لا يحب المرجع الأعلى للشيعة علي السيستاني ذلك الرجل قليل الكلام التحدث إلى الصحفيين كما أنه يحتفظ بمسافة بينه وبين السلطات الجديدة في بغداد تماما مثلما كان يفعل مع نظام صدام حسين، وعندما كان أتباعه يجهزون لسفره إلى لندن لاجراء جراحة في القلب - كانت مقررة منذ فترة طويلة - في السادس من أغسطس فإن الامام العليل رفض عرضا من الجيش الامريكي باستخدام واحدة من مروحياته مؤثرا استقلال سيارة شقت طريقها عبر مناطق تحف بها المخاطر إلى مطار بغداد. بيد أن تحفظه هذا وعدم ثقته في الحكام الدنيويين هما بالتحديد اللذان ضمنا له نفوذا هائلا بين تلك الاصوات المتنافرة في عراق ما بعد صدام. وعندما يقوم واحد من الدائرة المقربة منه بقراءة بيان باسمه فإنك لا تجده يلوح بقبضته في الهواء أمام عدسات تلفزيون قناة عربية على طريقة حسن نصر الله الامين العام لحزب الله اللبناني. لكن محطات التلفزيون تظهر مرات ومرات وجه رجل أبيض اللحية تعلو الجدية قسمات وجهه وتلفه هالات الغموض وقد جلس على حشية بسيطة على الأرض في حجرة تخلو من الأثاث بمنزل بالقرب من مسجد الامام على في النجف. وعلى الرغم من حقيقة أن الشيعة في العراق على استعداد دائم لاطاعة أحكامه الدينية فإن السيستاني لا تغريه فكرة لعب دور المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية على غرار الامام الايراني الراحل الخميني. وفي العام الماضي استمعت الطائفة الشيعية بداية إلى دعوة السيستاني للامتناع عن إبداء أي مقاومة فورية ضد الاحتلال الذي تقوده الولاياتالمتحدة والذي أعقب سقوط صدام حسين. إلا أنه مع استمرار الاحتلال تمكن الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر من اجتذاب المزيد والمزيد من التأييد ولاسيما من جانب الشيعة الفقراء والمهمشين الذين يعيشون في المناطق الفقيرة من العراق. ولد السيستاني في مدينة مشهد الايرانية ولم ينتقل إلى العراق إلا عام 1952 وهو ينحدر من أسرة تضم نخبة من أئمة الدين المشهود لهم وورد في كتاب السيرة الذاتيةالرسمي عنه أنه بدأ في حفظ القرآن وهوفي سن الخامسة. ويستغل الصدر مولد السيستاني في إيران في تحدي سلطة منافسه الاكبر منه سنا. ومع ذلك فإنه هذا المتمرد الشاب لا يمكن أن يخطر على باله أن يفعل ذلك علانية. وكان نظام صدام حسين السابق الذي يهيمن عليه السنة يقمع مواطنيه من الشيعة بشكل منهجي كما قتل عددا كبيرا من أئمتهم ومن بينهم محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر وأجبر السيستاني على العيش رهن الاقامة الجبرية في منزله بالنجف على مدى سنوات من حكم صدام. ونادرا ما يغادر السيستاني منزله في النجف لدى الشيعة حتى اليوم. وعقب غزو العراق احترمت الحكومة الامريكية مكانة السيستاني بسبب إيمانه الحازم بفصل الدين عن الدولة. بيد أنه بعد مرور عام صار واضحا أن آية الله العظمى لا يقر الحكومة الانتقالية التي تدعمها الولاياتالمتحدة في بغداد إلا بنفس الدرجة القليلة التي يريد بها حكومة دينية على النمط الايراني.