جيش الاحتلال ينتهك قواعد الحرب في غزة.. هل يُفشل نتنياهو جهود الوسطاء بالوصول إلى هدنة ؟    «مستشفى دلّه النخيل» يفوز بجائزة أفضل مركز للرعاية الصحية لأمراض القلب في السعودية 2024    العضلة تحرم الأخضر من خدمات الشهري    كافي مخمل الشريك الأدبي يستضيف الإعلامي المهاب في الأمسية الأدبية بعنوان 'دور الإعلام بين المهنية والهواية    "الشركة السعودية للكهرباء توضح خطوات توثيق عداد الكهرباء عبر تطبيقها الإلكتروني"    د.المنجد: متوسط حالات "الإيدز" في المملكة 11 ألف حالة حتى نهاية عام 2023م    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بالكويت يزور مركز العمليات الأمنية في الرياض    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع ووزير الداخلية بدولة الكويت يزور الهيئة الوطنية للأمن السيبراني    فعاليات يوم اللغة العربية في إثراء تجذب 20 ألف زائر    أمين عام رابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    «الحياة الفطرية» تطلق 66 كائناً فطرياً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    الدفعة الثانية من ضيوف برنامج خادم الحرمين يغادرون لمكة لأداء مناسك العمرة    الشرقية تستضيف النسخة الثالثة من ملتقى هيئات تطوير المناطق    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظّم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع فبراير القادم    الكويت تلغى رسمياً حصول زوجة المواطن على الجنسية    رضا المستفيدين بالشرقية استمرار قياس أثر تجويد خدمات "المنافذ الحدودية"    سلمان بن سلطان يدشن "بوابة المدينة" ويستقبل قنصل الهند    افتتاح إسعاف «مربة» في تهامة عسير    بلسمي تُطلق حقبة جديدة من الرعاية الصحية الذكية في الرياض    وزارة الداخلية تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    وزارة الصحة توقّع مذكرات تفاهم مع "جلاكسو سميث كلاين" لتعزيز التعاون في الإمدادات الطبية والصحة العامة    أمانة جدة تضبط معمل مخبوزات وتصادر 1.9 طن من المواد الغذائية الفاسدة    نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    1% انخفاضا بأسعار الفائدة خلال 2024    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    تجربة مسرحية فريدة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    لمحات من حروب الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة: محمد علوان
الخبز والصمت
نشر في الجزيرة يوم 21 - 10 - 2004

ومرَّ ليل آخر وهو يفكر ملياً فيما قاله له والده بالأمس بعد تلك المقدمة الطويلة عن الموت والحياة.. وصل فيها إلى النهاية..إلى ما كان يجب أن يقوله في لحظة من الزمان (يجب أن تتزوج). ابتسم في داخله استهزاء وسخرية.. حرص في الوقت نفسه أن يكون وجهه مرآة مختلفة عما يجيش في أعماقه ويعتمل في صدره.
أليس لك سوى الصمت، وهو في كل الحالات التراجع الوحيد والهزيمة الفريدة التي يدركها الجميع لكنها لا تحسب هزيمة.. ولا تراجعا.. الصمت.. الصمت.. ربما يكون في قليل الأحيان منطلقاً لصرخة متورمة، وهذا شيء نادر..
جس بيده ذلك الجرح القديم فوق أصابع يده اليمنى.. تمنعها من الحركة أو الدفاع أو حتى الاعتراض.. أبسط حقوق الإنسان.. ويقال والله سبحانه العالم بالحقيقة: ان أهل قريته تنتشر فيهم الأمراض بأنواع مختلفة.. جسدية كانت أو نفسية.. تتعدد.. تختلف.. أما هذا المرض فقد انتشر أشبه ما يكون بصفة وراثية يتناقلها الأبناء عن الآباء.. تحسس لسانه.. نظر إلى وجهه في المرآة.. وفطن إلى أن الأمراض إن لم يرثها فإنها لابد وأن تنتقل بالمجاورة.
نبت الصمت.. غاية وحشية.. شق صوته الموجه لأبيه بوضوح تام.. ولأول مرة السكون.. صوت هادئ ينم عن الثقة والارتياح في اختيار القرار.
- قال: لا.. أن تقول.. لا.. فأنت تمارس أدنى درجة من الحرية. خرج دون أن يعرف ماذا ترك قوله من أثر.. لعله أحس بمعايشته المزمنة.. ماذا يمكن أن يحدث وهو العاق الأول في عائلته.. خرج بلا هدف محدد سوى أن الخروج هدف في حد ذاته.. نشوة لم يعهدها تنتشر فيه.. شعر بالامتلاك.. سمع صوت الساقية وأدرك أن ما كان يسمعه من حزن صادر منها، إنما هو انعكاس لحالته النفسية.. اللون.. الصوت.. الحركة في الخارج ليست جميعها سوى صدى حقيقي لما نحسه هنا في أعماقنا.
وكان الليل بحيرة فحمية الضفاف.. وكان الليل طويلاً كطريق مسافر بلا وجهة.
استلقى على فراشه.. يتابع بأنظاره السقف الخشبي بأعواده المترامية حيث غلب عليها اللون الأسود القادم من تنور انهكته النار المشتعلة دائماً لكل عابر سبيل.. الدفء.. الخبز.. الفراش لكل ضيف يطرق الباب.. ولو مات سكان المنزل برداً وجوعاً.
أيتزوج؟ ماذا يمكن أن يحدث؟ أن يتغير؟ أن يتجدد؟ أيضيف إلى وجوده كارتباط مزعج ارتباطا آخر.. ما نوعيته؟ ما مدى استمراره.. أين السلب والايجاب.. وقال صديق عاش لنفسه: لا تتزوج فستفقد حريتك.. حينها ضحكا بصوت عال.. ضحكا بألم شديد.. وعرفا أنهما اكتشفا جرحا قد تعاهدا على نسيانه.. فصمتا إيماناً بالحقيقة.
غادر عيونه النوم.. بعد ساعة أنهكه تفكيره وخواطر أزعجته فترك المكان إلى منزل صغير في طرف المدينة.. فتح الباب دون أن يطرقه.. ودخل إلى الغرف جميعا.. واحدة.. واحدة.. يعرف ألوانها جميعاً.. وسكانها.. احساساتهم..حركاتهم.. سكناتهم.
وبدأت الحمى التي يشعر بها بمجرد لقائه بسكان المنزل.. حمى يعرفها مسبقاً.. يحسب لوقوعها الدقائق والثواني.. الحمى وصلت إلى درجة عالية من التوتر.. والدفء والنشوة ثم انحدرت سهلاً واسعاً أخضر يشقه نهر طويل يصطدم فجأة بماء البحر.. حيث الملح والأمواج والشموس.
جفف حلقه بما ابتلعه من بقايا لعاب.. وأحس بالدوار.. خرج ولم يلتفت وراءه.. وصل إلى منزله مع بزوغ الشمس رائحة.. البن والخبز.. والصمت تنتشر في المكان..
العائلة بكاملها تفترش الأرض.. عيونهم ترتفع إلى وجهه.. لتقفل راجعة إلى الأرض مرة أخرى.
الكل داخله يعجب لهذا الاعتراض الوحيد الذي مارسه.. الكل مسرور.. كل منهم بوده أن يصل الشاطئ الذي وصل إليه.. إلى النتيجة دون ما تحمله كلمته العجيبة (لا) من دهشة وألم وعصيان.
(لا..أتقولها؟ وبكل وقاحة أيها...؟)
الأم تتحرك في مكانها.. تتأهب للحديث.. منطلقة من وجودها كأم.. من وجودها كامرأة تقول شيئا.. أي شيء.
يحدجها الأب بنظرة تتحرك إلى صرخة في وجهها المليء بعلامات الاستفهام والضعف والتراجع الحزين.
- أنت من بينهم جميعاً.. ليس لك الحق في الحديث.. الحديث لي أولاً وأخيراً..
سقط الحزن في قاع القلوب.. وفي القنديل ذبالة عطشى.. وخرج ثعبان من جحره بعد أن غير جلده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.