يرتبط شهر رمضان بصناعات متميزة ومتفردة لا تظهر الا في هذا الشهر الكريم وهذه الصناعات يقوم عليها صناع مهرة تتجلى مهاراتهم في اضفاء تطورات العصر على هذه الصناعات ومنها الفانوس. ذلك العالم السحري المليء بالأساطير والحكايات والذي يختبئ فيه من هو قادر على تحقيق الأحلام، ومن يمتلك الفانوس يمتلك زهوة الأطفال وفرحة رمضان وبشراه وأمانيه، هذا هو الفانوس المرتبط بطفولتنا وأول الهدايا الرمضانية في حياتنا وأبرز الطقوس كلما هل الشهر الكريم وللفانوس تاريخ طويل وقام عليه صناع مهرة، ومرت صناعته بالعديد من التطويرات حتى وصلت الى تقاليع عديدة ومبتكرة. تدلنا كتب التاريخ على ان الفوانيس في مصر عرفت منذ اليوم الأول لدخول الفاطميين في الخامس من رمضان عام 362 هجرية، وكان الفاطميون يسرفون في تقديم الهدايا للأطفال احتفالاً بقدوم المعز لدين الله الفاطمي فقام الأطفال بحمل الفوانيس المضاءة لاستقباله والحصول على هدايا مقابل ذلك وتكررت هذه العادة لترتبط بشهر رمضان، وتكون أحد أبرز ملامح الاحتفال بشهر رمضان لدى الأطفال والكبار على السواء منذ حكم الفاطميون مصر وحتى الان. قمنا برحلة في عالم الفوانيس التي تزدان بها الشوارع قبل مقدم الشهر الكريم. يقول الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ إن الفوانيس ظهرت في مصر منذ عصر المعز لدين الله الذي عندما وصل إلى مصر استقبلة المصريون ليلا وهم يحملون الفوانيس وهذا كان أول الاستخدام، أي الاستخدام الأول للفوانيس وذلك حسب المصادر التاريخية. كما أن في مجموعة من الليالي التي احتفل بها الفاطميون في مصر بالذات ليلة أول رجب وليلة نصف رجب، وليلة الأول من شعبان وليلة نصف شعبان، والتي كانت تسمى ليلة الوقود الأربعة كان الاحتفال يتوفر فيه مجموعة كبيرة من الزيت لوقود القناديل لانارة المآذن والأماكن الدينية وذلك في هذه الليالي الأربعة. وكان من عادات المدينة الإسلامية أن تنام بعد صلاة العشاء وتتراجع الأنشطة ولكن في ليل رمضان كان يضطر الناس إلى الاستيقاظ حتى السحور فكانت توقد القناديل بالزيت قبل أن تتحول إلى فوانيس. وهذا التقليد استمر مع المصريين في ليل رمضان بالذات في العصر الاسلامي والعصر الحديث، ولم يكن هناك نماذج لفوانيس قديمة، ولكن للقناديل، وكان شكلها يختلف عن الفوانيس، وأصبح الشمع بعد ذلك يحل محل الزيت في الإضاءة بعد أن تطور الفانوس، وقد تطورت الشموع في هذا العصر وظهرت الشمعدانات التي تحمل شمعة واحدة، والشمعدانات التي تحمل أكثر من شمعة ويوجد نماذج منها في المتحف الإسلامي وكانت أغلبها تصنع من النحاس وبتطور الزمن واستخدام تكنولوجيا الأضواء والأصوات، فقد اختفى الفانوس الصاج أبو شمعة وظهرت فوانيس تردد: القدس... ومرحبا شهر الصوم، غير أن أكثر الفوانيس رواجا هو فانوس القدس الذي يشهد إقبالا متزايدا مع تواصل الانتفاضة الفلسطينية. وتختلف أسعار الفوانيس تبعاً لوسائل الإبهار والمادة والحجم والفئات المستهلكة من فنادق الخمس نجوم إلى أطفال الحواري. غير ان هذا العام شهد السوق المصري تراجعا كبيرا للفانوس المصري امام غزو الفانوس الصيني الذي يتميز برخص اسعاره واشكالة المتنوعة حتى باتت صناعة الفوانيس المصرية مهددة بالتوقف امام سيطرة الصيني: مرحبا شهر الصوم.. وحالو ياحالو.. وهناك فانوس يباع ومعه خاتم هدية يصدر نوراً ويقول شوكولاتة أو حمادة، وفانوس كبير على شكل جامع ويقول: حالو يا حالو أما الفانوس العادي الذي يصدر نورا فقط بدون أي نغمات فسعره مريح حسب حجمه وخامته. فانوس القدس أهم الفوانيس الموجودة وهو على شكل جامع القدس الشريف ويردد مرحبا شهر الصوم، وهناك فانوس القدس الكبير وبه نور سحري وجرس، ونظرا للأحداث الحالية بفلسطين نجد أن هذا الفانوس يلاقي إقبالا شديدا جدا خاصة من قبل الأطفال فعلى الرغم من أنه أحيانا تعجبهم أشكالا أخرى إلا أنهم يصرون على شراء فانوس القدس تضامنا مع الانتفاضة الفلسطينية. يقول (حسن درويش) العامل في إحدى ورش تصنيع الفوانيس: أعمل في هذه المهنة منذ 35 عاما، مرت فيها صناعة الفوانيس بمراحل عديدة، إلا أن الفوانيس المستوردة أثرت بشكل كبير للغاية على الفوانيس المصنعة محليا، خاصة الأنواع صغيرة الحجم، أما كبيرة الحجم فما زالت تحتفظ بقدرتها على المنافسة دون مضايقة من المستورد. ويضيف: (الفرق بين زمان والآن كبير للغاية، كنا زمان نعمل طوال العام لكي نلاحق طلبات الزبائن من الموزعين والتجار في كافة أنحاء مصر، أما حاليا فلا نعمل سوى شهرين فقط وبقية السنة نبحث عن عمل آخر؛ لأن الفانوس المستورد وخاصة الصيني تسبب في إغلاق معظم الورش، حيث يوضع صاحب الورشة في اختيار صعب لكي يوازن بين تكلفة الخامات غالية الثمن والبيع بأسعار رخيصة تنافس سعر المستورد المنخفض. ويحاول الصناع المبقون على صنعتهم منذ سنوات طويلة التجديد في شكل ورسوم فوانيسهم كل عام، فيؤكد (إبراهيم محمد) أن أسماء وموديلات الفوانيس تختلف من عام لآخر، فهذا العام أضيفت أشكال وأسماء جديدة، وكل منها له دلالته بخصوص شكل الفانوس أو سعره مثل: (اللوتس)، أما الأسماء القديمة فمنها: (شق البطيخ)، و(أبو الأولاد)، و(البرج)، و(الشاويش)، و(فاروق) نسبة للملك فاروق، و(فريال) نسبة للملكة فريال، ومن أبرز الرسوم على الفوانيس أشكال الجامع والهلال والنجمة، ومن أكثر المناظر تكرارا منظر (بائع العرقسوس) و(ولد وبنت).