على آخر بل تهتم بتوازن الآراء، ولك عزيزي القارئ أن تشاهد قناة الBBC وغيرها من المحطات الإعلامية العالمية. لقد استقال أشهر مقدم أخبار في محطة ال CBS الأمريكية لأنه نقل أخباراً غير موثقة عن الرئيس الأمريكي بعد أن اعتذر من المشاهدين أكثر من مرة، ولكن شرف المهنة حتم عليه الاستقالة لاعتقاده بأنه خدع المشاهدين. أما بعض فضائياتنا فلها أن تصول وتجول بلا حسيب ولا رقيب هذا في نظري من الفشل الإعلامي في العالم العربي. استفدنا من التقنية وتطورات أساليب البث وسرعة نقل الخبر حتى أصبحنا نعيش كما يقال في قرية صغيرة، لكن مضمون الخبر في بعض محطاتنا لم يتغير، إثارة كاذبة ونقل أخبار غير دقيقة. الخلل في مصداقية البعض سيكون ثمنه باهظاً، وهو عزوف المشاهد العربي عن هذه المحطات لأنه أصبح أكثر وعياً ويجد البديل في المحطات الصادقة وإن كانت أجنبية، أما المحطات العربية التي لا تحترم شرف المهنة فلن يكون في جعبتها سوى أشرطة صوتية مكررة ومملة لا تجد من المشاهد سوى الإعراض والازدراء وضغط زر الرموت كلما مر عليها خطأً. والله الموفق،، (*) وكيل جامعة الملك سعود للدراسات العليا وال