عندما قال الملك عبدالعزيز رحمه الله: (أبنائي من كان منكم من بيت رفيع فليحرص على ألا يكون سبباً في خفضه، ومن كان من آخر فليبق لنفسه مجداً، فقد مَنَّ الله عليكم وأرشدكم إلى طريق الخير، فاعملوا إنا لعملكم منتظرون والله ولي التوفيق.. كان يدرك - رحمه الله - بفطنته وفراسته أن الأيام حبلى وأن هذا التاريخ الذي سجل بكلمات من نور سيأتي بعض من لا يقدره ولا يعرف قيمته دونما تعميم في صورة تعكس أشد أنواع العقوق قسوة وإساءة للآباء والأجداد الذين قدموا من التضحيات الكبيرة، فتبرعوا بأموالهم، وأرخصوا نفوسهم، وسجلوا مواقف شامخة تجاه الملك والأرض والشعب في المشاركة ببناء هذا الكيان الشامخ حتى أصبح مضرب المثل وأصبحت هويته مطلباً للآخرين الذين يحسدون ويغبطون أبناء هذا المجتمع على ما هم عليه من نعمة وأمن واستقرار، فكأنه خباء نسجه الآباء فمدوا أطنابه وثبتوا أوتاده ليستظل به من بعدهم الأبناء، فيقدرون ويحترمون نتيجة تلك المحصلة العظيمة لقانون يثبت أن المجد والرفعة يصعب تحقيقها دون تضحيات جسدية ومعنوية، والأصعب من ذلك أن يحافظ الأبناء على تلك المواقف وذلك المجد دونما تشويه وتلطيخ لهذا التاريخ الناصع، فإذا كانوا يحتفظون بصورة قديمة بعدما زخرفوها في إطارها المذهب معلقة على الجدار ليطلع الزوار عليها بحجة أنها جواب بدليله على مجد أسرته وعظمة آبائه، وإذا كانوا يعلقون مقابلها قطعة سلاح قديمة، كانت عوناً لذلك العلم على ما سطره ساعده في عالم الرفعة والخلود، فإنه من باب أولى أن تحفظ المواقف الناصعة التي قدموها دونما إساءة وعقوق من قبل بعض الأبناء الذين لا يستحقون ما خلده لهم آباؤهم وما أنعم الله به عليهم من شموخ، بل إن العار يتجاوز الأسرة إلى القبيلة والمدينة حينما يحشر بعض الأبناء أنفسهم في عالم العبث، فيسجلون مواقف على النقيض تماماً من تاريخهم ولم يكتفوا بذلك بل طمسوا الماضي العريق في لحظة جنون وتبعية وتعطيل للإدراك والوعي الوطني عندما تُنشرُ أسماؤهم في قوائم هذا المشبوه في تلك القناة المشبوهة، وبكل فخر صرنا نسمع من ينكر عليه في وسائل الإعلام ويصفه بالكذب والتزوير والتدليس ولا يحق له شرعاً أن يستعمل هذه الطريقة الخبيثة، لأن الناس قد تسجل أسماء بعضها دونما علم نكايةً وتشويهاً وانتقاماً نتيجة مواقف شخصية، لأنهم يعلمون أن خيانة الوطن فوق كل خيانة تحت أي سماء وفوق أية أرض وفي ظل أي ظروف، فما بالكم بظروف نمر بها وحوادث فرضت علينا برعاية أيدٍ لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة، فالكارثة الكبرى أن تنسى حقيقة التضحية والموقف الذي بذله الأجداد في مساعدة الملك عبدالعزيز على مدى قرون ليأتي شاب مراهق من أسرة كبيرة يعبث في ظل نشوة السفهاء والمرتزقة ويبادرهم العقوق متجاهلاً ما مروا به من لحظات حرجة فوق ظهور العاديات وتحت ظل السيوف وكانوا نعم العون لإمامهم ورجاله صدقاً تشعر بالخيبة وأنت ترى وتسمع الخيانات العظمى من بعض شباب ومراهقين ينتمون لأسر عريقة، تملك مساحات شاسعة في سفر هذا الوطن بعدماحجزت لها في ذاكرته مكاناً ووصايةً يستحضرها القريب والبعيد، ولو كان التقدير والاحترام على مستوى دخول من بوابة أو خروج من مكتب.. والأكثر خيبة أن يؤيدوا بجهلهم رجلاً مشبوهاً يحمل إساءة تجاه دينه ومليكه ووطنه مع أنه بكل أسف ينتمي لأسرة محترمة ذات تاريخ مشرف بمواقفها الوطنية، وخرج من بطن أنعم الله على الإنسان بخروج الدكتور الجراح صاحب الخلق الرفيع منه، ولا أكثر خذلاناً من اتخاذه حضن الغرب مكاناً يرسل من خلاله سهامه الطائشة ويبث منه سمومه النافثة، ولو كان فيه مصلحة للأمة لما تركوه يمارس كل هذا العبث برعايتهم وحمايتهم ومباركتهم، وليته أدرك ذلك وقدم اقتراحاته وتقاريره من داخل الوطن لمن يهمه الأمر بأدب ومناصحة وبخاصة في ظل سياسة الباب المفتوح التي اتخذتها الدولة منهجاً، لأن السعي بتفريق شمل أمة مجتمعة وزرع الخلاف بين أفرادٍ مجتمعينَ على أمرٍ واحدٍ ذنبٌ عظيمٌ وجرمٌ خطيرٌ في حق أمة تعيش زمنا تداعت علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وهؤلاء الذين يربضون في الخارج، يقدمون لتلك الأمم منافع لا يقدمها لهم مواطنوهم المخلصون إذ يحصلون على مسوغ للضغط على هذه الدولة في تمرير بعض القرارات التي لا تخدم الإسلام وهم لا يدركون أنهم أدوات هدم ومعاول إسقاط، وخناجر غدر تغرس في خاصرة الأمة بالتركيز على الأخطاء والأغاليط التي لا يخلو منها مجتمع بشري، وتأليب الناس بها والضحك على السذج والمراهقين الذين لا يعرفون عاقبة الأمور بخطورتها مع أننا لا نفترض في مجتمعنا الكمال المستحيل لكن تضخيمها بهذه الصورة وتجاهل سعي الدولة الحثيث لعلاجها باطل لا يقبله منصف مثلما هو باطل ذلك التناقض في مواقف بعض الأبناء مع أجدادهم الذين هيأوا لهذا المجتمع أن يكون على هذه الطريقة المتكاملة في رعاية الدين والتزامه منهجاً وحياةً وعقيدةً والاهتمام بالإنسان جسداً وذاكرةً، حتى صاروا رموزاً تحتذى من قبل الآخرين الذين يضربون بهم المثل في البطولة والوفاء، ويتسامرون بحديثهم وأشعارهم ومواقفهم مع الملك الموحد رحمه الله ورجاله، والمؤلم صدقاً أن يزهد الأحفاد بذلك شاهدين على أن نهاية التاريخ في كنفهم ولقد صدقت العرب حينما قالت: (اجعل تاريخ قومك يبدأ من عندك، ولا تجعله ينتهي بك) إشارة إلى أن كل فرد في هذه المجموعة عليه واجبات تجاهها وتجاه أفرادها، فلابد من السعي وعدم الاكتفاء بما حققه الآخرون، بل إن الوقوف عندهم أفضل من العبث بتاريخهم والإساءة لبقية الأفراد في حالة تُدعى ارتكاب أخف الضررين ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة. إن الظروف التي يمر بها الوطن عارضة وحق على كل مواطن أن يسجل موقفه المشرف حفاظاً على كرامته وشموخه التي نراها تنطق في عبارات أولئك الذين حضروا عزاء فقيد من رجال الأمن الشرفاء، وإثباتهم أنهم احتسبوه عند الله حينما قتل مقبلاً غير مدبر دفاعاً عن الإسلام والإنسان، ولا يماثل ذلك في المجد والشرف إلا إخوانه الذين تكبدوا عناء الطريق وظروف الطقس ووقفوا شامخين في نقاط التفتيش استعداداً لأي طارئ يتسابقون في الموقف والطاعة، وحق على كل مواطن صالح أيضا أن يعبر لهم بما يشحذ همتهم ويزيد من حرصهم ويدفعهم إلى التضحية رضاً بما يصنعون، وألا يشعرهم بقلقه وضيقه من السؤال عن الأوراق الخاصة بإثبات الهوية، لأنهم في مهمة وطنية تلزمنا جميعاً أن نكون عوناً لهم، لا عوناً عليهم، وحق على كل مواطن صالح أيضاً أن يساعدهم في المداهمات بحثاً عن المطلوبين وغيرهم، ويفسح لهم الطريق وألا يرى دخولهم بيته نقصاً أو عيباً، لأن الشرع يجيز لولي الأمر دخول البيوت ومساءلة الأفراد المشبوهين حمايةً للمجتمع من شر لا تحمد عقباه.