في السابع عشر من شهر شعبان لعام 1425ه ودعت الأسرة الفكرية والثقافية بالمملكة رائداً من الرعيل الأول من شعراء المملكة، هو الشاعر الأستاذ محمد حسن فقي الذي كان حضوره الأثير في الميدان الصحفي والأدبي شاعراً وكاتباً وإدارياً وصاحب رأي. وهذه القراءة في التجربة الشعرية لشاعرنا - رحمه الله - أعدّت ضمن قراءات لأعمال نخبة من شعراء الجزيرة العربية نقدّمها وفاءً للرجل بعد وداعه -رحمه الله-. * للشاعر دور وحضور في نسيج مجتمعه وأمته.. يتفاوت مستوى هذا الحضور بين شاعر وآخر، ولشخصية الشاعر واهتماماته أثر في ذلك، كما أن لمستوى الإبداع تأثير على الإبداع وفاعلية الحضور. * والاهتمامات الأدبية والثقافية تأخذ أبعاداً مؤثرة في نسيج الحياة والمجتمع، فتدفع الإنسان الواعي المثقف إلى التجدد والتطور في سبيل تحقيق آفاق من الطموح والتجاوز والريادة المثلى. * لقد أسهم الإعلام أسهاماً كبيراً في إبراز دور الأدباء في صياغة الوعي الاجتماعي وتنميته والارتقاء بتوجهاته، وانطلقت مبادرات الرواد في الإعلام الصحفي مسهمةً في التوعية والتنمية الثقافية والاجتماعية والفكرية عبر أصوات الأدباء والكُتّاب والمفكرين. * والشاعر محمد حسن فقي واحد من شعراء المملكة العربية السعودية.. له حضوره في الميدان الإعلامي شاعراً وكاتباً وإدارياً، عمل في ميدان التعليم والإدارة، ودخل عالم الأدب هاوياً لتجلياته، كما عبر عن ذلك في أحد اللقاءات معه. يتحدث الأستاذ محمد حسن فقي عن ميلاده وبدايته الأولى وتعليمه فيقول:- (وُلدتُ بمكة في 17-6-1332ه ونشأت وترعرعت فوق ترابها الطاهر، وتعلمت بمدرسة الفلاح المكية، وبعد فترة انتقلت إلى جدة مع الأسرة فأكملت بمدرسة فلاح جدة، ثم عدت إلى مكة مرة أخرى لأتمم دراستي بمدرسة الفلاح التي تخرجت منها. وقد صدمتني الحياة مبكراً، وحرمت من أحضان أمي وأنا في الشهر السابع من عمري، فاحتضنتني المربيات والمرضعات حتى كبرت واستقام عودي، وفي هذه الفترة المبكرة أيضاً من طفولتي انتقل والدي إلى -رحمة الله- ولحق بأمي في يوم تخرجي من مدرسة الفلاح، ولكنني كابدت وجاهدت في الحياة حتى صرت إلى ما صرت إليه. والحمد والمنة في ذلك لله الكريم المتعال، وعندما كنت طالباً بمدارس الفلاح كنت أقوم بتدريس الخط العربي والجغرافيا والأدب العربي لطلاب بعضهم أكبر مني سناً، وفي الوقت نفسه كنت أنكب على المواد المنهجية والكتب الأدبية القديمة والحديثة فأنهل من منبعها وأثقف نفسي ذاتياً من الدواوين الشعرية، ولدي مجموعة من أندر الكتب الخاصة بالدكتور طه حسين والعقاد والمازني وأحمد أمين والرافعي وميخائيل نعيمه وجبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي ونسيب عريضة والزهاوي والرصافي والجواهري والأخطل الصغير وبدوي الجبل وغيرهم ممن هم في هذا المستوى الأدبي أو قريباً منه)(1) * والشاعر محمد حسن فقي دخل ميدان الكتابة التعبيرية هاوياً في البداية كما عبر عن ذلك بقلمه فقال: (الهواية، ثم الهواية، ثم الهواية.. فهي وحدها التي قادتني إلى دخول ميادين الأدب والثقافة بوجه عام، وما زالت هذه الهواية تلح عليّ في الاستمرار، وسأستمر لأنني لا أستطيع سوى الاستمرار إلى أن أنتقل إلى رحاب الله الكريم)(2). * ولابد أن أشير هنا إلى الأعمال التي قام بها الأستاذ محمد حسن فقي، فقد عمل مدرساً بمدرسة الفلاح كما أشرنا آنفاً، ثم عمل محرراً بوزارة المالية ثم رئيساً لديوان الأوراق. وتدرج في العمل الوظيفي الحكومي إلى أن عُيّن مديراً عاماً لوزارة المالية عام 1373ه - 1952م. * عمل بالسلك الدبلوماسي السعودي وزيراً مفوضاً. * وعمل سفيراً للمملكة باندونيسيا في أوساط الخمسينيات الميلادية، وشارك في (مؤتمر باندونج). * كما عمل نائباً لرئيس ديوان المراقبة العامة.. ثم طلب التفرغ لأعماله الخاصة ومواصلة أعماله الأدبية. * في ميدان العمل الصحفي انتخب أول مدير عام لمؤسسة البلاد الصحفية، وقبل ذلك عمل محرراً بجريدة (صوت الحجاز)، ثم رئيساً لتحرير الجريدة. - وفي المجال الإداري شغل منصب رئيس مجلس إدارة البنك الزراعي تسع سنوات، وعمل مستشاراً للمجلة العربية التي تصدر من الرياض ويرأس تحريرها الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي. تجربته الشعرية يُعد الشاعر محمد حسن فقي من الشعراء ذوي الغزارة في الإنتاج الشعري، فهو كما قال عن نفسه أنه لا يستطيع سوى الاستمرار، وكما قيل عنه: إنه يتنفس شعراً، أو كما قال عنه أحد النقاد: لو استطاع الفقي أن يتحدث شعراً لفعل. وقد بدأ كتابة الشعر مبكراً كما يقول: (البواكير كانت وأنا في سن الثانية عشرة، وأذكر أنني بدأت بنظم الشعر وكتابة المقال الأدبي وأنا طالب في مدرسة الفلاح، ولدي أمثلة من هذا الشعر احتفظت بها كذكرى لحقبة من حقب عمري الأدبي، وضمت بعضها المجموعة الشعرية الكاملة التي طبعت بمصر وجدة تحت اسم (مختارات من شعر الصبا)، وأذكر أن أول قصيدة نظمتها كانت بعنوان (فلسفة الطيور)، وكنت قد أرسلتها إلى (مجلة الحرمين) التي كان يصدرها الأستاذ فؤاد شاكر - يرحمه الله - بالقاهرة، وما كنت أظن أنها تنشر ولكن المفاجأة أذهلتني بعد أيام قلائل بمظروف كبير باسمي وهو يحتوي على عدد من تلك المجلة نشرت به القصيدة مع كتاب من الأستاذ فؤاد شاكر ينعتني فيه بالأستاذ، حيث كان يعتقد أنني رجل كبير في السن ويطلب مني أن أواصل النشر في المجلة)(3) ولعل هذا حافز على مواصلة عطائه الشعري وتعامله مع الصحافة التي قدمته للقراء. * يمتاز شعر الفقي بالومضات الروحية والتأملية، والنفحات الوجدانية المفرطة في الحساسية، والسهولة التي تصل أحياناً إلى المباشرة الاعتيادية. * والمتابع لشعر (محمد الفقي) يكاد يلحظ ملامح الحزن والأسى ترتسم على معظم شعره برغم الطموح والكبرياء في نفس الشاعر.. ولكنه طموح الشعراء وكبرياء الجراح النابضة بالحزن العميق. * وربما يفوت على المتلقي - غير المتابع - لشعره فهم بعض معانيه لما يكتنف شعره من غموض أحياناً وفلسفة متعمقة أحياناً أخرى، إلا أن شعره يفسر بعضه بعضاً لوجود حلقات متصلة وروابط ذات شفافية، ومسحة من الحزن ترسم بصماتها على مفاصله ذات النبضات المتتابعة في إنتاج الشاعر ذي النفس الطويل المتواصل. * ومن الملاحظ - في كثير من رباعياته أنه يرسم معاناته بإيقاعات مسكونة بالحزن والكآبة، تكاد أن تضعف من طموح الشاعر وكبريائه، إلا أن إيمانه بالله الذي ينبض به شعره يخفف عن قلبه ضغوط الحزن والألم الذي يعاني منها، وتبقى آثار اللوعة والجراح شجوناً وذكريات لا تنسى ترتسم بصماتها على ما تتمخض به قريحته الفذة. وسأتناول فيما بعد جنوحه إلى الرمز وهو جزء من فلسفته في التعبير الشعري المنبثق من وعيه وتفكيره في شئون الحياة. * وعندما نتوقف أمام رباعياته هذه نلحظ أنها تعبق بأريج الإيمان المتجذر في أعماق وجدانه وفي توجهاته الفكرية يقول فيها: بذرت البذرة الصَّ ماء في تربة بستاني فجاءتني بأزهارٍ.. وجاءتني بأغصان فقلت: - تبارك الرحمن من نزغة شيطان لقد آمنت أن الله في فكري ووجداني انسيابٌ وسهولة في التناول وتناغم موسيقي وترابط في الأفكار والمعاني التأملية النابضة بوهج المعاناة. ومما لا يحتاج إلى برهان أن الشعر الهادف البليغ هو ما يشتمل على وقفات تأملية، وطرح واع، واستفادة ذكية من المُثُل والقيم السامية يتوسمها الشاعر المبدع في نبض مجتمعه، وفي صور الحياة، فيجسدها بحساسيته الشعرية في لوحاته وصوره الإبداعية التي يختصر فيها معاناته. * والشاعر محمد حسن فقي يحاول في رباعيته (تبرٌ وتراب) أن يرسم للمتلقي معاناة الإنسان الحائر في غمار هذه الحياة (الدنيا) المتناقضة.. ويطمح الشاعر إلى عدم الاكتراث بما في هذه الحياة من نعيم وخداع مآله لابد صائر إلى الذوبان أو الزوال، ولكن الإنسان بطبعه يأبى إلا أن يقع في شَرَك الانخداع بهذا الزيف والإغراء اللذين تكتظ بهما مباهج الحياة. وذلك ما نقرؤه ونلمسه مباشرة في نبضات الشاعر الفقي في قصيدته (تبرٌ وتراب) التي يجسد فيها فلسفته ونظرته التأملية.. فيقول:- كل هذا إلى البلى كل هذا إلى التراب ليت شعري إلى الحضيض سأغدو..؟ أم السحاب أغلق الأمر.. فاستويت وما أعرف الجواب أيها الفكر:- هل أعيش وما أدرك الصواب؟ *** أيها الفكر شد ما.. عشت في رجفة الظلام صرت شيخاً وما أزا ل على إثم كالغلام أنا للنقص أستجيب وأصبو إلى التمام كيف أهوى إلى الحضيض؟ .. وأعلو إلى الغمام *** أنا في غمرة الشكوك أنادي علي اليقين فلقد كادني الشمال وقد عقني اليمين فتطلعت للحنين فما جادني الحنين فتنكرت للرفاق وللأهل.. والبنين *** كيف لم تجدني السنين ولم تجدني الخطوب فتشبثت بالمجون وأولعت بالذنوب لم أدع متعة الشمال ولا متعة الجنوب كلما لاحت الفرائس بادرت للوثوب *** رُبَّ قلب مضرج وعيون مسهّده من غرام مدنس لم يخالفن موعده راعهن السقوط فيه فقد كان مصيده بالوعود التي تذيب .. وبالمجد.. والجده *** وأنا اليوم بعدما ردني الشيب للونى لست أدري من المسي ء.. الذي هام بالخنا أأنا؟ بئس ما اجترمت إذا كنته.. أنا أم سواي..؟ فقد نسيت وويل لمن جنى * في الأبيات السابقة نلحظ سطوة الشكوك.. والاتجاه إلى اليقين، والاعتراف، والتوبة، ووقار الشيخوخة، وفي الرباعية التالية يجسد الشاعر ما أشرنا اليه - آنفاُ - من إبائه وطموحه أن يعيش عزيزاً كريماً لا يغريه ترف الحياة حوله ولا يعشي عينيه زخرفها وبريقها.. ولا يساوم على حساب إشباع هوى النفس ورغباتها.. لذلك يقول معبراً عن هذا الهاجس: قد نذرت الحياة هذي لمجد مؤثّل ولحريتي بكوخي وروضي.. ومنهلي سوف أعلو بآخري مثلما كان أولى تبركم - لا، ولن يساوي - وإن عز - جندلي *** وبرغم أسلوبه التقريري المباشر في التناول الشعري.. لم يتعامل الشاعر مع الأسلوب الحديث في النمط والشكل والتجاوز الابتكاري، وإنما اقتصرت حداثته وتجديده الشعري على الروح المعاصرة في نطاق الشعر الموزون المقفى (النهج الخليلي) على البحور الشعرية المعروفة. * وربما تكون للشاعر كتابات في (الشعر الحديث) لم يقم بنشرها أو يؤثر أن يحتفظ بها لنفسه، وذلك غير وارد في ميزان النقد وإنما الحكم هنا على الظاهر الذي ينشر معظمه للناس فيبقى أثراً معبراً عن اتجاه الشاعر وأسلوبه في التناول. * وفي القصيدة التالية (حالة اللامبالاة) نلحظ سلاسة الأسلوب وبساطة التعبير، أبياتها سريعة الجرس الموسيقي متناسقة العبارات مع التفعيلة المتتابعة (مفاعلين.. مفاعيلن)، وقد يُعد هذا الأسلوب من السهل الممتنع لما تشتمل عليه هذه القصيدة من موضوع إنساني مهم، حيث يتناول الشاعر بأسلوبه الفلسفي التأملي معاناة حقيقية واقعية يعيشها بعض الناس المتناسين أداء واجباتهم وتكريس حضورهم في كيان المجتمع والأمة التي يعشيون في كنفها، ولسان حال هؤلاء الناس - غير المبالين - يقول في غمرة اللا مبالاة (مالي لي.. ومال الناس للناس)، مجسداً بذلك السلبية في أدنى معانيها. * وهذه القصيدة برغم أسلوبها التقريري العادي المتواضع تحمل فكرة نبلى، وهدفاً أسمى: معي أهلي.. معي ولدي معي صحبي.. معي مالي ولي من صحتي الشما ء ما يصلح أحوالي ولي بيت.. ولي خدم وروض عاطر.. حالي ولكني - على ذلك - في هم.. وبلبال فما ظعني بمسعدني ولا أسعد ترحالي أنا الظمآن في الصحراء ما يلقى سوى الآلِ *** فما أعرف عن فكري وما أعرف عن حسي لعل اثنيهما رقدا من الأحداث في رمس فما يعينهما صخبي ولا يعينهما همسي تركت المأتم المحزو ن تركي راقص العرس لقد ورثا غدي.. واليوم بؤسهما من الأمس فعادا - غير مكتئبين من سعد.. ولا نحس وهل تخشى العيون العُمْيُ من اشعاعة الشمس *** إذا لم يشعر الإنسا ن بالبأساء والنعمى فما يعنيه إن أطرا ه هذا الخلق أو ذمّا وقد تغدو ملامته على أفعاله ظلما *** أليس يقينه قد عا د في حسبانه وهما فكيف يلومه اللوّا م وهو تجاوز اللوما؟ وكيف نظنه خلاًّ..؟ وكيف نظنه خصما؟ عداه اللوم.. فاحتسبو ه مثل حسابه رقما *** لئن جاوز أو أكدي وان أقبل أو صدا فإن الأمر في حاليه تم ولم يكن قصدا وما يبذل دون الناس في كلتيهما جهدا ويبدو - تارةً - مولى ويبدو - تارةً - عبدا رعاه المجد - احياناً - ولم يرع - هو - المجدا فأصبح جده هزلاً وأصبح هزله جدا *** ويتابع الشاعر سرد حكاية هذا الإنسان - غير المبالي - فيقول:- فخلوه - فلن تجدوه إلا بين أطلاله!! يهيم بها - طليق الروح لا يشقى بأغلاله لقد ضلله (الديباج) فاستهدى بأسماله ولقد أشجاه ما لاقاه في الروض، وسلساله وفي آماله اللآتي ذهبن سدى.. وآماله فراح يلوب في الصحراء مكتفياً بأوشاله فما في العسجد المرموق ما يزري بصلصاله * برغم المباشرة والتقريرية في هذه القصيدة، وما تميزت به من السرد القصصي إلا انها تظل ذات هاجس إنساني مبدع، ولمحات تأملية رائعة (4) * إن حضور الأستاذ محمد حسن فقي في الميدان الصحفي والثقافي، وحرصه الدؤوب على مشاركة مجتمعه همومهم ومعاناتهم يدل على عمق إحساسه بمسئوليته الوطنية والإنسانية الدافعة إلى العطاء.. لذلك كانت شخصيته جديرةً بالتقدير والوفاء والتناول. وقد جاء عطاؤه كثيفاً متدفقاً على امتداد عمره، وخلال تناول أعماله الشعرية لابد أن نقف على شهادات عدد من النقاد والمتابعين لعطائه الشعري. أقوال النقاد في شعر الفقي * امتداداً للحديث عن التجربة الشعرية لدى الأستاذ محمد حسن فقي، لابد أن نستطلع آراء عدد من النقاد حول تجربته الشعرية، وقد تحدث عن شخصية شاعرنا الفذ الناقد الشاعر الدكتور محمد العيد الخطراوي بصراحته المعهودة فقال: ( أتحدث عن شاعر رائد من شعراء المملكة العربية السعودية، من شعراء الجيل السابق، وهو الشاعر الكبير محمد حسن فقي، وهو كما هو معروف هذا الشاعر تخرج من مدارس الفلاح وبدأ حياته مدرساً ومارس العمل الصحفي وبرز بالذات في ميدان الشعر، وعندما نقول إنه مارس العمل الصحفي ومارس التدريس، على الدارس لشعره أن يتتبع هذين العملين وأثر هذين العملين في شعره، لعل لهما جيوباً ممتدة داخل شعره في التدريس، ربما وصل بنا إلى البحث عن الوضوح، وربما كان محمد حسن فقي يكتب القصيدة الطويلة التي تكون فيها التجربة الشعرية مقدمة بأكثر من شكل. قد تقدم بطريقة فيها إلحاح على الفكرة وعلى التجربة الشعورية وتقدم مجملةً ثم مفصلة، إلا إن ثبت هذا كظاهرة في شعره فإنها ترجع في الحقيقة إلى ممارسته التدريس وكذلك التبسيط في عرض التجربة الشعورية، وربما يعود إلى هذا الأسلوب الصحفي الواضح الذي يهدف إلى نقل الفكرة إلى القارئ من أقرب طريق. لعل من أبرز ما يلاحظ على شاعرنا محمد حسن فقي الغزارة الشعرية التي تميز بها عن بقية اقرانه، فالذين جاملوه في حقيقة الأمر وعاشوا معه من الشعراء هم (محمد حسن عواد وأحمد قنديل وحمزة شحاته وحسين سرحان وعبدالوهاب آشي ومحمد علي مغربي)، وكل هؤلاء من المقلين، أعني بذلك الشاعرين الأخيرين محمد علي مغربي وعبدالوهاب آشي، وكذلك محمد سعيد العامودي.. هذه الكثرة الكاثرة من أشعار الفقي تعتبر ظاهرة محتاجة إلى تفسير. في رأيي ان محمد حسن فقي كان يكرر نفسه في أكثر من طريق، وفي إمكان الدارس لو أراد أن يقوم بمحاولة لاختصار هذا الشعر في هذه الثمانية دواوين أو السبعة دواوين بدايةً من ديوانه الأول (قدر ورجل) ونهاية بهذه المجلدات الأخيرة التي جمع فيها شعره ونُشر مجموعه في مجلدات بعنوان (ديوان محمد حسن فقي).. لو حاول أحد الدارسين أن يجمع المتشابه مع المتشابه والمتماثل مع المتماثل لخرج ببعض قصائد ولخرج على الأكثر بديوان أو ديوانين واعتبر الآخر تكراراً وليس تكراراً فقط بل هو إعادة صياغة بقافية جديدة وبحر جديد برغم أن بحر الشعر المسيطر على محمد حسن فقي هو بحر الخفيف بالذات. محمد حسن فقي كان شاعراً أيضاً من شعراء الألم والتشاؤم بالرغم من أن حياته الواقعية بعيدة كل البعد عما يدفع إلى الألم على الأقل في الظاهر، فقد كانت أكثر مطالبه الحياتية متحققة على الأقل من الجانب الشيئي المشاهد، ولكن مبعث الألم في نفسه شيء آخر داخلي، ربما طموحاته المتعددة وتطلعاته التي لم تتحقق والتي ربما لم يفصح عنها ولا نستطيع تحديدها بالذات، ولكن كما يقال:( المعنى في بطن الشاعر).. لِمَ ظاهرة هذه الألم وهذا التشاؤم بالرغم أن بعض الدارسين حاولوا أن يجعلوا ممات بعض أقاربه مبعثاً من مباعث هذا الألم؟ وهذه ليست بذلك الشيء الكبير إلا إذا أرجعناها إلى أن جهاز التكبير عند الفنان مطلقاً هو جهاز ضخم، فعادةً يضخم الفنانون ما ليس بضخم ويكبر عندهم ما ليس بكبير، بينما يتجلد الآخرون لتحمله والتعامل معه وكان يحكم هذا الألم الذي يسيطر عليه وهذا التشاؤم الذي يفسد عليه حياته، كان يعد من الشعراء الرومانسيين حيث بدأ شعره رومانسياً وعاش رومانسياً ولا يزال إلى اليوم رومانسياً وسيظل كذلك إلى يوم القيامة)(5) ويقول الأستاذ د. حسن فهد الهويمل: (الحديث عن الشاعر محمد حسن فقي يبدأ ولا يكاد ينتهي؛ لأنه شاعر كبير قدم للمشهد الثقافي شعره في تسعة مجلدات ضخام هي بعض إبداعه.. والإشكالية في قراءة الفقي أنه لم يقل بعد كلمته الأخيرة لأنك تحس بأنه يأخذ أنفاسه ليواصل حديثه ومن ثم فإن بيت القصيدة عنده ما زال بعد لم يتخلق. الشاعر لأنه مرهف الأحساس يضج دائماً بالرفض وبالشكاية وبالتساؤل حتى لكأنك تقرأ لأعمى المعرة، ويضج بالإباء وبالشمم وبالتعالي حتى لكأنك تقرأ لأبي الطيب المتنبي، ويضج أيضاً شعره بالاعتزاز واللوم حتى لكأنك تقرأ لأبي فراس الحمداني. الشاعر الفقي وشعر الفقي أمشاج من كل أولئك من غربة المهجريين ومن شك الجواهري ومن تساؤل الزهاوي ومن تعالي المتنبي، فهو قبضة من أثر الشعر العربي على تطاول أزمانه ومع تعدد متاهاته يحتفظ لنفسه بملامح فنية ودلالية تميزه عن غيره. الفقي ليس هو من أصحاب الجاهزيات التعبيرية على الرغم من كثرة شعره، وليس هو أيضاً من معيدي القول، ومن ثم فإنه نسيج يتداخل ولا يذوب ويتفاعل ولا يخمد. كما قلت الشاعر الفقي لا يلهو بشعره ولا يطرب وإنما ينتزعه من قعر المعاناة، فهو لا يسجل حدثاً ولا يصف منظراً ولا يصور مشهداً، وإنما يقتد أو يقتطع شعره من معاناته، فهو يجالد ويجاهد ويصغي بكل تفاصيل تجاربه الذاتية ورؤاه الوجدانية. والشاعر أيضاً معدود من المكثرين لأنه أصدر أكثر من تسعة مجلدات ونافت أبياته على مائة ألف على ما أذكر عندما تتبعت شعره عن طريق الإحصاء الكمي، ولأنه من المكثرين يتعمد تفتيق المعاني والغوص في أعماقها، وقد تصل به الحال إلى تقليب المعنى الواحد على كل وجوهه الممكنة، في الحقيقة الفقي تسبح رؤيته في كل الأفلاك الممكنة ويستطيع الدارسون التماسه في كل تلك الفضاءات، وهو على خلاف غيره من الشعراء مثل: الحجي مثلاً له منزع تأملي لكن تأمله نفسي، والعواد وشحاته رحمهم الله جميعاً لهما تأملات وتساؤلات ولكنها تأملات فكرية.. تأملات الفقي تأملات ليست ميتافيزيقية خالصة، وليست بحياتية خالصة ولكنها مزيج من هذا وذاك.. ولو نظرنا إلى البعد الموضوعي لوجدنا أن هناك قضايا تآزرت سواء كانت قضايا عامة أو قضايا ذاتية بحيث تشكلت رؤيته للحياة وللذات وللآخر من خلال معاناة نفسية وفكرية. الشاعر الفقي أغرق في الذاتية ولكنه مع هذا له بعد موضوعي غيري ولعل من أبرز القضايا التي أرّقت الشاعر قضايا العروبة والإسلام. وكثير من الدارسين يتصورون أن الشاعر لم يفرغ لقضايا الأمة العربية والإسلامية.. والحق أنه فرغ لهذه المجالات أيضاً.. تتجلى عروبته وإسلامه كما هي عند شوقي وكما هي عند أحمد محرم.. أحفظ له قصيدة رائعة يناجي فيها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقول فيها: يا من أتيت من السماء بملة تهدي العقول بمنطق خلاب هرم الزمان وما تزال فتية معصومةً من نكسة ومآب الخير غايتها بكل وسيلة والحق مطلبها بكل خطاب والفقي من الناحية الشكلية أيضاً يلتزم بشكل القصيدة العامودية، لكن في بعض الأحيان تأخذه رغبات غير عازمة فيتخلى بعض التخلي عن الشكل المهيمن ليأتي ببعض المثنيات والرباعيات أو يأتي بشيء من التوشيح لكنها على غير ما هي عليه في الأندلس، أو قل هي على بعض ما كانت عليه وهي توشيح شكلي لا يظفر برقة الموشحات ولا بطرافتها. الفقي أيضاً يمتلك لغةً ليست متألية، ولكنها في الوقت نفسه ليست مسفة.. هي لغة عربية خالصة، لكنها توصيلية وله فيها عدول وفيها خيال لكن هم التوصيل دائماً يجعل لغته لغةً توصيلية أو مباشرة ولكنها غير مسفة كما أشرت. أيضاً الفقي لكي يكرس موضوعه وهمه يعتمد دائماً على اللون القصصي ومن ثم تتجلى عنده الوحدة العضوية. الشاعر الفقي مازال بحاجة إلى جهود جماعية تجلي أبعاده الفنية وأبعاده الدلالية وتجلي شكل القصيدة وتحاول أن تكشف عوالمه المتعددة وتكشف ظواهر أوغل فيها كالتشاؤم والشكاية والألم والتأمل والروحانيات والإسلاميات. وأملي كبير في أن تتجه الدراسات الأكاديمية لهذا الكم الهائل من الشعر لتحاول الكشف عن كل أبعاده، وكل منطوياته، وتكريم الفقي في المهرجان الوطني للتراث والثقافة لعام 1418ه أعطى إضاءة جديدة عسى أن تكون منبهةً لطلاب الدراسات العليا ليتفرغوا لهذا الشاعر الكبير)(6) الرمزية في شعر الفقي * في أثناء قراءتي للأعمال الشعرية للشاعر محمد حسن فقي أشرت إلى رمزيته ضمن تأملاته في الحياة وفلسفته الحزينة التي تشطح به إلى آفاق الرمزية حين تستبد به الهواجس الوجدانية فيذهب عميقاً في تجلياته ويحلق في أجوائها معبراً عن معاناته الذاتية، نلمح ذلك عندما نتوغل في هواجسه ونستطرد في قراءة أعماله الشعرية المتصلة. * وفي تناوله لتجربة الرمز في الشعر السعودي ركز الدكتور مسعد العطوي (7) على تجربة شاعرنا الفقي في تناوله لمعالم الرمزية في شعره فقال:- ( والمستنبط لمعالم الرمز الحديث يجد في شعره كثيراً من الإضاءات الرمزية التي تمثل التدفق الشعوري، فهي تقترب من فلسفة (رامبو) رائد مدرسة الرمز الحديث، فرامبو متمرد على حياته الفردية والأسرية والاجتماعية، وقد أشعل الشعر بوهج تلك النفس الثائرة، وطبع شعره بطابعها، بل تجاوزه إلى ما وراء شعورها (اللا شعور) وأخذ يعب من غير الوعي (اللا وعي) فهو في حيرة دائمة وقد استحوذت عليه في شعره، وسلوكه، واعتقاده. أما شاعرنا الفقي فإنها تمثلت في شعره، وقد خفف من غلوائها الروح الإيمانية المتأصلة في تكوينه فلم يكن متمرداً في سلوكه أو فكره أو واقع حياته، فله عطاؤه الثر، وله شعره الإسلامي، وله شعره الوجداني، وله شعره الاجتماعي)(8). وأشار الناقد الدكتور مسعد العطوي، إلى مقدمة الأديب الأستاذ عبدالعزيز الربيع لديوان الفقي الصادر بعنوان (قدر ورجل)، حيث قال عن فلسفته ومفتاح شخصيته (إنه يخلق عالمه ويبنيه من مشاعره وأحاسيسه ويلونه بما يعتلج في نفسه، وينبض في قلبه)(9) ويستشهد الدكتور العطوي بنموذج من شعر الفقي تتبلور فيه الرمزية أو كما يقول في تناوله عنه:( وتتبلور الرمزية الذاتية في قصيدة (من أنا) التي تنبجس عن نفسية هائجة وتتجلى في أبيات تخضع لجدلية غير متناهية، ويعلن التمرد على النفس في مضراتها ومسراتها، وفي جموحها وغضبها فلا قرار له: أنا في حيرة.. فقد عاد وصلي مثل هجري، ومأتمي مثل عرسي وتماديت في الضلال وفي الهدى فطهري يقودني مثل رجسي مسني طائف من الخير ليلاً ثم أصبحت أرتضي شر رمسي أفسعدي الذي يسم حياتي وينمي الشكوك أم هو نحسي؟ أيها الدهر قد شقيت بيومي مثلما قد شقيت بأمسي (10) ولعلي أخالف الدكتور مسعد العطوي في إيراده هذا المثال ضمن (الرمز)؛ لأن الشاعر محمد حسن فقي يعبر في هذه الأبيات عن حالته النفسية بأسلوب مباشر واضح إلا إذا كان الناقد الدكتور مسعد يهدف إلى رمز آخر يختلف عن واقع الحال والذاتية التي عبر الشاعر عنها؟!. وقد يكون التعبير بالرمز فلسفة للشاعر للهروب من معاناته إلى أجواء وآفاق ينسى فيها همومه وأحزانه، أو هو هروب من واقع معين أو وضع برره الشاعر محمد حسن فقي بقوله:- (إن الرمز والغموض والإبهام غالباً ما تأتي في الشعر أو في غيره من الأعمال الأدبية نتيجة أن الشاعر أو الكاتب لا يستطيع أن يعبر تعبيراً واضحاً مكشوفاً عما يختلج في نفسه من أفكار ومشاعر، لذلك فهو يلجأ إلى الرمز والإبهام، وهذا الرمز نجده في شعر بعض الشعراء الذين تحكمهم حكومات لا تغفر الصراحة والوضوح عن سياساتها ولا تتحمل من باب أولى نقد هذه السياسة، لذلك نجد أن بعض الشعراء.. الشعراء الكبار.. يلجؤون إلى الرمز والإيماء والغموض تاركين لحذق القارئ قراءة ما وراء السطور)(11). ومن يقرأ قصائد الشاعر الفقي في مجموعاته الشعرية يلحظ في كثير منها الإيغال في التشاؤم وحرقة المعاناة التي قد تكون من فلسفته الذاتية، كما يشير إلى ذلك الدكتور مسعد العطوي في تناوله رمزية الفقي فيقول:(وفلسفته الذاتية تدور حول مقاس واحد.. يرى الحسن والقبح بمجهر مظلم، فيرى ظلاماً، فالخصب يراه جدباً والجدب خصباً، فنفسه دائبة الضجر، تنشد المعدوم من جانبي المتعة والحسرة: إن نفساً ترى الجديب خصيباً هي نفس ترى الخصيب جديباً وهي نفس تضيق بالحسن والمتعة ما دام نحسها مكتوبا وهو غريب في دياره، وعن مجتمعه، أو قل عن الخلق أجمعين، فهو وحيد لم يستطع عسف نفسه: يا غريباً عن الديار.. عن الناس عن الخلق كلهم أجمعينا يا وحيداً طوى السنين فراضته وما استطاع أن يروض السنينا (12) يؤكد الدكتور العطوي في تناوله الرمزية في شعر الفقي أن التشاؤم والقلق والغربة والأنين أطياف وشواهد على هواجس الرمزية وإيحاءاتها في شخصية الفقي يعبر عنها في شعره، كما نقرأ ذلك في كثير من قصائده الشعرية التي ألحظها - وربما يلحظها الكثيرون - تتكرر وتتراكم وتتشابه، ويؤيد ذلك العطوي في هذا التنول فيقول: (ويسترسل في كشفه للنفس المضطربة المجهولة المثقلة بالأنين: إن كينونتي لتضرب في الأرض فما يعرف الورى من تكون نال منها السرى، وضعضعها الأين وجافى الهوى، وعق الخدين هي في غربة تحن إلى الإلف ولو قادها إليه الجنون ويقول: إنما نحن في الحياة أساطير ووهم يساير الأوهاما ويقرر هيمنة القلق على تلك الشخصية: إيه إنه القلق المضني جنينا من روضه الآلاما هو زيت الينبوع يلهب مسراه فيطوي الأمداء والأعواما ويتابع الناقد الدكتور العطوي معاناة الشاعر محمد حسن فقي فيقول:- (وبعد أكثر من ثلاثين عاماً على هذا البيت نراه يلتهب قلقاً، ويطوي الآماد الضبابية والأعوام المثقلة بالأنين، ويصل إلى مرحلة الشعور الرمزي في قوله: إن نفسي كالقبر هولاً وكالليل سواداً.. أدب فيها برعب ويقرر العطوي:- (إن من يكون هذا تكوينه الشعوري حري بنا أن نلتمس هذا الرمز الشعوري الإيحائي الذي أتى من الاتجاه الغربي، وكان قمة مدرسة الرمز الحديثة)(13) -ولعلنا نجد تبرير هذه الفلسفة الرمزية في شعر الفقي لدى الشاعر في كتاباته وفي اللقاءات التي تنشر معه حيث يقول عن هواجس الحزن ومعاناته في إجابة أحد التساؤلات عن المعاناة الشعرية:- ( بعد طول التجارب أصبحت أميل إلى الانعزال والوحدة، وأنا مرهف الحس، وهذا الإرهاف يعذبني أشد عذاب، فإنني لأتألم لمواجع البشر ولاضطهادهم ولكل ما يحيق بهم من بؤس وامتهان، وقد وضح ذلك في كل ما أكتب من نظم ونثر، حتى ان بعضهم أطلق عليّ لقب الشاعر الحزين، ويشهد الله تعالى أن حزني من أجل البشر لا من أجلي)(14) وفي مبرر آخر عن المعاناة الشعرية يتسم بالواقعية والطرافة يعبر عن الأجواء التي تولد فيها القصيدة بقوله: - (هي الأجواء النفسية والفكرية التي تتأثر تأثراً كبيراً بواقعة أو حادثة أو ألم معين أو حزن دفين، في مثل هذه الحالات أكتب شعري، ولا أكتبه الا بتأثر شديد أستطيع فعاليته بحيث أشعر كما تشعر الدجاجة وهي تحاول أن تضع بيضها.. لا تستريح إلا بعد أن تضع بيضها)(15) والمبرر الآخر هو القلق الدائم والهموم المتوالية المستمرة التي يعبر عن معاناتها بقوله:- (هي هموم دائمة ومستمرة، هي أشبه بدوار يعج في داخلي ولا أستريح إلا بعد أن أتنفس بالشعر فأغسل همومي به، أما كيف أنظر إلى المشاعر في أعماقي فهي على كل حال مشاعر تغالبني ولا أغالبها، وتستولي علي في كثير من الأحيان، فالشعر هو كل حياتي، حتى حين أباشر اعمالي في الدوائر الحكومية كنت لا أفارق الشعر ولا يفارقني الشعر)(16). ومن أمثلة الشعر الرمزي لدى شاعرنا محمد الفقي قوله:- ولقد دجا ليلي، فقلت لصبحه أسفر، فأسفر بالضياء وشعشعا فإذا به أنكى علي لأنني أبصرت فيه الضبع عاد سميدعا إن كنت يا هذا الدجى أفزعتني فالصبح كان - بما تكشّف - أفزعا يا مربعي.. يا من شقيت بصبحه وبليله، إني احتويتك مربعا (17) ويقول عن الدنيا:- هي أنثى.. لكنها تفزع الليل.. فتجري أغلاسه للصباح صارخات رعبا، وقد أرخت الشَّعر وألقت عنها رقيق الوشاح فبدت ليس مثلها ما ترى العين، ولا تنشر المنى في الملاح جسد لا يتاح للناس في الدنيا وروح تخيف هوج الرياح (18) وتلاحق الشاعر هواجس الحزن في أشتات من معاناته الشعرية تعبر عنها قصائده، وتشير إليها عناوين تلك القصائد، حتى العناوين غير المباشرة أو التي ترمز إلى معاناة الحزن أو تلمح إليه مثل (مرآة الخريف، سراب وظمأ، الأمس الضائع، نزيف ونحيب، الريحانة الذابلة، الربع الكئيب، مرارة، ضياع، زفرات، مأساة الحياة، المقبرة الحانية، دخان الحريق، قلوب كسيرة، وداع، أقسى من الردى، عقوق).. ولكن الشاعر محمد حسن فقي يحاول بالشعر أيضاً أن يخفف من هواجس معاناة الحزن على نفسه، أو يهرب من سيطرة هذه المعاناة ومحاصرتها واستحواذها. يتبع