الشيء الذي أتمناه من الأخوة الذين انتقدوا مقالي يوم أمس الأول ، والمتهم بالتعميم هو أن يسعى هؤلاء إلى تعليم الناس الفرق الجوهري بين الدين وبين الأيدلوجيا ، فقد استطاعت الأحزاب الدينية ذات التوجهات الأيدلوجية والأجندات السياسية أن تتغلغل في المملكة وتكسب اتباعاً وتؤسس قيادات ، مستغلة تدني مستوى الخبرة السياسية في بعض أفراد المجتمع السعودي. عندما أقرأ السيرة الذاتية السريعة للمجرم عبد العزيز المقرن وعصابته لا يخفى أن هذا الرجل وأتباعه تم تدريبهم وتعليمهم وأدلجتهم لأهداف تقويض الحضارة. فالمقرن وشيوخه يعرفون أن أخطر وأهم قضية تواجه الأمة الإسلامية هي قضية فلسطين ، ويعرفون أن هذه القضية لا يختلف عليها اثنان من الناحية الدينية أو من الناحية الإنسانية أو من ناحية أولويتها ، وكلمة جهاد إذا أرادت أن تنطبق فلا يمكن لها أن تنطبق على أي قضية إسلامية كما تنطبق على القضية الفلسطينية ، حيث يُحْتَل ويدَّنَس المسجد الأقصى المبارك ، بينما نلاحظ أن المقرن جاهد في العالم كله : في أفغانستان وفي الجزائر وفي البوسنة والهرسك وفي الصومال وفي الشيشان ، ثم أخيراً في بلاده دون أن يعرج ولو من بعيد على فلسطينالمحتلة. المقرن نموذج لكل مقاتلي الصحوة منذ أن بدأ ما يُعرف بالجهاد الإسلامي الدولي ، في الوقت الذي كانوا يتنادون بقصائدهم ومدائحهم وخطبهم للجهاد في أفغانستان ، كانت جحافل شارون (شارون نفسه) تدك مدينة عربية هي بيروت ، وتطارد الفلسطينيين وتذبحهم في صبرا وشاتيلا وغيرها في المخيمات ذبح الشياه ، ومجاهدو الإسلام الدولي وعلى رأسهم قائدهم وحبيبهم عبد الله عزام الفلسطيني الذي ترك بلاده لليهود صارخا في العالم بأسره : لبيك رونالد ريجان ، لبيك مارغريت تاتشر وحمل بندقيته وذهب للجهاد في أفغانستان ، وإذا سألتهم لماذا تتركون فلسطين وبيت المقدس وتهرعون ملبين دعوة الأمريكان في أفغانستان ؟ مرة يقولون : إن اليهود كفرة ، أما السوفييت فهم ملاحدة ، ومرة يقولون : نحن لا نعين المنظمات العلمانية ، ويقصدون بذلك المنظمات الفلسطينية. استطاعت منظمات الصحوة وعلى رأسها جماعات ما سمي بالصحوة في المملكة صرف أنظار العالم عن القضية الفلسطينية ، وحتى على مستوى التبرعات والهبات ، كان هؤلاء يوزعون هبات وصدقات الشعب السعودي لكل مكان في العالم ما عدا فلسطين ، فنحن نعرف أن التبرعات السخية التي تصل إلى الفلسطينيين كانت عبر الحكومة وتسلم من يد سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز شخصياً إلى الشعب الفلسطيني ، أما التبرعات التي يجمعها أهل الصحوة فقد سُدِّدَ ببعضها قيمة السلاح الذي حشد في المملكة ، وحتى لحظتنا هذه وهم يعملون في هذا الاتجاه بدقة ووضوح ، ففي الوقت الذي تكسب فيه قضيتنا في العراق تعاطفاً دولياً ، يقوم الزرقاوي فجأة بالتقاط ضحية بريئة ثم يذبحه بطريقة وحشية لا يقرها إلا الشيطان ، وفي الوقت الذي تكسب فيه قضيتنا في فلسطين عطف الشرفاء في أوروبا وأمريكا والهند ، يقوم المقرن بقطع رأس مواطن أمريكي بوحشية لا يقرها إلا أخوة الشيطان. استطاع المقرن وجماعته أن يفكوا حرج بلير وبوش ، وأن يخرجوهما من ورطتهما في سجن أبو غريب ، وأن يقدموا الحضارة الإسلامية كحضارة توحش وكراهية وحقد ، يستحق أهلها أكثر من سجن أبو غريب أو غوانتانامو ، المقرن كان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة والدخيل والدريهم والمطيري كانوا في العشرينيات في الأسبوع الماضي ، مَنْ الذي لقنهم كل هذا ؟ ومن الذي غذاهم بمبررات الكراهية ؟ ومتى تم تحويلهم إلى قتلة بلا رحمة أو قلب ؟ ، هؤلاء صغار في السن ، بعضهم لا يمكن أن يكون سبق له ان غادر المملكة ، إذاً قضيتنا في داخل المملكة لا في خارجها ، في البث الأيدلوجي لا في الدين الإسلامي الحنيف ، مَنْ هم شيوخهم ؟ مَنْ هم دعاتهم ؟ ما هي الوسيلة الإعلامية التي عبأت قلوب هؤلاء بالحقد والكراهية والجبن ؟ ، لكي نجيب عن هذا علينا أن نفتش في بعض الخطب وفي القصائد وفي المطويات. الشيء المهم في هذا الموضوع الذي يجب أن لا يختلط على الناس هو أن هناك فرقاً بين الدين الإسلامي وبين الأيدلوجيا ، فالعاقل يميز بين علمائنا الأفاضل من أمثال الشيخ المطلق والشيخ المنيع والشيخ اللحيدان وغيرهم ، وقبلهم ابن باز وبن عثيمين وابن براهيم إلى آخر السلسلة الذهبية من الرجال ، الذين نذروا أنفسهم لخدمة دينهم بصورته النقية الطيبة ، وبين قيادات الصحوة الذين يمثلون الأيدلوجيا الدينية الحاقدة ، لا يوجد من يناقش الدين الإسلامي في المملكة ، بل نحن أبناء الإسلام والمدافعين عنه لا يزايد علينا أحد ، ان النقاش الذي طرحته منصب على الأيدلوجيا لا على الدين ، على حزب الصحوة لا على علماء هذه الأمة ومفكريها ، فبقدر ما يتهموننا ككتاب صحف بأننا علمانيون وخارجون ومارقون فهم يتهمون علماءنا بأنهم جاميون وحكوميون وغيرها من الاتهامات ، والله المستعان. فاكس 4702164