البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    على يد ترمب.. أمريكا عاصمة العملات المشفرة الجديدة    عصابات النسَّابة    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    محترفات التنس عندنا في الرياض!    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أكبر مبنى على شكل دجاجة.. رقم قياسي جديد    استعادة التنوع الأحيائي    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    أجواء شتوية    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    الرياض .. قفزات في مشاركة القوى العاملة    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    العريفي تشهد اجتماع لجنة رياضة المرأة الخليجية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغرور من صفات النفس الأمارة بالسوء الخاضعة لسلطة الشيطان
«الجزيرة » تفتح ملف.. سلوكيات يرفضها الإسلام «41»
نشر في الجزيرة يوم 12 - 11 - 2004

جاء الإسلام ليخلص البشرية من أدران الجاهلية وأمراضها، ويقوم السلوك الإنساني ضد أي اعوجاج أو انحراف عن الفطرة السوية، ويقدم العلاج الشافي لأمراض الإنسان في كل العصور القديم منها والحديث، مما حملته العصور الحديثة بتقنياتها ومستجداتها، وهو علاج تقبله كل نفس سوية، ولا ترفضه إلا نفوس معاندة مكابرة، جاهلة، أضلها هوى، أو متعة زائلة.
وقد استوعبت الشريعة الغراء كل ما قد يقترفه الإنسان من ذنوب، أو محرمات في كل عصر، سواء كانت أقوالاً أو أفعالاً، أو حتى ما يعتمل في الصدور من مشاعر وانفعالات، وأبانت أسباب تحريمها جُملة وتفصيلاً في القرآن الكريم والسنة المطهرة، إلا ان الكثيرين مازالوا يسقطون في دائرة المحرمات هذه، إما جهلاً، أو استكباراً، أو استصغاراً لها، أو بحثاً عن منفعة دنيوية رخيصة واستجابة لشهوة لحظية، بل إن بعض هؤلاء يحاولون الالتفاف على حكم الإسلام الرافض لهذه السلوكيات، بدعاوى وأقاويل هشة لا تصمد أمام وضوح وإعجاز الإسلام في رفضه لهذه الموبقات التي تضر ليس مرتكبها فحسب، بل تهدد المجتمع بأسره.
و«الجزيرة».. تفتح ملف هذه السلوكيات المرفوضة، تذكرةً وعبرةً ووقايةً للمجتمع من أخطار هذه السلوكيات، وتحذيراً لمن يرتكبها من سوء العاقبة في الدنيا والآخرة، من خلال رؤى وآراء يقدمها أصحاب الفضيلة العلماء والقضاة والدعاة وأهل الرأي والفكر من المختصين كل في مجاله..
آملين ان تكون بداية للإقلاع عن مثل هذه السلوكيات التي حرمها الله، قبل ان تصل بصاحبها إلى الندم وسوء الخاتمة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الغرور مرض يصيب بعض النفوس الأمارة بالسوء، فترى أنها أرقى وأعلى من الآخرين، فتتعالى عليهم، وتحقر من شأنهم، ومن إنجازاتهم، ونجاحاتهم، وهو ما قد يصيب هؤلاء الآخرين بالإحباط والسلبية، قبل ان يدفع بهؤلاء المغرورين إلى حالة من العزلة، بعد أن ينبذهم المجتمع، بما في ذلك الاقربون إليهم.
فما هي أسباب تمكُّن هذا الداء البغيض من النفوس المغرورة؟ وما هي الآثار السلبية المترتبة على انتشار هذا المرض؟ وما هي أفضل سبل مواجهته، كما جاءت بها الشريعة لحماية المجتمع المسلم من أخطاره؟
النفس اللوامة
بداية يقول د. حسن بن محمد باجودة الاستاذ بجامعة أم القرى: يصح أن يقال إن النفس الإنسانية في القرآن الكريم ثلاثة أصناف، وهي مرتبة ابتداء من أعلاها على النحو التالي:
أولاً: النفس المطمئنة: وقد جاء في سورة الفجر {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي} ، وهذه النفس اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الإيمان به في الدنيا من الكرامة في الآخرة فصدقت بذلك، وعملت من اجل هذه الغاية السامية، فنالت الحياة الطيبة في الأولى، والسعادة في الآخرة.
ثانياً: النفس اللوامة: وقد جاء في سورة القيامة (1 و2) قوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}، وهذه النفس اللوامة كثيرة اللوم لصاحبها على تقصيره في جنب الله تعالى وخلطه عملا صالحا وآخر سيئاً، وهي نفس تلوم صاحبها على الخير الذي قصَّرت فيه، وعلى الشر الذي تمادت فيه، وهي تندم على ما فات، وهذه النفس توشك أن تلحق بالنفس السابقة التي استمرت في حرصها على التخلي عن الصفات السيئة، والتحلي بالصفات الحسنة.
ثالثا: النفس الأمارة بالسوء: جاء في سورة يوسف (53) قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، والمعنى وما أبرىء نفسي ولا أزكيها لأن النفس الإنسانية بطبعها نفس أمارة بالسوء إلا نفسا رحمها ربي جل وعلا وتداركها بلطفه، إن ربي جل وعلا غفور كل ذنب بعد توبة، رحيم أن يعذب من تاب إليه عز وجل وأناب.
الأباطيل والشياطين
ويضيف د. باجودة: ومن الطبيعي أن يكون الغرور من نصيب النفس الأمارة بالسوء، لأن هذه النفس خاضعة لسلطة الشيطان الرجيم الذي يأمر بالسوء دائما، ونحن حينما ننظر إلى الغرور نتبين انه مرض نفسي، وورم داخلي باعثه ضعف الإيمان والصلة بالله تعالى والخضوع لسلطة النفس الامارة بالسوء، والانقياد للشيطان الرجيم، وبالرجوع إلى معاجم اللغة نتبين أن المادة اللغوية) (غرر) التي اشتق منها الغرور يرتبط بها الكثير من المعاني السيئة بالمرغوب عنها غالباً.
والغُرور نفسه، وهو بضم الغين (بمعنى الأباطيل) والغَرور بفتح الغين، بمعنى الشيطان الرجيم وكل ما غرَّك وخدعك، والقول: غرّ، بمعنى خدع وأطمع بالباطل، وفي القرآن الكريم (سورة الانفطار 6) يقول الحق جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} والمعنى، يا أيها الإنسان الكافر، أي شيء غرك بربك الكريم وخدعك عن حقيقة قدرك، فتجرأت على الله تعالى بالكفر والكفران والصد عن سبيل الله تعالى والعصيان.
وهذا الإنسان المغرور أبعد الخلق عن نعوت عباد الرحمن كما جاءت في آخر سورة الفرقان، ومن هذه النعوت أن عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم السفهاء قالوا كلاما طيبا يسلمون به من سفه الجاهلين.
قال تعالى في (سورة الفرقان 63) {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} والمغرور أبعد الخلق كذلك عن معنى قوله تعالى في صفات عباد الرحمن (سورة الفرقان 72) {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} واللغو الباطل، فالمغرور يحلو له الباطل لأنه ذو نفس مريضة والعياذ بالله.
وهذا المغرور تخاطبه إحدى آيات الحكمة في (سورة الإسراء 37) بالقول: {وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} والمعنى، لا تمش في الأرض مختالا مستكبرا، تضرب الأرض بعقبيك تارة كأنك تريد أن تخرق الأرض، أو تمش معتمدا على باطن القدم، وربما على رؤوس الأصابع، منتصب القامة، مرفوع الهامة، وكأنك تريد أن تبلغ الجبال طولاً.
وجاء ايضا في سورة النساء 36): {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} والمعنى أن الله تعالى لا يحب المغرور بنفسه، المخدوع عن حقيقة قدره، المختال في نفسه المتكبر، الفخور على عباد الله تعالى الكفور للنعم، فهذا المغرور في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض.
غرور الحفظة
ويتناول الشيخ محمود بن محمد المختار الشنقيطي الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة خطر الغرور الذي قد يصيب بعض حفظة القرآن الكريم، فيقول: الغرور من أمراض القلب وعلله، ودليل على فساد النفس وخبث الطوية والعياذ بالله، والغرور يلهي عن العمل ويفسد ثواب حافظ القرآن، بل قد يؤدي به إلى النفاق، مع ما فيه من جرأة عظيمة على الله جل وعز. وهو خسران في الدنيا وعذاب في الآخرة، لانه يتنافى مع العبودية لله التي خلق من أجلها الجن والإنس، والغرور أيضا داء يهلك الأمم، ويصيب الأفراد بالأمراض الخطيرة، والعلل المستعصية، كالكبر، والعجب وغيرها.
والغرور عرفه العلماء - والكلام ما زال للشيخ الشنقيطي - بتعريفات منها ما جاء في موسوعة نضرة النعيم بأنه: (كل ما يضر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان) وقد وجدت لفظة الغرور على اختلاف معناها، وفي القرآن مائة مرة، ما ذلك إلى لخطر هذا المرض على المؤمن، وحسبنا من ذلك أن الله تعالى وصف عبادة شهوات الدنيا ونسيان حظ الآخرة التي من أبرز مظاهرها الغرور بمعناه السابق، وصفها بالغرور مقابل الفوز بالجنة في الآخرة قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران، وجعل باعث الغرور عدونا الشيطان اللعين قال تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} (120) سورة النساء.
علل القلوب
ويخاطب الشيخ الشنقيطي كل حافظ للقرآن الكريم محذِّرا إياه من الغرور، فيقول: ويا حافظ القرآن الكريم تعال معي نتدبر هذا الحديث الذي تنخلع له القلوب: في سنن الترمذي رحمه الله بسند حسن من حديث أبي هريرة وعبدالله بن عمر رضي الله عنهم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يخرج في آخر الزمان رجال يختلون - أي يطلبون الدنيا بعمل الآخرة - الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله عز وجل: أبي يغترون أم علي يجترئون؟ فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم منهم حيرانا)، ومما اثر عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ما أورده في الإحياء: (كفى بخشيتك الله علما، وكفى بالاغترار بالله جهلا).
وقد تفطن علماؤنا رحمهم الله في كلامهم على علل القلوب وأمراضها للغرور وخطره على الصالحين وأهل العلم والقراء، حتى أتوا على طبقات المغرورين وصنفوهم لنا ليعلم كل موقعه.. ومن ذلك ما لخصه الإمام ابن قدامة- رحمه الله - في كتابه مختصر منهاج القاصدين بقوله: وفرقة أخرى اغتروا بقراءة القرآن، فهم يهذونه هذا، وربما ختموه في اليوم مرتين، فلسان أحدهم يجري به وقلبه يتردد في أودية الأماني، ولا يتفكر في معاني القرآن، ولا يتعظ بمواعظه، ولا يقف عند أوامره ونواهيه، فهذا مغرور يظن أن المقصود من القرآن التلاوة فقط، ومثال هذا، عبد كتب إليه مولاه كتابا يأمره فيه وينهاه، فلم يصرف عنايته إلى فهمه والعمل به، بل اقتصر على حفظه وتكراره، ظانا أن ذلك هو المراد منه، مع مخالفته أمر مولاه ونهيه، ومنهم من يلتذذ بصوته بالقرآن، معرضا عن معانيه فينبغي أن يتفقد قلبه فيعرف هل التلذذ بالنظم، أو بالصوت، أو بالمعاني.
ويضيف الشيخ الشنقيطي: ولا يكون الحديث عن الغرور بين أهل القرآن الفضلاء غريبا حين يأتي ممن خبرهم وعاش بينهم فمن مظاهره عند أهل القرآن عفا الله عنا وعنهم ما يلي:
- النظر باستخفاف وازدراء واحتقار لكل من لم يحفظ القرآن، ويظهر ذلك في عدم توقير الحافظ للكبير، وتجهيله، مع أنه ربما فضل هذا العامي الذي لا يحفظ القرآن عليه بالعمل.
- قلة وضعف الجدية في التمسك باخلاق أهل القرآن وسمتهم ووقارهم وعبادتهم، وكثرة الكلام إلى حد الثرثرة، والاستهتار في رمي الكلام على عواهنه وكثرة المزاح والضحك في المجالس العامة.
- عدم حمل هم هذا الدين، وعدم حمل هم قضايا المسلمين، وعدم حمل هم تبليغ القرآن، وهم تعليمه وبذله، وهم التفقه فيه وحمل النفس على صفات أهل القرآن.
- توهم بعض أهل القرآن - أصلحهم الله - بأنهم أولياء لله وأنهم حازوا الدرجات العلى في الدنيا والآخرة بمجرد الحفظ وإتقان القرآءة دون العمل به والتطبيق.
- الاستهانة ببعض المعاصي الظاهرة والباطنة اتكالا على أنه من أهل القرآن المشمولين بما أعده الله لأهل القرآن في الآخرة وأن حمل هم التوبة من الذنب والاكتراث به.
- سرعة تخطئة غيره بدون وجه حق مثل سرعة الفتح على الإمام إذا اخطأ دون مراعاة الفقه الواجب والآداب في هذه المسألة ومتى ينبغي أن يفتح ويرد.
الأسباب والعلاج
ومن أهم أسباب الغرور عند المشتغلين بالقرآن: ضعف التربية في البداية على اخلاق أهل القرآن وصفاتهم وعدم عناية المدرس والمحفظ بتفهيم الطالب على حسب مستواه شيء من فقه القرآن ومعانيه، وكذلك التفوق الزائف عند بعض المدرسين، أصلحهم الله - يشجع الطالب على الحفظ السريع دون الإتقان وينصب اهتمامه على الكم دون مراعاة الكيف فيتولد الغرور في نفس الطالب ويتسبب في هلاكه من حيث لا يشعر، فحفظ عشرة أجزاء متقنة خير من عشرين غير متقنة، إضافة إلى الثناء المستمر والدلال الزائد من الأستاذ أو المعلم لتلميذه مثل أن يجعله دائما عريفا على الطلبة، أو يسمع لزملائه دائما.
ومن أسبابه أيضا سرعة التحفيظ واستعجال الحفظ والانطلاق فيه، كأن يحفظ في زمن قصير القرآن، هذا وإن كان خلاف الأصل عند سلفنا الصالح، فمن قوانين التعلم عندهم كما في أبيات الإمام الشافعي المشهورة: أخي لن تنال العلم إلا بستة.. الخ (منها طول الزمان)، ومن الأسباب أيضا تلبية رغبات الطالب الحافظ دائما عند استاذه وبين إخوانه وزملائه، إضافة إلى ضعف القدوات بين الحفاظ في زماننا.
وحول سبل علاج الغرور عند حفظة القرآن، يقول الشيخ الشنقيطي: البداية تكون بالعلاج الوقائي وهو أن تسير تربية النشء التربية القرآنية، وتربية طلاب التحفيظ التربية الإسلامية مع تحفيظ القرآن، جنبا إلى جنب، كما كان السلف وعبر عن ذلك الإمام ابوعبدالرحمن السلمي - رحمه الله - فيما رواه الإمام الكبير محمد بن جرير الطبري في مقدمة تفسيره: (حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا القرآن، عثمان بن عفان وعبدالله بن مسعود وغيرهما: أنهم كانوا إذا تعلموا عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات، لم يتجاوزها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا العلم والعمل جميعا)، فلابد من برامج تربوية ومناشط لاصفية مصاحبة لحلقة ودرس التحفيظ خاصة أن حاجات المتعلم الآن اختلفت عما كانت عليه في السابق، كذلك أن يعلم حافظ القرآن أن ما ورد من فضائل هو لمن يجمع مع الحفظ العمل، وأن مجرد الحفظ مذموم في كتاب الله كثيرا وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث نبوية كثيرة، وأن الوعيد الوارد في حافظ القرآن الذي لا يعمل به كثير ايضا، ومما ورد عن أمير المؤمنن عمر رضي الله عنه أنه قال: (لا يغرركم من قرأ القرآن، إنما هو كلام نتكلم به، ولكن انظروا من يعمل به)، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: كما في كتاب الزهد لابن المبارك) ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف، ولكن إقامة حدوده).
ولقد كان لمشايخنا في المدينة النبوية أساليب تربوية جميلة مع الحافظ تحد من غروره وتعالجه ومن ذلك تشديدهم عليه في الامتحان والتقويم فيعطي أسئلة صعبة أكثر من غيره، أو يعطى أسئلة اكثر من غيره، كسرا لنفسه من باب (إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا) بدون مغالاة في ظلمه وتبكيته وكبته حتى لا نخسره خاصة مع صغر سنه وضعف تجربته وقلة علمه وعمله، ومن ذلك عدم جعل الحافظ عريفا دائما، أو مسمعا لزملائه حتى تنكسر شهوة العجب والغرور في نفسه فيجعلونه يسمِّع أحيانا لمن هو دونه في الحفظ أو يسمع غيره من المتوسطين.
ومن العلاج بعد وقوع العجب مخالفة هوى الطالب إذا أحس المدرس منه بالعجب والغرور مع إشعاره بالحب والعطف واحتضانه دعويا وتربويا حتى لا نخسره، ومن أمثلة ذلك لو طلب الإذن بالغياب أو الإستئدان لشيء غير ضروري لا يسمح له المدرس أحيانا، كذلك أن لا يجعل المدرس الحافظ عريفا أو مشرفا على الحلقة دائما فيقدم عليه غيره ممن هم أقل منه مستوى حتى تستقر نفسه ويذهب الغرور منه، وهذا اسلوب نبوي من هديه عليه الصلاة والسلام فقد كان يولي المفضول مع وجود الفاضل، مع ضرورة التذكير دائما بسير وحال أهل القرآن من السلف والخلف وأخلاقهم وعبادتهم وتحفيظ طلاب القرآن شيئا من كلامهم المأثور ليتأدبوا به، وإعطائهم شيئا عن حياتهم وتراجمهم.
الحرمان من الجنة
أما الأستاذة أمل بنت فهد الجليل المعيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض فتقول: قد يتغير البعض بما حباه الله وميزه عن سواه من الخلق، كمن يغتر بماله أو جماله و بسبب من الأسباب التي يغتر بها، وهذا الغرور من شأنه أن يوجد في نفسه الإستعلاء وحب التسلط على من هو دونه، ويزيد من حرصه على الدنيا وزينتها، كما أنه يعمي بصيرته عن إدراك حقيقة ما يغتر به، أليس المال مال الله إن شاء اتلفه وأفناه؟ وأليس الجمال هبة من الله تذبل بمرور السنين؟! أليس كل ما أعلى شأنه بين الناس هو فضل من الله وابتلاء لينظر للعبد هل يشكر ويسخِّر ما فضله الله به في الطاعة أم يفتن به ويتكبر على الخلق؟
وتضيف الأستاذة الجليل: إن من يدرك أن ما به من نعمة وفضل من الله وحده لا من نفسه ولا من خلقه لا يمكن أن يلوث خلقه بالكبر والغرور، وليدرك كل من اغتر بأمر الدنيا أنها متاع الغرور، متاع زائل فان، قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
وليحذر من يبتلى بهذا الداء الحرمان من الجنة بسبب كبره وغروره، وليحاسب نفسه وليحسن خلقه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ؛ فإن اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل).
الإعجاب بالنفس
من جانبه يؤكد الشيخ عبدالله بن محمد الشهري الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة أن آفة الغرور غالبا ما تكون نتيجة للإعجاب بالنفس الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أحد المهلكات حين قال في الحديث الصحيح: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)، وقال في عقوبة المتبختر المعجب بنفسه (بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه، خسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) رواه البخاري، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:(الهلاك في شيئين: العجب والقنوط، وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالطلب والتشهير والقانط لا يطلب، والمعجب يظن أنه قد ظفر بمراده فلا يسعى، وكان السلف الصالح يخافون آفة العجب لعلمهم بخطرها وما توصل إليه، قال مطرف رحمه الله: لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً، أحب إلي من أن أبيت قائما واصبح معجبا).
وكما أن العجب يؤدي إلى الغرور، فإنه ايضا يؤدي إلى ما هو أعظم من ذلك وهون الكبر كما ذكر ذلك علماء السلوك، فأما مع الخالق فإن العجب بالطاعات نتيجة استعظامها، فكأنه يمنُّ على الله تعالى بفعلها، وينسى نعمته عليه بتوفيقه لها، ويعمي عن آفاتها المفسدة لها، وإنما يتفقد آفات الأعمال من خاف ردها دون من رضيها وأعجب بها.
ويضيف الشيخ الشهري: إن وجوه العجب: تكون بوصفه لكمال من علم أو عمل، فإذا أضيف إلى ذلك أن يرى حقا له عند الله إدلالاً، فالعجب يحصل باستعظام ما عجب به والإدلال يوجب توقع الجزاء، مثل أن يتوقع إجابة دعائه وينكر رده، وإذا رجعنا للغرور فقد ذكر علماء السلوك أن هذه الآفة لا يسلم منها حتى العلماء والعباد ويلبس الشيطان بها على كل طائفة بما يناسبها، فمن صور ذلك: أن طائفة من طلاب العلم وحفظة القرآن ربما أحكموا دراسة الشريعة وحفظ القرآن الكريم والسنة لكنهم أهملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصي، وإلزامها الطاعات، واغتروا بعلمهم، وظنوا أنهم من الله بمكان ولو نظر هؤلاء بعين البصيرة لعلموا أن العلم لا يراد به إلا العمل، ولولا العمل لم يكن له قدر، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ولم يقل: قد أفلح من تعلم كيف يزكيها، فإن تلا عليه الشيطان فضائل أهل العلم، فلنذكر ما قيل في العالم الفاجر كقوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} (176) سورة الأعراف و{كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} (5) سورة الجمعة.
ومنهم طائفة أخرى تعلموا العلم الشرعي وأتوا بالعمل الظاهر من عبادات ونحوها، لكنهم أهملوا عبادات القلوب ولم يمحوا منها الصفات الذميمة كالكبر والحسد والرياء، وطلب العلو وطلب الشهرة، فهؤلاء زينوا ظاهرهم، وأهملوا بواطنهم، ونسوا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) رواه مسلم، فتعاهدوا الأعمال، ولم يتعاهدوا القلوب، والقلب هو الاصل إذ لا ينجو إلا من أتى الله بقلب سليم.
ولو اقتربنا قليلا من واقعنا لوجدنا بعض صور الغرور التي تصيب حفظة القرآن الكريم، ومنها ما ذكره علماء السلوك من أن هناك طائفة من قراء القرآن قد اغتروا بقراءات القرآن فهم يهذونه هذاً، وربما ختموا في اليوم مرتين، فلسان أحدهم يجري به وقلبه يتردد في أودية الأماني.
ولايتفكر في معاني القرآن ولا يتعظ بمواعظه، ولا يقف عند أوامره ونواهيه، فهذا مغرور يظن أن المقصود من القرآن التلاوة فقط، ومنهم من يلتذذ بصوته بالقرآن، معرضاً عن معانيه، فينبغي أن يتفقد قلبه فيعرف هل التذاذه بالنظم، أو بالصوت، أو بالمعاني. ويدفع الإنسان عن نفسه الغرور والعجب بأمور يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولاً: بأن يعلم بأن الله تعالى هو المنعم عليه بإيجاده وإيجاد أعماله، فلا معنى لإعجاب عامل بعمله ولا عالم بعلمه؛ إذ كل ذلك من فضل الله ومنته عليك ولو شاء تعالى لسلب منك هذه النعمة، ولما وفقك لها.
ثانياً: أن يتأمل الإنسان في نقصه وعيوبه الأخرى وستر الله عليه فإن ذلك يضعف من اندفاع النفس وإعجابها وغرورها.
ثالثاً: أن يسعى للمقصود الأعلى بأن يعرف الله حق المعرفة ويعلم أن فعله هذا يتعارض مع محبة الله والخضوع له والتواضع في عبادته.
رابعاً: أن يعلم أن الإعجاب بالنفس والغرور يتعارض مع التواضع للخلق ويدعو الخلق لبغضه وانتقاصه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.