في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة بين أوساط الفتيات وعمَّت بلواها بشكل لافت للنظر.. تلك التي نراها اليوم من بعض الفتيات - هداهن الله - ألا وهي ممارسة التدخين والمعسل (الشيشة). فإنه منذ زمن بعيد كان من النادر أن ترى رجلاً يدخن، وكان الناس يرون المدخن وشارب الخمر سواء.. والتدخين من الأنماط السلوكية التي لا تتفق مع ثقافة المجتمع السعودي المسلم وعاداته وتقاليده. بدأت تنتشر عادة التدخين في أوساط شرائح متعددة من الفتيات على اختلاف أعمارهن ومستوياتهن التعليمية.. وإنه لمن المقلق حقاً، لانعكاساته السلبية على المرأة ذاتها وعلى ذريتها سواء مادياً أو صحياً، ويجب مجابهة هذه الظاهرة برفع مستوى الوعي الصحي لدى المرأة وكشف المخاطر الدينية والصحية والمادية، وهذا يتطلب حملة إعلامية مكثفة والتأكيد على المرتكزات الإسلامية. عندما نلاحظ هذه العادة السيئة نجد أنها مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي وهذه يصدق عليها قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} سورة النور آية 19. المرأة المسلمة ذات أخلاق ومبادئ تربت على الفضيلة وعلى الدين والعفة والحياء.. فهل ترضى مؤمنة عاقلة شريفة حرة عفيفة بذلك؟ وإنك لتصاب بالذهول وتأسف أشد الأسف من وضع كثير من النساء وهن يتعاطين تلك السموم، وما يزيد الأمر غرابة أن جميع المنتوجات وضعت عليها مدة انتهاء الصلاحية إلا الدخان فإنه لم توضع عليه مدة انتهاء الصلاحية مما يجعل الإنسان في تساؤل مع نفسه عن سبب عدم وضع مدة الصلاحية، ولو فكر الإنسان بعقلانية لوجد أن الدخان منتهي الصلاحية منذ تاريخ صنعه، بل من اللحظة التي صنع فيها. إن التدخين من الأخطار التي تهدد كثيراً من البيوت، وإن المرأة المسلمة لها دور عظيم؛ فهي الأم والمربية للأجيال ودور المرأة في إصلاح المجتمع له أهمية كبرى وفسادها وتحللها إفساد للمجتمع كله. لقد ارتفعت نسبة المدخنات في المملكة العربية السعودية، وذكرت إحدى الصحف أن نسبة المدخنات تصل إلى 27% من طالبات المرحلة المتوسطة و35% من طالبات المرحلة الثانوية و51% من المعلمات والإداريات والعاملات. إن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الخلق الكريم خلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم من الإيمان وشعبة من شعبه فأين الحياء؟! إن النساء فتنة فهن لسن فتنة على الرجال فقط، بل حتى على النساء أمثالهن، فما أحوجنا أن يذكِّر بعضنا بعضاً إذا نسينا أو غفلنا وإن المرأة المعتزة بأنوثتها لا ترى سبباً للتخلي عن أنوثتها في انبعاث الرائحة الكريهة منها وقد عرف عنها رائحتها الزكية وعرفت المرأة بنعومتها وأنوثتها فكيف لها أن تدنس هذه النعومة وهذه الأنوثة بهذه الرائحة الكريهة.. إن التدخين بريد الانحراف ومفتاح الشر، والتدخين له أضراره الدينية والصحية والاقتصادية والاجتماعية. ولو تأملنا في الأسباب التي دفعت الفتاة إلى التدخين لوجدنا عدة أسباب والسبب الرئيسي هو ضعف الوازع الديني عند الفتاة، ولو علمت كل فتاة أن الدين هو الطريق إلى بقاء ودوام الإنسانية والقيم الأخلاقية المستمدة من الدين والشريعة الإسلامية في تنظيم سلوك الإنسان لما أقبلت على التدخين. سوء التربية: إن إهمال الأبناء والبنات وعدم تربيتهم التربية الصالحة لهما آثارهما السيئة على سلوكهم، وليست قضية التربية تقتصر على إشباع الرغبات والتركيز على الماديات، بل هي أسمى وأعلى من ذلك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه). وينشأ ناشئ الفتيان منَّا على ما كان عوَّده أبوه كم عانى الوالدان من العقوق والإهمال من أبنائهم وهذا كله يرجع إلى سوء التربية.. يقول الدكتور موريس بولسون وهو طبيب نفساني يرجع أسباب تدخين الأبناء والبنات إلى أنهم لا يجدون التفهم الصحيح لمشاعرهم وحاجاتهم. رفقاء السوء: ولقد حذَّرنا الله عزَّ وجلَّ من الرفيق السيئ قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} (27 - 28 - 29) سورة الفرقان. فكم من فتاة أرادت أن تسير في طريق الحق ولكن لم تفلت من الرفقة السيئة التي تجرها إلى المعصية، وكم من فتاة أرادت التوبة ولكن رفيقات السوء كن لها بالمرصاد. الإعلام: له دور مؤثِّر في إفساد الشباب والفتيات؛ وأعني القنوات الفضائية التي تحمل الشر والفساد من المظاهر الفاضحة والأفلام الخليعة والمناظر الماجنة والصور العارية وشبه العارية التي تقضي على الغيرة والأخلاق وتورث الدياثة والرذيلة. والبيت هو الركيزة الأساسية للتربية وهو النواة الأولى في القيام بالتربية السليمة وهو المدرسة الأولى التي يتعلم ويتخرج منه الأبناء يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم. المحاكاة والتقليد: عادة ما يبدأ التدخين من باب التجريب أو حب الاستطلاع أو التقليد والمحاكاة ثم تنتهي إلى ممارسة متجذرة في شخصية الإنسان. الهروب من الواقع: يقول الدكتور محمد بن عبد الله الصغير استشاري الطب النفسي إنما يدفعهم لذلك هو الهرب من مواجهة مشكلاتهم وتحمل الضغوط الاجتماعية والنفسية الناتجة عن تلك المشكلات فيظنون أنهم بشربهم للدخان يخففون من عناء تلك المشكلات ويستمرون كذلك إلى أن يقعوا في شبكة الإدمان، حيث لا يستطيعون الإقلاع عن التدخين وبكيمات تتزايد مع الزمن. الضغوط النفسية والأسرية: حذَّرت الدكتورة سهير لطفي - رئيس مجلس إدارة صندوق ومكافحة الإدمان - الآباء والأمهات من الآثار السلبية التي تنجم عن العلاقات السيئة بينهم وبين أبنائهم والتي قد تدفع بالأبناء إلى حافة الإدمان والانحراف واتباع السلوك العدواني. وأن الأخطر هو اتجاه الأبناء إلى التدخين عند وجود علاقات سيئة مع الوالدين وبخاصة الأب ويجب الاهتمام بالأبناء كما يهتم الآباء بأعمالهم وأن يوفروا لهم الأمان والرعاية والعطف ويغمروهم بالحب والحنان لينشؤوا في مناخ سليم مع مراقبتهم بصورة دائمة وخصوصاً خلال سنوات المراهقة. وتحدث أحد الخبراء الأمريكيين بتقديم دراسات وأبحاث خاصة عن انتشار التدخين في العالم فقال إن أبحاثي ودراساتي تؤكِّد أن انهيار الأسرة هو السبب في إقبال الشباب والفتيات على التدخين.. وتفهم احتياجات ومتطلبات الأولاد من خلال الحوار والنقاش وتبادل الآراء وتقديم النصح والإرشاد وأن كلاً من الوالدين يؤدي دوراً رئيساً في حياة أطفالهما فلا يكفي وجودهما في حياتهما فقط، بل لا بد من بذل جهدهما لتوفير سبل الرعاية السليمة والتمتع بالصبر والتفهم لتنشئة أجيال صالحة سليمة عقلياً ونفسياً وجسدياً. موقف الإسلام من التدخين: شرب الدخان محرَّم لأنه من الخبائث، وقد قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (157) سورة الأعراف. وأن العلاج من هذه الآفة سهل ويسير، إنه فقط يحتاج إلى نية صادقة وعزيمة قوية وجد في الطلب وإخلاص في العقيدة لتتخلصي من هذه العادة السيئة ومن أهم طرق العلاج: التوبة: وهي طريق المغفرة وهي الأمل والغفران والتوبة كما يقول أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين لها أركان ثلاثة علم وحال وفعل.. فالعلم هو معرفة الذنب المخالف لأمر الله والحال هو الشعور بالذنب والفعل هو ترك الذنب وفعل الخير. الرفقة الصالحة: الحرص على مصاحبة ومجالسة الأخيار الذين إذا رأيتهم ذكرت الله وإذا حدثوك حدثوك بكل خير. احفظي الله يحفظك: احفظي الله تجديه تجاهك إذا سألت فأسالي الله وإذا استعنت فاستعيني بالله.. ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه. الدعاء: أكثري من الدعاء وإلحي في الدعاء لعلك توافقين ساعة استجابة. كثرة الاستغفار: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوب إلى ربه ويستغفره في اليوم أكثر من سبعين مرة. رسالة أوجهها إلى كل امرأة مدخنة: إن الإسلام جعلك حرة مصونة وجوهرة مكنونة، لك الاحترام والتقدير واحترم حقوقك الشرعية التي تحفظ كرامتك وعزتك وشرفك أنت الأم والزوجة والأخت والابنة، وأنت مدرسة الأجيال وصانعة الرجال، ارجعي إلى ربك، وإن هذه الدنيا فتنة والانشغال بها والغفلة عن الآخرة تقسي القلب وأذكّرك بأنه لا عز لك إلا بالتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. ويقول الإمام مالك - رحمه الله - (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها بغير الكتاب والسنَّة). الرياض 1345 ص ب 381146 [email protected]