في صباح الأحد 9 جمادى الأولى من هذا العام، أفل نجم من نجوم العلم والتنوير في مجتمعنا السعودي ظل ساطعاً متوهجاً سنين عدداً، ينشر النور والضياء, في كثير من الساحات وعديد من الأرجاء.. إنه الأخ الفاضل والصديق الأفضل الدكتور أحمد بن علي الجار الله، أستاذ المخ والأعصاب في كلية الطب بجامعة الملك سعود.. لقد ظل يصارع المرض بحمد الصابرين وشكر الذاكرين، ولم تفت في عضده آلام ذلك المرض، بل كان يقاومها ليكمل بحثاً من البحوث، أو يكمل محاضراته لأبنائه من طلبة كلية الطب في جامعة الملك سعود، فمن كان يشهد تحركاته وصولاته وجولاته في المراكز البحثية والمؤتمرات الدولية لا يظن ابداً انه مثقل بأعباء ذلك الداء، ولكنها إرادة الأقوياء، الذين يُعد أبو سلمان واحداً منهم.. لقد كان صاحب فكر وعلم بل قل واحداً من العلماء، نذر نفسه وجهده ووقته لخدمة قضايا المعوقين في بلده - وهو من المنتمين المخلصين له - يعطي العطاء تلو العطاء في صمت وتواضع العلماء. لقد عرفت الدكتور أحمد الجار الله عن قرب من خلال مشاركتي معه في أبحاث وندوات علمية وعالمية، فقد عرفته في مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة مشاركاً في فريق البحث الوطني لدراسة الإعاقة لدى الأطفال دون السادسة عشرة في المملكة العربية السعودية ممثلاً لكلية الطب جامعة الملك سعود، وكنت أنا من بين هذا الفريق. لقد كان - رحمه الله - فارساً مغواراً من فرسان التصدي لإعاقة التوحد بكل ما أوتي من أسلحة العلم الحديث، حتى أضحى رائداً من رواد قضية التوحد، فقد رأيناه رئيساً لفريق البحث الوطني للتوحد، كما عهدناه مشاركاً إيجابياً، في الندوة العالمية في مجال التوحد، ممثلاً لكلية الطب، وكنت وبعض الزملاء مشاركين فيها ممثلين للأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم. إن الراحل الكريم، الصديق الحميم، الدكتور أحمد الجار الله، لم يكن مجرد فرد من الأفراد المتعلمين، بل كان متفرداً في علمه مثلما كان متفرداً في دينه وخلقه، يجمع في صفاته خيري الدنيا والآخرة، فلا يكل ولا يمل من العمل حتى آخر لحظة في حياته، مجسداً بذلك معنى الحديث الشريف (إذا قامت القيامة, وكان بيد أحدكم فسيلة واستطاع ان يغرسها فليغرسها)... وتلك دعوة رمزية للعمل ما دام الإنسان قادراً عليه حتى وان بانت له علامات قيامته.. ولهذا كنا نرى أبا سلمان دائماً في محراب من محاريب العلم، أو محاريب العمل، فضلاً عن محاريب المساجد، رغم أنه بحكم تخصصه في الطب لا تخفى عليه تلك العلامات والشواهد، خصوصاً في الشهور الأخيرة من حياته، ومع ذلك ظل يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً، ويعمل لآخرته كأنه سيموت غداً. رحم الله الفقيد الغالي الذي رحل مخلِّفاً وراءه رصيداً كبيراً من الأعمال والأبحاث العلمية، ورصيداً أكبر من المحبة والعلاقات الإنسانية.