عندما أتابع نظرات كثير من الطلاب وأرى تعابير وجوههم عندما يستمعون لتوجيهات معلميهم الصادقة أو يرون تصرفاتهم الحكيمة الهادفة ألمس مدى تجاوبهم والتزام كثير منهم بتلك التوجيهات وتأثرهم بتلك التصرفات، ونتيجة لذلك كله جاءت رسائل عتاب صادقة ونصائح إشفاق مخلصة من الطلاب لمعلميهم، منها ما هو صريح، ومنها ما فهمته بالتلميح، ومنها ما قرأته في نظرات الطلاب وعباراتهم، فأحببت إبداءها لإخواني المعلمين عسى أن ينفع الله بها، ومن تلك الرسائل: أستاذي الفاضل: إن غاية التعليم هي أن نفهم الإسلام فهماً صحيحاً متكاملاً، وأن نغرس العقيدة الصحيحة في نفوسنا، وأن نتزود بالقيم والمثل العليا والتعاليم الإسلامية. أستاذي العزيز: إنك تقوم بأشرف مهنة بعد النبوة ألا وهي التربية والتعليم. أستاذي المبجل: لقد أصبح المعلم في التربية الحديثة مرشداً متواضعاً وموجهاً ناصحاً ومربياً فاضلاً وأخاً للطلاب رحيماً وعليهم مشفقاً، بعد أن كان ملقناً متعالياً، ومتسلطاً، مرعباً، فهنيئاً لنا بكل مدرس مخلص ومرب خلوق. أستاذي الفاضل: إننا منذ انخرطنا في مدرستك ونحن أمانة في يدك، تشارك أولياء أمورنا في تربيتنا قبل تعليمنا، فالأدب من أسس طلب العلم، لذا فإننا بحاجة ماسة إلى كل ملاحظة وتوجيه، بل إننا أحياناً بحاجة الى توبيخ مؤثر على ما يبدو منا من سلوك شائن أو لفظ بذيء، إننا في خضم هذه الحياة نواجه شهوات متعددة، وشبهات متنوعة، فلا تنظر إلينا بعين الازدراء، بل بعين الشفقة، إننا نصارع الشهوة والهوى والمغريات وأصدقاء السوء ومع ذلك فينا خير، ولكن هذه الفتن قد تطغى على نوازع الخير لدينا وداعي الحق في نفوسنا فنغفل حينا ونجهل حينا، بل قد ننحرف حيناً، فلا تيأس من صلاحنا، ولا تبخل على أبنائك (وهم نحن) بتوجيه سديد يوقظنا من غفلة، أو ينقذنا من مصيبة، أو تقوم به علينا الحجة؟ وإياك ثم اياك أن تتركنا لسباع الشهوات والشبهات، قال الشاعر: ومن رعى غنما بأرض مسبعة فنام عنها تولى رعيها الأسد أساتذتي الكرام: إن لكم على طلابكم حقوقاً كثيرة وعليكم كذلك واجبات عظيمة، فمن حقوقكم علينا الاحترام والتقدير والسمع والطاعة بالمعروف، ومن واجباتكم النصح لنا في ديننا ودنيانا، وحتى نكون أكثر صراحة معكم أيها المعلمون نقول: إنكم تخوّفون من لم يذاكر منا بالرسوب في الامتحان ومن لم يجتهد بانخفاض المستوى وتدني التقدير، ولكن هل خوفتم من ضيعوا الصلاة منا بغي ومن أخروها بويل؟!! إنكم مطالبون بتوجيهنا وتعليمنا في ديننا ودنيانا أليس كذلك؟ إننا نسمع كثيراً معلمينا - جزاهم الله خيراً - يوجهوننا إلى حروب الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهذا حق ولكن لم لا يكونوا قدوة لنا قولاً وفعلا؟ فما أحوجنا إلى ذلك إن الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، فكونوا قدوة لنا في القول والعمل، في الصف بالحكمة والصبر، وفي المصلى بالتبكير والطمأنينة، وفي الطابور بالتوجيه والإنصات بل والمشاركة، وفي الشارع باحترام النظام وتمثل شخصية المسلم دائماً. أيها المعلمون: إننا بحاجة الى نصائحكم وتوجيهاتكم وتخويفكم لنا من طريق الغواية والإعادة وانخفاض المستوى، فكم اهتدى بسبب توجيهات المخلصين منكم من ضال، وكم استقام من منحرف، وكم تحسن مستوى من كان ضعيفاً وتفوق من كان معيدا، فاحرصوا على استقامتنا وصلاحنا كما تحرصون على نجاحنا بل تفوقنا، فاستقامة سلوكنا من أسباب تحسن مستوانا، فالعلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصٍ، كما في وصية وكيع للشافعي رحمهما الله: شكوت الى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي