الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، وصلى الله وسلم على من في موته عزاء لنا في كل ميت مهما جل قدره وعظم علينا فضله وتفطرت قلوبنا على فقده أما بعد: فقد فارق دنيانا مساء الجمعة 12 صفر عالم فاضل أفنى عمره في طلب العلم ونشره والدعوة إلى الله - عز وجل - بدأ في الدعوة إلى الله في سن صغيرة وفارق الدنيا وهو عائد من رحلة دعوية... {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}. ذلكم هو فضيلة الشيخ الدكتور عبدالسلام بن برجس العبدالكريم - رحمه الله وأعلى درجته في الجنة -، لقد رحل عن الدنيا والأمة أحوج ما تكون لعلماء وطلاب علم يتصدون لنفع الناس وتعليمهم وإرشادهم والاحتساب عليهم. لقد فارق الدنيا وهو في ريعان شبابه وأوج عطائه لم يبلغ بعد أشده، فالحمد لله على قضائه وقدره (كل شيء عند بمقدار) وله أجل مسمى. إن القلم ليقف حائرا في رثاء رجل تعددت فضائله، وعظمت محبته، وما زالت كلماته وتوجيهاته تقرع السمع، وما زالت صورته المشرقة تملأ البصر فاللهم ارزقنا من اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا. عرف - رحمه الله - بالحرص على طلب العلم والجد والمثابرة في تحصيله منذ نعومة أظفاره فكان حريصا على وقته، ولازم أكابر العلماء في عصره، وكان كثير القراءة والمطالعة يتعجب مجالسه من قوة استحضاره وسعة اطلاعه، وبارك الله له في عمره القصير فصنف وحقق عشرات الكتب غالبها من مؤلفات أئمة الدعوة السلفية - رحمهم الله - الذين كانت محبتهم تخالط شغاف قلبه. وكان - رحمه الله - آية في حسن الأخلاق والتعامل يشهد له بذلك كل من خالطه من مشايخه وتلاميذه وزملائه وأقاربه. وقد رزقه الله إنصافا من نفسه فقد سمعته أكثر من مرة يثني ويبلغ في الثناء على أناس كان يختلف معهم كثيراً في بعض الآراء والمواقف وله عليهم ردود مكتوبة ومسجلة فلم يمنعه اختلافه معهم من حفظ فضلهم ومكانتهم وهذا - والله - خلق العلماء المتجردين لطلب الحق ونصرة الإسلام والسنة. وكان في أشهره الأخيرة كثيرا ما يحض على الدعوة إلى الله والاحتساب بالحكمة والموعظة الحسنة ويقول بلهجة عامية: (ترى الدين منصور بنا وبليّانا). ومن الأمور العجيبة أنه قبل وفاته بأيام تكلم بكلام مؤثر وبليغ - لم أملك دمعتي عند سماعه - عن حال الأمة وتفرقها وبعدها عن الكتاب والسنة وتسلط الأعداء عليها وتحدث عن تربص الأعداء بالإسلام ومحاولتهم طمس معالمه وتغريب أهله وقال في آخر كلامه: أعانكم الله إنكم ستعيشون في السنوات القادمة أياماً عصيبة وفتناً، ولم يكن يعلم - رحمه الله - أنه لن يعيش هذه السنوات، وإن السعيد حقا لمن جنب الفتن. اللهم اغفر لشيخنا وتجاوز عنه واحشره مع نبيك - صلى الله عليه وسلم - وصحابته فإنهم كانوا أحبته في الدنيا فاجعلهم بفضلك رفقاءه في الآخرة.