انفجرت مشكلة دارفور في وجه العالم فجأة وأصبحت خنجرا في خاصرة السودان فالمجتمع الدولي يتهم السودان بعمليات تطهير عرقي ضد قبائل الزرقة أو ذات الأصل الأفريقي ، والحكومة تدافع عن نفسها ولسان حالها يقول من هم الأفارقة في دارفور ومن هم العرب ، فالعرقيتان قد اختلطتا عبر التاريخ ليكون الجميع نسيجا اجتماعيا واحدا تحت مظلة الدين الإسلامي حيث تؤكد الحكومة ان أهداف الغرب واضحة في تمزيق العالم الإسلامي وتحقيق المطامع الكامنة في ثروات الشعوب. (الجزيرة) تجولت في ولايات دارفور الثلاث من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب زارت معسكرات النازحين التي تقدر منظمة الغذاء العالمي انه يسكن فيها اكثر من نصف مليون لاجئ داخل الحدود السودانية ، بينما هناك عشرات الآلاف داخل الأراضي التشادية. حاولنا ان نكتشف دارفور ونكشف اصل الصراع الدائر في هذا الجزء من السودان الذي لم يدخل نسيج الوطن السوداني إلا عام 1917 حيث كانت دارفور سلطنة مستقلة قبل هذا التاريخ. جذور الصراع تقع دارفور في أقصى غرب السودان وتمتد بين خطي العرض 9 - 20 شمال وخطي الطول 16- 27.3 شرقا وتقدر مساحتها الكلية بحوالي 196.404 ميل مربع وهى تساوي تقريبا خمس مساحة السودان وتعتبر دارفور البوابة الغربية للسودان حيث توجد حدود مشتركة بينها وبين كل من الجماهيرية العربية الليبية وجمهوريتي تشاد وأفريقيا الوسطى اللتين لا توجد فواصل طبيعية بينهما لذلك هناك حركة تواصل اجتماعي وثقافي واقتصادي بين مواطني دارفور وهذه الدول كما ان مواطني هذه المناطق الحدودية يمثلون امتدادا لذات المجموعات العرقية (الاثنية) والكيانات القبلية التي تعيش في الجانب الآخر من الحدود الدولية التي تم شطرها إبان فترة الاستعمار حينما جرى تقسيم القارة السمراء بين دول اروبا المستعمرة في طاولة المفاوضات في مؤتمر برلين عام 1883 - 1885م . أما من ناحية تعداد السكان فيعيش في دارفور الكبرى حسب تعداد 1993م حوالي 4.746.456 نسمة ينتمون لقبائل شتى كالفور , البني هلبة , التنجر , البرتي , الهبانية , الزغاوة , الزيادية , الرزيقات , المساليت , المعالية , التعايشة , الميدوب , البرقد , المسيرية , العريقات , العطفيات , الفلاته , القمر , بني منصور , التعالبه , الدروق , الصليحاب , الميما , الترجم , المرايت , الهوارة والجوامعه 000 الخ. يحترف معظم اهل دارفور الزراعة والرعي كحرفتين أساسيتين ويتحرك معظم المواطنون بحيواناتهم في أراض واسعة يتراوح مناخها من السافنا الغنية إلى المناخ الصحراوي ، وتبعا لذلك تختلف درجات الغطاء النباتي وتتوفر المياه باختلاف فصول السنة ما يتحتم معه حركة الرعاة في المنطقة طلبا للكلأ والماء ، الأمر الذي يسبب احتكاكات ونزاعات بين القبائل التي تعتمد في معيشتها على الزراعة وتلك التي ترعي الماشية والأغنام والجمال. هذه الاحتكاكات وآليات حلها تقع على زعماء القبائل والتي كانت معروفة حتى وقت الرئيس الأسبق جعفر نميري بالإدارة الأهلية إلا انه مع نزعات نميري نحو ما قال انه التطهير الثوري اقدم نميري على خطوة غير مدروسة وألغى الإدارة الأهلية وحلت محلها أدوات حكومية كالمحافظين والولاة لتسيير أمور السكان وحل نزاعات الكلأ والماء ، إلا ان هذه الصراعات سرعان ما تفاقمت مع عجز الإدارة الحكومية عن تمويل مشروعات التنمية في دارفور إضافة إلى عدم وجود الخبرة الكافية لحل نزاعات القبائل التي كانت تحل من قبل في الإطار القبلي أو لقاءات الرواكيب اى الاتفاقات بين القبائل لدفع الديات ، كما ساهم تضخم الثروة الحيوانية في دارفور وعدم الالتزام بالمسارات المعروفة لها في ازدياد الاحتكاكات بين القبائل خصوصا وان الجفاف والتصحر قد ضرب دارفور في نهاية الثمانينيات فاضطرت قبائل (الابالة) الراعية للإبل من اجتياح أراضي المزراعين المستقرين قبل الحصاد. ومع غياب آليات الحل تفاقمت الصراعات وأصبحت ثارات قبلية عرفت فيما بعد بظاهرة النهب المسلح.. أدت الانفراطات الأمنية والأحداث السياسية في الدول المجاورة لإقليم دارفور عبر التاريخ إلى نزوح عدد كبير من قبائل تلك البلدان خاصة تشاد وأفريقيا الوسطى إلى إقليم دارفور وقد استقرت اغلب تلك القبائل بأرض الإقليم ساعد في ذلك التداخل الأسرى واللغوي والتاريخ المشترك للمنطقة التي كانت مملكة واحدة فيما يسمى بالسودان القديم والذي يمتد من السنغال وغامبيا على المحيط الأطلسي إلى إثيوبيا في أقصى شرق القارة الأفريقية. كما انتشر السلاح نتيجة إفرازات النزاعات التشادية الداخلية منذ أوائل السبعينات وكذلك الحرب التشادية الليبية ، فضلا عن القتال الذي استمر في جنوب السودان لعقدين من الزمان وقد تفاقمت هذه المشكلة في الفترة الأخيرة عندما برز استخدام الأسلحة المتطورة بواسطة عصابات النهب المسلح التي أضحت تقلق مضاجع المواطنين ، حيث حاولت الحكومة اجراء عقد الكثير من مؤتمرات الصلح بين العديد من قبائل دارفور مثال ذلك قمر وزغاوة , البرتي والميدوب , اولاد منصور وأولاد قايد من قبيلة المهرية والأخيرة هي قبائل عربية عربية وذلك في محاولة لبسط الاستقرار. الصراع السياسي في دارفور متغيرات جديدة ظهرت على الساحة في دارفور مع مطلع عام 2002 ، إذ عكست الصراعات السياسية من الخرطوم بين حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس البشير والمؤتمر الشعبي بزعامة د. حسن الترابي نفسها على دارفور حيث حاول الترابي منذ اللحظة الأولى لإقصائه عن السلطة من اللعب بكل الأوراق المتاحة لإزاحة تلاميذه الذين حرموه السلطة والسطوة. وكان من أهم أوراق الترابي هم أبناء الغرب في دارفور التي كانت تربة مناسبة لتمدد الجبهة القومية الإسلامية ، حيث ان أبناء دارفور من حفظة القرآن المطالبين بحكم الشريعة وهم أيضا فرسان أشداء. من هنا حاول الترابي بمجرد الإفراج عنه ان يذهب إلى الفاشر العاصمة التاريخية لإقليم دارفور وتم منعه ولكنه لم يتخل أبدا عن محاولات التحريض ضد الحكومة في دارفور . هذا الصراع إضافة لتحالفات د.حسن الترابي مع الحركة الشعبية بجنوب السودان أفرزت جماعات من المتمردين على السلطة المركزية وهم :- 1- حركة تحرير السودان قطاع دارفور وهى حركة ينتمي معظم اعضاؤها لفرع تور من قبيلة الزغاوة وينحصر نشاط هذا التنظيم في مناطق دار زغاوه ( أمير - كرنوي - أبو قمرة - الطينه ) ويتزعمه منى اركو مناى وعبد الله أبكر وهذه المجموعة بدأت بمطالب ذات طابع محلي دون ان تقترن ذلك بأية أبعاد أو مطالب سياسية ، غير ان هذا الوضع تغير بشكل فجائي في اتجاه معاكس تماما في الآونة الأخيرة بسبب تدخل عناصر من حزب المؤتمر الشعبي من بنيها سليمان جاموس وأبو بكر حامد. 2-حركة العدالة والمساواة وهى فرع آخر من قبيلة الزغاوة وتسمى ( زغاوة كوبي ) وتتواجد في مناطق كلبس وجرجيرة وكبكابية على الشريط الحدودي مع تشاد ويتزعمها د.خليل إبراهيم .. ورغم ان هذه المجموعة بدأت كفئة تسعى لتحقيق التنمية المتوازنة لإقليم دارفور إلا أنها جنحت لأغراض وغايات سياسية في الآونة الأخيرة بتبنيها الواضح لاطروحات المؤتمر الشعبي ، كما نجحت هذه المجموعة في تحقيق تنسيق عسكري وسياسي مع المجموعة الأولى حركة تحرير السودان ودفعت بها لتأجيج القتال وترويع المواطنين وتعريض حياتهم وممتلكاتهم للخطر ، كما تسببت هذه المجموعة في إفشال مفاوضات انجمينا مؤخرا بطرحها لقضايا ومطالب لم تكن واردة أصلا في اتفاق ابشى الاطاري الموقع بتاريخ 3 سبتمبر 2003م بين الحكومة وحركة تحرير السودان. 3-الاتحاد الفدرالي الديمقراطي وهو أحد الأحزاب السياسية في فترة الديمقراطية الثالثة واسسه المهندس احمد إبراهيم دريج الذي تقلد العديد من المناصب كان آخرها حاكم إقليم دارفور في أواخر عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري والمهندس احمد إبراهيم دريج من أبناء قبيلة الفور ، وقد انضم بحزبه إلى التجمع الوطني الديمقراطي غير ان تيارا من هذا الحزب قاده نائبه شريف حرير سلك نهجا مغايرا كما تقول الحكومة. وطبقا لطبيعة العلاقات بين الخارجين عن الحكومة المركزية والحركة الشعبية بجنوب السوادن بزعامة جارانج فمن الطبيعي ان تكون ورقة دارفور احدى نقاط الضغط في مفاوضات نيفاشا , فاستخدام ورقة دارفور في المفاوضات السودانية يقول عنه مصطفى عثمان إسماعيل وزير الخارجية السوداني للجزيرة انه شعر بالقلق بمجرد ان قال كوفي عنان في الذكرى العاشرة لأحداث رواندا وبورندى ان دارفور تذكرة بهذه الأحداث ، وقال ان هناك مخططا غربيا يتم طبخه خاصة بعد ان رفع ايان اجلاند المفوض السامى للأمم المتحدة تقريرا مليئا بالمغالطات كما يقول عثمان، وأضاف قائلا : قمت برحلة إلى الأراضي التي يزعمون ان الحكومة السودانية تمارس فيها تطهيرا عرقيا وذلك باصطحاب ممثلين للسفارتين الأمريكية والفرنسية إضافة للاتحاد الأوروبي ومنظمات الاغاثه السودانية والدولية والصليب الأحمر الدولي إضافة لوزراء العدل والداخلية والصحة السودانيين ولم نجد شيئاً يدعم تلك المزاعم. الجميع شهد كما يقول وزير الخارجية السوداني انه لا يمكن ان تكون هناك سياسية تطهير عرقي كما ان القتلى ضحايا المعارك العسكرية التي بسطت فيها الحكومة سيطرتها على الأرض والحدود لم تتجاوز رقم الألف ما بين القوات المسلحة والخارجين عن السلطة المركزية والذين سبق وان وأعلنوا جمهورية مستقلة في جبل مرة . رحلة عثمان كما يقول ساهمت في استبعاد اجلاند من بعثة تقصي الحقائق التي جاءت للخرطوم وتم تعيين الأردنية منى عبد الله بدلاً منه ومن المنتظر ان تقدم تقريرها إلى الامين العام للأمم المتحدة في غضون الأيام القادمة. ومع وصول الصراع بين المتمردين والحكومة المركزية إلى النقاط الحمراء وذلك بعد اعتداء المتمردين على مطار الفاشر وتدمير طائرات على الأرض فيه إضافة إلى تدمير مستشفيات والاعتداء على مدنيين لم يكن أمام الحكومة مفر كما يقول الزهاوى مالك وزير الإعلام إلا من فرض هيبتها . وهنا كان القرار بالحملة العسكرية الواسعة في إقليم دارفور لبسط سيطرة الحكومة وهو أمر تحقق إلى حد كبير حيث طردت الحكومة المتمردين من القرى والمدن الصغيرة التي كانوا يسيطرون عليها ، ولكنها لم تنجح تماما في إنهاء الغارات الصغيرة التي يقومون بها من مركزهم الحالي في جبل مرة على معسكرات النازحين المحيطة بعواصم ولايات دارفور الثلاث جنينة ونيالا والفاشر. نتائج الحملة العسكرية الحكومية أعادت هيبة الحكومة ولكنها تسببت في نزوح مئات الآلاف من سكان القرى اما إلى محيط المدن أو إلى معسكرات اللاجئين حيث يسكنون العراء تقريبا ، ولن يحميهم من أمطار الخريف القادم في غضون أسابيع شئ حيث انهم يعيشون في عشش من القش، كما رأتهم الجزيرة في معسكر ارض من ، الذي يبعد عن الجنينه عاصمة ولاية غرب دارفور 18 ك.م وقال نائب الوالى اللواء سليمان عبد الله انه في محيط ولايته طبقا لبرنامج الغذاء العالمي ما يترواح بين 160- 200 ألف نازح . وقال عبد الله ان الحكومة تحاول حل آثار الصراع في دارفور وهى في سبيل ذلك فعّلت من آليات الإدارة الأهلية القديمة وقدم في هذا الإطار سلطان قبيلة المساليت السلطان سعد هاشم مبادرة للتعايش السلمي وإعادة النازحين. وقال عبد الله في منزله الذي يبعد عن الحدود التشادية 20 ك- متر ان الحكومة ستوفر التقاوي للمزارعين حتى يستيطعوا الاستقرار قبل بداية الموسم الزارعي القادم الذي يبدأ في نهاية مايو. لكن يبدو ان النازحين لا يحتاجون فقط للتقاوي ولكنهم يحتاجون أيضا للحيوانات لمساعدتهم على الزراعة والحصاد ، كما قال على المواطن آدم كوجا للجزيرة وأضاف ان أبقاره الثمانية قد نهبت فكيف تعود إليه وهى عنوان لمركزه الاجتماعي في القبيلة. أقوال كوجا لا تختلف عما قالته المواطنة عائشة السليك في معسكر (كلما) الذي يقع جنوب نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور التي قالت ان المساعدات الاغاثية لا تكفي فهم لا يرون اللحم ولا يوزع عليهم سوى الزيت والذرة والعدس إضافة إلى طعام محلى يسمى الخلطة. على أي حال يبدو ان الأهالي يدفعون ثمن معارضة ابنائهم للحكومة المركزية كما قال الحاج صندل من قبيلة الزغاوة ، وذلك في اجتماع لجنة التعايش السلمي التي استضافها نائب والى ولاية جنوب دارفور. ما قاله الحاج صندل يؤشر لوجود احتقان مازال في النفوس وهو الاحتقان الذي يبدو انه عنوان المعركة القادمة للحكومة السودانية ، ذلك ان حسابات الصراع السياسي دون وجود آليات للتنمية المستدامة على الأرض قد يؤجج هذه الاحتقانات لتصل إلى صراعات جديدة هي البوابة المطلوبة كي تدلف الاجندة الغربية إلى السودان. فهل تستطيع الحكومة السودانية تحقيق الانتصار في هذه المعركة الحرجة بعد ان توزع دم أهالي دارفور بين عصابات النهب المسلح وجماعات الجنجويد والفرقاء المتصارعين على كعكة السلطة في الخرطوم؟!