* حاور الضيوف - يوسف بن محمد العتيق: لا يختلف اثنان في الأهمية الكبيرة للردود والمناقشات العلمية من توضيح الصورة وتبيين الحقيقة، لكن الردود شأنها شأن الكثير من أشكال الكتابة تحتاج إلى ضوابط ومعايير حتى نصل بها إلى الهدف المنشود وهو خدمة الحقيقة والمعلومة. من أجل هذا وذاك أحببنا أن نسلط الضوء على هذا الجانب المهم من خلال مجموعة من الباحثين والمهتمين الذين استجابوا مشكورين لدعوة الوراق في هذا المجال. ولننتقل إلى هذه المحاور المهمة من خلال أقلام ضيوفنا. **** الخطأ الذي يسيء هو ما يستحق الرد الأستاذ عبدالله بن محمد بن محمس القحطاني يؤصل لنا في هذا الموضوع ويبيّن أن هناك أخطاء تستحق الرد والمناقشة وهناك أمور لا تستحق الالتفات إليها، واستهل حديثه أن أي مؤلف في الدنيا لا بد أن يكون كتابه مستهدفاً من قبل الآخرين، حيث قال في هذا الصدد: ومما قيل في وصف الأديب والكاتب ما قاله الجاحظ: (من صنّف كتاباً فقد استهدف فإن أحسن فقد استعطف وإن أساء فقد استقذف.. ومعنى استهدف أي صير نفسه هدفاً لسهام النقد واستقذف أي عرض نفسه للقذف). ونقول هذا ما قد يجنيه مؤلف الكتاب حتى لو لم يجانب الصواب فما بالك لو جانب الصواب وكذلك المقال أو الأطروحة عبر الصحف المحلية وخاصة في مجال الأنساب ومن يجانب الصواب ينطبق عليه قول الشاعر أوس بن حجر: إذا أنت لم تعرض عن الجهل والخنا أصبت حليما أو أصابك جاهل ومتى أجاد كاتب المقال في موضوع مقالة أصبح لا يختلف على حسن مقالته (لا عربي بادياً ولا قروي متحضراً) وأرضى أهل الاختصاص والمهنة وناء بنفسه عن الرد والتشهير. وهناك مواضيع تثار بين حين وآخر في بعض الصحف المحلية ليس لها من هدف يفيد القارئ ولا المجتمع بل ربما تخدم كاتب المقال إعلامياً أو الإشادة بجذم من الاجذام ويكيل لهذا الجذم ما ينوء بحمله الجمل من المدائح (والمدح الكاذب ذم والبناء من غير أساس هدم). أو عندما يتطرق كاتب المقال عن قصدٍ أو بغير قصد للتقليل من شأن قبيلة أو عندما ينسب بعض الأجذام دون دراية إلى قبيلة أخرى أو لجهله بالأصول أو اعتماده على مصادر قدر لها الصدور على غفلة من الرقيب أو قبل أن يكون هناك رقيب وتلك المصادر ألفت لغرض إلحاق أسر معينة بقبائل لغرض الأصالة وهذه المصادر كثيرة للأسف الشديد مما جعل بعض الكتّاب يشير إليها كمصدر وهذه الأمور كثيرة والحديث عنها متشعب وذو شجون وخاصة امتاع السامر والوصالي البشرى ومن حذا حذوه وبعض الأساطير والملاحم المصنوعة منذ الأزل. علماً بأن هناك مخطوطات تحفظ أنساب الناس غيبت أو حرفت والقليل منها تمكن بعض الباحثين من جعله يرى النور والبعض الآخر أشار إلى ما يفيده أو يفيد جذمه وأخفى ما يفيد الأجذام الأخرى خاصة جنوب المملكة واليمن علماً بأنها كنوز ملك للجميع وليست حكراً لأحد وان كان وريثاً يجب أن ترى النور حتى يعم نفعها الجميع فلو حصل إعلانٌ لشراء المخطوطات لتسابق أهل تلك المخطوطات وبادر بالكشف عنها طمعاً للعائد المادي. ونحن بحاجة إلى المصداقية قبل كل شيء ونتمنى أن تتضافر الجهود من أهل الاختصاص لعمل قواعد ولوائح وضوابط لعلم الأنساب حتى يستفيد منها الصغير قبل الكبير مع العلم أن هناك دولاً غير عربية لها اهتمام في علم الأنساب بل خُصص لها بحوث مطولة في الجامعات فكيف لا نهتم نحن العرب بل منبع العروبة قبل الإسلام وبعده بعلم الأنساب. ونحن مشهود لنا بعلم الأنساب والشعر وأيام الناس: والحق حق وان جهله الورى والنهار نهار وان لم يره الأعمى ألا يستحق العربي الأصيل معرفة نسبه وإلى أين ترجع أصوله مثله مثل الحصان العربي الأصيل مع الفارق في التشبيه أليس هذا الأمر مدعاة لإعادة النظر والعمل بجدية لكي يعلم كل مواطن إلى من ينتمي وفي المحصلة النهائية أرجو أن يتبنى هذه المواضيع من له القدرة على التبني حتى نقطع الطريق على المشككين والمتلاعبين بعلم الأنساب دون رادعٍ من دين أو ضمير والله اسأل أن يوفق الجميع لما فيه الفائدة. حنان السيف: من قصة الجاسر مع الطالب الريفي عبرة ومن الجوانب المهمة في أدب الردود التأكد من وقوع المردود عليه في الخطأ، فلا يكون الرد بالشبهة والظن، وهو باب مهم من أبواب الرد تحدثت عنه الأستاذة حنان بن عبدالعزيز السيف بشيء من التفصيل فقالت: البيان هو السحر الحلال الذي حدثنا عنه نبينا- صلى الله عليه وسلم- ورغبنا في إتيانه، والنهل من معينه، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن من البيان لسحرا) وذلك لتأثير القول الفصيح البليغ في العقل تأثيراً قوياً، كذلك التأثير الذي يفعله السحر، حتى أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان وجه صحابته إلى قول الصدق في كل أحوالهم، وذلك لأن القول البيّن البليغ قد يجوز على عقله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ومهما كان الإنسان ساحر القول، حلو اللسان، إلا أن المعصوم هو محمد- صلى الله عليه وسلم- و(كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) والاعتراف بالخطأ قوة في النفس، ثقة في القدرة، اعتزاز بالذات، وحينما يدور نقاش بين طرفين، ويريد الطرف الأول أن يتأكد من خطأ الطرف الثاني يكون هذا بعدة وسائل: - البحث عن علة منطقية وحجة قوية دامغة وطرحها على الطرف الثاني بحيث يحار ويبهت، ولا يتمكن من الإجابة، كما قال تعالى عن نبيه إبراهيم عليه السلام {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ}. وقوله تعالى {فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ}. - العودة إلى المصدر الأصلي والمنبع الأساسي للمادة العلمية كما كان يفعله المحدثون حينما يشكون من سماع الراوي، أو يعن خطأ في سند الحديث أو متنه، وتراجم المحدثين شاهد عيان على هذه الناحية، ويشترك علماء اللغة مع علماء الحديث في الرحلة إلى منبع المادة العلمية حينما ينتابها الخطأ وتراجم اللغويين تاريخ حي على الرحلة وشحذ الهمة، كوسيلة من وسائل التأكد من الخطأ، وإزالة اللبس، وقطع الشك باليقين. - ذلك الطالب الريفي الصغير الذي ذكره علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر في أحد مؤلفاته على انه السبب والمنعطف الذي حول خطة مسير الشيخ عليه رحمة الله تعالى ليعود فيدرس جغرافية الجزيرة العربية بسبب تحديد شيخنا الخاطئ لموقع جبل (رضوى) وتصويب الطالب له، لأنهما كانا بقرب الجبل، وهنا نقول: إن وسيلة التأكد من خطأ الطرف الثاني كانت العلم بمعالم المكان الذي ضم كلا من المعلم والطالب، ثم جاءت طريقة الطالب في توصيل معلوماته حسية واقعية مباشرة. - ومن وسائل التأكد من الخطأ ما فعلته العرب قديماً، وذلك ان النابغة الذبياني وهو من هو في فن الشعر والنقد كان يأتي بالإقواء أحياناً في بعض الأبيات الشعرية التي يقولها، فهابته الشعراء، وتحامته الخطباء، أن تقول له بخصوص هذا الأمر شيئاً، فحينما دخل بعض المواضع، جاءوا بطرف أول: جارية مغنية لتغني بشعر النابغة الذبياني الذي عابوه بسبب الإقواء، ليسمعه النابغة فيعرف ويتنبه إلى موضع الضعف، ومكمن الخلل في شعره، وغنت الجارية، وسمعها الطرف الثاني وهو شاعر العرب الملهم النابغة الذبياني فتنبه ولم يعد، وهنا نقول كيف تأكدت الجارية المغنية من خطأ النابغة الذبياني الواقع في شعره؟ تأكدت بواسطة الشعراء والرجال الذين يشار لهم بالبنان، والذين أوكلوا لها القيام بهذه المهمة، ثم هي عربية ولغتها ما زالت فصيحة بليغة في العصر الجاهلي فتعرف مواضع القوة من الضعف، ثم هي مغنية تعرف كيف تتعامل مع ألفاظ الأبيات الشعرية، وكيف تقلب هذه الألفاظ إلى نغمات موسيقية فنية تخترق الأذن، وتطرب السمع، فمن خلال هذا العلم بفن الموسيقى يتجلى أمر مهم وهو: أن العلم والثقافة والاطلاع بشكل عام تجعل من الإنسان نبيهاً نجيباً ملهماً ذكياً يناقش من حوله ويحادثهم ويقنعهم ويكتشف أخطاءهم ويتأكد منها ببصيرة العالم المطلع الجهبذ الصيرفي الخبير بل ويصححها ويقومها ويعدلها، والحادثتان تلتقيان في نقطة واحدة، الطالب الصغير تأكد من خطأ معلمه بعلمه بمعالم قريته البيئية، والجارية المغنية عربية فصيحة تجيد وتتقن وتعلم كيفية الغناء والترنم بشعر الشعراء. النفجان: قوة الموضوع من قوة التعقيبات لكن من المتخصصين الأستاذ أيمن النفجان مع تأكيده على أهمية التعقيب إلا أنه لا يرى أن يكون مجال التعقيب مفتوحاً للجميع بل يرى أهمية أن يكون صاحب التعقيب متخصصاً حيث أدلى بدلوه في هذه الندوة قائلاً: إن التعقيب على المقالات المختصة بالبحث التاريخي يعد مصدراً مهماً لجمع المعلومات حيث ينبه صاحب المقال لوهم وقع فيه أو معلومات فائتة بل وفي أحيان كثيرة توفر له معلومات لم يعرف عنها شيئاً في الماضي. بل إن الكثير من الباحثين عندما يقف عاجزا عن الحصول عن معلومة ما أو إحساسه بوجود نقص في مصادر المعلومات المتوفرة يقوم بنشر مقال عن بحثه بهدف التعرف على ردة الفعل ومن خلالها يزيح الغموض. ولا أبالغ ان قلت إن نجاح الموضوع في أحيان كثيرة يقاس بالتعقيبات والإضافات التي تأتي كردة فعل وأحياناً يأتي رد الفعل سلبياً وذلك ناتج عن أخطاء فادحة من صاحب المقال فيكون التعقيب سبباً في إزالة وهم وقع فيه الكاتب ويوضح الصورة بشكل أفضل للقارئ الذي لا تتوفر لديه معلومات كاملة عن الموضوع. والمعقبون على دراجات وأنواع مختلفة منهم: 1- تكون أولوية التعقيب لأصحاب الباع الطويل في مجال البحث التاريخي فيشبه تعقيبه تنويه الاستاذ لتلامذته ونتذكر في هذا الشأن تعقيبات العلامة حمد الجاسر -رحمه الله- فمن خلالها ظهرت معلومات قيمة بقيت مصدراً مهماً حتى وقتنا الحاضر. 2- تعقيب أحد المسؤولين في جهة علمية مختصة. وأهمية هذا التعقيب تكمن في أنه يمثل جهة متخصصة في الغالب يكون رأيها علمياً ومحايداً. 3- هناك من له علاقة مباشرة بالبحث كأن يكون أحد أبناء العلم أو البلدة أو القبيلة حتى لو كان ليس ذي دراية واسعة بالبحث التاريخي إلا أنه على الأرجح يملك معلومات غالباً لا تكون متاحة في المصادر المعتادة وان كان من عيوب هذا النوع من التعقيب أنه في أحيان كثيرة يكون متحيزاً لرأي ما لا لسبب سوى أنه يرضي جماعة معينة. وقد يتسبب ذلك في إرباك البحث وتحوله إلى خلافات شخصية ويقلل من حيادية النقاش. بل إن الرد متى ما كان حادا قد يتسبب في جنوح الباحث عن متابعة بحثه خشية أن يتسبب في مهاترات وإزعاج هو في غنى عنه فيصبح الجميع في المحصلة خاسراً. 4- من أكثر المعقبين فائدة لصاحب المقال هو تعقيب صاحب درجة علمية كرسالة ماجستير أو كتاب أو بحث سابق في نفس الموضوع. فالمعقب صاحب دراية واطلاع واسع في الموضوع إلا ان من عيوب هذا النوع من التعقيب أن المعقب أحياناً يريد فقط إثبات صحة ما ذكره في كتابه أو بحثه ويعتقد أن صاحب المقال يريد أن يحرجه. 5- أن تعقيب من له دراية واسعة بموضوع البحث من خلال المتابعة لفترات زمنية طويلة والقراءات أيضاً يعتبر مفيداً فيحدث أن يكون هناك من يهوى البحث التاريخي وخاصة في منطقة معينة أو قبيلة ما حتى لو كان ليس على علاقة مباشرة بالبلدة أو القبيلة أو العلم محل البحث. ختاماً يعد التعقيب وتبادل النقاش الرأي والرأي الآخر في البحث التاريخي من الجوانب الممتعة خاصة وان دور الباحثين يعتمد على البحث عن المعلومات ومقارنتها بغيرها واستنباط النتائج. وعلم التاريخ من العلوم الاجتماعية التي تأخذ الفرضيات أكثر من النتائج الحاسمة. وختاماً علينا أن لا ننسى أن البعد عن الحيادية والتوثيق من خلال المصادر المختلفة يجعل المقال أو التعقيب لا قيمة له. الرويس: هكذا يجب أن يتقبل الباحث الردود عليه الاستاذ الباحث قاسم الرويس له حضور ملحوظ في هذا الباب حيث كتب العديد من الردود والتعقيبات وتحدث عن موضوع مهم في هذا الباب وهو كيف ننظر إلى كل من يرد علينا بالطريقة المناسبة؟ وإن كان كلام الرويس فيه شيء من الاختصار إلا أنه ناتج عن تجربة ومشاركة في هذا المجال حيث قسم الحديث في هذا الموضوع قسمين وقال: قلما يخلو نتاج فكري من النقص أو الخطأ أو الملاحظة وخاصة في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة فلا غرابة ان يشعر الباحث بعد الانتهاء من عمله ونشره بوجود بعض الهفوات والملاحظات مستلهماً مقالة العماد الأصفهاني المشهورة في هذا الشأن. فإذا كان هذا شعور الإنسان نفسه فمن باب أولى أن الآخرين من المهتمين والمثقفين سينظرون بمنظار مختلف وسيلاحظون ما لم يلاحظه خاصة وهذه سمة ظاهرة في كل عمل بشري وعليه فإن هذه الملاحظات ستؤدي إلى فتح أبواب السجال الفكري من خلال الحوار والمناقشة والردود والاستدراكات والحقيقة ان السجالات العلمية والأدبية هي وقود الحركة الثقافية في كل زمان ومكان والتراث العربي زاخر بالمؤلفات الكثيرة التي هي في أصلها عبارة عن ردود وذلك في شتى جوانب المعرفة. ومن خلال وجهة نظري المتواضعة أرى أن الردود والمناقشات الفكرية لا تخرج عن حالتين: الحالة الأولى ان تتصف بالموضوعية والتزام أدب الحوار والطرح العلمي الموثق. فهذه يجب على الباحث ان يتقبلها بصدر رحب فإما أن تكون قابلة للأخذ والرد والمناقشة فيأخذ الصواب ويدفع الخطأ بما يراه من حجج لينتج من ذلك حوار علمي رصين للوصول إلى الحقيقة ويفيد منه في طبعات كتابه الجديدة حذفاً وإضافة وتعديلاً وتوضيحاً. وإما ان كان الرد ملجما مصيبا لعين الحقيقة فيكفي الباحث التعبير بالامتنان والتقدير نحو من رد عليه تقديراً لجهده متمثلا الحكمة (رحم الله امرأً اهدى إلينا عيوبنا) فالاعتراف بالحق فضيلة وزيادة على ذلك فيجب عليه الاعتماد على هذا الرد عن طباعة الكتاب مجددا. وللأسف ان الردود الملجمة قليلة ولكن أريحية التعبير بالامتنان نادرة جدا. فالنفس البشرية جبلت على كراهية النقد والنفور من الانتقاد ولذلك فإننا نجد بعض الكتب المليئة بالأخطاء الفادحة تطبع طبعات عديدة بدون تصويب أو تغيير أو تراجع أو تفسير. الحالة الثانية ان تكون الردود متشنجة بعيدة عن الموضوعية مخالفة للمنهج العلمي، فيجب على الباحث في هذه الحالة عدم اهمال هذه النوعية من الردود لأنها تعمل على تشويه نتاجه الفكري. فالأولى به أن يضع النقاط على الحروف ويوضح الملابسات ويكشف الخبايا ولا بأس بالشدة والحزم هنا!! وعدم ترك الموضوع يمر مرور الكرام لأن كثيرا من الناس لا يقرأ الكتاب أو البحث أو قد لا يتيسر له الاطلاع عليه فيكتفي بما كتب عله فيأخذ انطباعا مختلفا للحقيقة عن الكتاب والكاتب وبالتالي تتاح الفرصة لصاحب الرد اللاموضوعي لتحقيق أهدافه وأهوائه الشخصية أما ان يتمثل الباحث كما يزعم البعض قول الشاعر: إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت فهذا لا يكون في إطار البحث العلمي وإنما قد يصدق في إطار الحياة الاجتماعية. كتبه قاسم بن خلف الرويس حنان السيف: بعض الردود أتت على شكل كتاب فريد!! وختام هذه المحاور عودة مرة أخرى إلى الباحثة حنان السيف حيث جعلت ختام هذه المناقشة في توضيح ما هي ثمرة الردود على جميع الفئات بشيء من التفصيل وبنقول أصيلة في هذا المجال حيث لفتت أنظارنا إلى ثمرة الرد بقولها: إجابة السائل، أو الرد على المخاطب هو جانب مهم من جوانب الاتصال بين أجناس وفئات الجنس البشري، ومن توجيه اللفظة واتباعها بأخرى ثم الرد عليها تكونت اللغات الإنسانية على مر العصور والأزمان، ومن خلال هذه اللغات نمت العلوم، وارتقت الفنون، وتسامت المعارف، وحينما نمعن في فائدة وثمرة الردود الحوارية نجدها عظيمة بل هي أساس ودعامة لمؤلفات وكتب تعتبر من أصول المكتبة العربية والإسلامية، ففتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى والتي تقع في مجلدات ومجلدات تقوم على سؤال وجواب، والجواب قد يكون أحياناً بمحتوى وقدر كتاب مستقل. كذلك كتاب العالم العلامة ابن قيم الجوزية عليه رحمة الله تعالى: (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) هو في حقيقته رد على سؤال وجه إليه من سائل مبتلى بمعصية يسأل عن علاج لها. وأحياناً تكون هذه الردود العلمية على هيئة شعر، كما أثر عن شيخ الإسلام ابن تيمية حينما بعث إليه باعث قصيدة يقول فيها: (أيا علماء الدين ذمىّ دينكم..) فأجابه شيخ الإسلام في الحال: (سؤالك يا هذا سؤال معاند..) وكانت إجابة شيخ الإسلام عليه رحمة الله تعالى فورية حالية والقصيدة طويلة جداً وهي في فتاويه، عليه شآبيب الرحمة والعفو والغفران. وأحياناً تكون الردود بين الشعراء أساساً لفن شعري حظي به أدب الفترة الزمنية الذي قيل فيه مثل: شعر النقائض الذي قيل في غضون عصر الدولة الأموية وكان كل من الفرزدق وجرير والأخطل يدورون في حلقة واحدة، ومفتاحها أن يرد كل واحد منهم على الآخر، وأحياناً تأتي الأبيات الشعرية كرد على أبيات قيلت قبلها تشبهها في نفس الغرض الشعري والبحر العروضي والقافية الشعرية، وهذه الأبيات هي أبيات تنظم على طريقة الإجازة ويأتي بها الشعراء، ويتهافت عليها الأدباء، كتحف أدبية، وأثريات شعرية، يطرزون بها مؤلفاتهم، ويوشون بها مكتوباتهم، ومعجم الأدباء للأديب الأريب ياقوت الحموي مليئ بأمثال هذه المقطوعات الشعرية السندسية. وهذه الردود الحوارية حينما تنحى منحى الأدب فهي تُعد قديماً نمطاً من أنماط الرسائل الاخوانية، التي يكتبها الأدباء فيما بينهم وبين بعض، ومن مشاهير هذه الرسائل تلك الرسالة التي كانت بين أديبين وهما القفطي صاحب (إنباه الرواة) وياقوت الحموي وهي في وصف حالة بغداد حين غزو التتر والمغول، وقد ساقها ياقوت في كتابه الشائق الماتع (معجم الأدباء) والرسائل الاخوانية يعدها الدارسون والباحثون اليوم أساساً لفن المقالة الحديثة المعروضة.وهناك ردود أدبية جميلة بين الأدباء وفيها حقائق تفيد الباحثين والدارسين في نفس الموضوع، كرسالة أبي حيّان التوحيدي لأحد أدباء عصره حينما سأله عن السبب الذي دفعه لإحراق كتبه مع تسامي قدرها، وعظيم منفعتها. وهناك أيضاً ما يسمى بالردود الساخرة المقذعة والتي تظهر الخصم بمظهر يثير الضحك، ويبعث على التهكم والاستهزاء، كرسالة الجاحظ (التربيع والتدوير) في أحد خصومه المعادين والمناوئين له. ويدخل ضمن الردود على الأطراف الأخرى، سواء أكانوا جماعة أم أفراداً، ما يسمى في الأدب العربي بفن (المناظرة) وفن (المناظرة) قد يكون بين طرفين متعاديين أو متفقين، وهذه المناظرات تحوي علماً جماً من حقائق أدبية، وعلوم صرفية، ونظريات فلسفية، وتنظيرات علمية، ولها هيبة واحترام حيث يجتمع العلماء والفلاسفة والقضاة والأدباء وتعقد المناظرة، ليتطارد الفرسان، ويتطارح الشجعان، ومن خلال أسئلتها، وردودها العلمية أو النحوية أو الفلسفية، تنجلي المعارف والعلوم والثقافات، وتتضح قدرات وطاقات وملكات المتناظرين، فيتقدم السابق، ويتأخر السالف، وكتاب (معجم الأدباء) مليئ جداً بأمثال هذه المناظرات لا سيما أنه يترجم لأعيان مشهورين، وأفذاذ معروفين، فيسوق ما جرى في أيامهم من اختبار لقدراتهم، وامتحان لمواهبهم، فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. وفي بعض الأحايين تأتي الردود بل أقول على وجه الدقة تأتي حصيلة وثمرة الرد، على شكل كتاب فريد مفيد يعتز به تاريخ الأدب العربي المشع، هذا الكتاب لم يأتِ كرد على سؤال ولكنه جاء كرد على فكر أو منحى أو اعتقاد، مثال هذا، كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ، كتاب عظيم جدا، وتحفة أدبية نادرة، جاء كرد على الشعوبيين الذين يتهمون العرب في بيانهم وكذلك في عاداتهم حينما يخطبون فيتكئون على العصا أو السيف أو الرمح، فجاء الجاحظ ورد عليهم رداً وافياً كافياً مسكتاً، وبهذا قطعت جهيزة قول كل خطيب. وهنا جانب مهم في التنبه له وهو أن (الشعر التعليمي) يعد جانباً من جوانب الردود العلمية وثمرة من ثمراتها اليانعة، حتى لو اقتصر الأمر على قيام المعلم بنظم الشعر دون طلب التلميذ، فهو لم يقم بهذا إلا لشعوره بحاجة التلاميذ له، ومن هنا فقد أسدى (أبان بن عبدالحميد اللاحقي) للشعر التعليمي يداً قصر عن مدها إليه سواه.