يقول العلماء رحمهم الله: إن ناقل الكفر ليس بكافر.. لأن فيه تفنيد وتحذير من أفعاله.. وحديثنا الذي نهدف من ورائه تحذير المسلمين، ممّا سموه الفرقان الحق، الذي ما هو كما قلنا في الحلقة السابقة: ما هو إلاّ آيات شيطانية منسوبة إلى الله عز وجل كذباً وبهتاناً، وإعطائهم نماذج لما جاء في هذا الكتاب، مصداقاً لقول الله سبحانه: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير}سورة البقرة (120). ومضمون هذه الآية يدخل فيه كل واحد من أمَّة محمد، فمن الذي يحارب الله عز وجل، ويخرج عن ولايته، ليتبع طريق اليهود بعنادهم وكفرهم عن بصيرة وعلم، أو جهل النصارى وتخبّطهم، حتى أن اليهود أقروا عليهم دينهم، وكلّهم في كفر وضلال، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يسمع بي جنّ ولا إنس، ولا نصارى أو يهود، ثم لم يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار)، نسائلهم: من هو إن كان لديهم علم؟؟!! وندعوهم للمباهلة التي جاءت في سورة آل عمران. ولذا فإننا ندعو أهل الكتاب، بدل هذا الفرقان المزعوم، إلى ما أمر الله نبيّه محمداً عليه الصلاة والسلام، أن يدعوهم إليه، وفيه الخير لهم، وذلك في قول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}سورة آل عمران (64). ونحن عندما نستعرض بعضاً من كل ما جاء في كتابهم هذا، نجعل الحكم بيننا وبينهم هذه الآية، فإن تولّوا فنقول: {اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.} . - فنراهم في كتابهم هذا يقولون فيما سموه سورة السلام: والذين اشتروا الضلالة بالهدى، وأكرهوا عبادنا بالسيف ليكفروا بالحقّ، ويؤمنوا بالباطل أولئك هم أعداء الدين القيّم، وأعداء عبادنا المؤمنين، ونقول إنها حقائق مقلوبة: فمن ذا الذي يكره المؤمنين ليكفروا بالحقّ، فالإيمان ليس بالادعاء ولا بالتمني، ولكنه، ما وقر في الصدر وصدّقه العمل الخالص لله، وفق أمر الله لا وفق الهوى والادعاء. - ويحللّون لأنفسهم القتال في الأشهر الحرم، ويكذبون على الله، ولعلهم يبرّرون بذلك حربهم التي شنّوها في رمضان، وفي الأشهر الحرم، عندما قالوا في فرقانهم هذا: لقد افتريتم علينا كذباً، بأنا حرمنا القتال في الشهر الحرام، ثم نسخنا ما حرمنا فحلّلنا فيه قتالاً كبيراً، سبحان الله ما أحكمه عليهم قديماً وحديثاً بالافتراء على الله، قال تعالى: { وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }سورة الأنعام (137 }. - ثم يتولى كفرهم وبهتانهم على الله في مثل قولهم في سورة التوحيد المزعومة: وما كان لكم أن تجادلوا عبادنا المؤمنين في إيمانهم وتكفّروهم بكفركم، فسواء تجلّينا واحداً أو ثلاثة، أو تسعة وتسعين، فلا تقولوا، ليس لكم به من علم، وأنا أعلم من ضلّ عن السبيل، فهم هنا يؤكّدون التثليث، والله أبطل كذبهم هذا بقول الله الكريم: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } سورة المائدة (73). - ويستنكرون على القرآن الكريم بيان حقيقة تحريفهم للإنجيل والتوراة، فنراهم يقولون في سورة من كتباهم باسم المسيح: وزعمتم بأن الانجيل الحقّ، محرّف بعضه، فنبذتم جلّه وراء ظهوركم. - ثم يتبع هذا اتّهام المسلمين بالنّفاق في مثل قولهم: وقلتم آمنّا بالله, وبما أوتي عيسى من ربّه، ثم تلوتم منكرين، ومن يتبع غير ملّتنا- يعنون بذلك الإسلام كما في الآية الكريمة - ديناً فلن يقبل منه، وهذا قول المنافقين. - وفي سورة الصّلْب قالوا كلاماً كلّه كفر، لأنه مصادم لكلام الله فيما حصل لعيسى عليه السلام فقالوا: إنما صلبوا عيسى المسيح ابن مريم جسداً بشراً سوياً، وقتلوه يقيناً، ولما كان هو اعتقادهم، فلماذا يخدعهم اليهود فيصدر البابا براءة لليهود من دم المسيح حتى يزول العداء فيما بينهم، ويتصافوا ليتعاونوا على الشرّ والفساد. - ويأتي مع الكفر المتأصل، التناقض بالعبادة التالية: ونحن الله الرحمن الرحيم، ثالوث فرد إله واحد لا شريك لنا في العالمين، فأيّ طفل - فضلاً عن الكبير ولو لم يكن عاقلاً - يصدّق وحدانية الله عزّ وجل في هذا السياق الثالوثي السّاذج؟ وأيّ معادلة تحتمل الوحدانية والثالوثيّة، ثم الخاتمة: بأنه لا شريك له.. إنه التناقض والجهل. - وفي سورتهم الثّالوث يأتي الإنكار السّافر لأسماء الله الحسنى، وصفاته العلى كما في الآية الكريمة: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى} سورة طه (8)، ويقول سبحانه: }وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا { سورة الأعراف (180)، فيقولون: إن أهل الضلال (يعنون المسلمين وأنبياء الله كلهم) من عبادنا أشركوا بنا شركاً عظيماً، فجعلونا تسعة وتسعين شريكاً، بصفات متضاربة، وأسماء للإنس والجان، يدعونني بها، ما أنزلنا بها من سلطان، وافتروا علينا كذباً، بأنا الجبار الملك المتكبر المذل، وحاشا لنا أن نتّصف بإفك المفترين، ونُزِّهنَا عمّا يصفون. - وكما هي عادتهم تحريف الكلم عن مواضعه، والكذب على الله، ويقولون ما تصف ألسنتهم بالحلال والحرام، حيث يصفون تعدد الزوجات بالزنى، ففي سورتهم الطّهر يتألون على الله في أشياء كثيرة مثل قولهم: وقلتم إفكاً لا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً، وأمرتم باقترافه مثنى وثلاث ورباع، أو ما ملكت أيمانكم، ولا جناح عليكم إذا طلقتم النساء، فإن طلقتموهن فلا يحللن لكم من بعد حتى ينكحن أزواجاً غيركم، فهل بعد هذا من زنى وفحش وفجور. - ثم يأتي اختلافهم وتجنيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبهم الذي لا يخجلون منه على الله سبحانه في سورتهم الغرانيق، وكأنها سورة النجم في القرآن العظيم، مع تحريف سافر، لأن الغرانيق كانت من وحي الشيطان، كما قال المفسرون، فبعثوها من جديد، فيقولون - عليهم من الله ما يستحقّون : يا أيها الذين كفروا من عبادنا، لقد ضلّ رائدكم وقد غوى، إن هو إلا وحي إفك يوحى، علمه فريد القوى، فرأى من مكائد الشيطان الكبرى، كلما مسّه طائف من الشيطان زجره صحبه فأخفى ما أبدى، وإذا خلا به قال: إني معك، فقد اتخّذ الشيطان ولياً من دوننا، فلا يقوم إلاّ كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المسّ، إذ ينزل عليه رجزاً. وأنت يا أخي المسلم عندما تقرأ هذه الكلمات الجوفاء، والكفر البواح، والتّعدي على الله وعلى رسوله وإنكار الإسلام، وبهذيان كثير من هذه الآيات الشيطانية، تجد أن ما ادّعاه مسيلمة الكذاب، وغيره من الأدعياء الكذّابين للنبوة، وأخبر صلى الله عليه وسلم: أنهم بعددهم الثلاثين بعده كلهم يدعّي النبوة، مع إثمهم وقناعة ادّعائهم، أهون من هؤلاء في آياتهم، التي يلقونها إلى أوليائهم، لأن المتنبئين لم يعتدوا بالكذب والبهتان، وتحريف القرآن الكريم، بمثل ما تطاول به هؤلاء. خيّب الله مساعيهم, وكفى سبحانه المسلمين شرّهم. وإن من يتتبّع ذلك الكذب والتخريف في سورهم ال (66) يرى العجب العجاب، وإنها لنصيحة لكل مسلم أن يحذّر أولاده ومن حوله من أبناء المسلمين بعدم الاطلاع أو السماع لهذا، فالصّغار والمراهقون، قد لا تكون لديهم القدرة على تمييز الغثّ من السمين، إذْ قد يجسّم أمامهم الأمر في قلب للموازين مع الضغط عليهم وبالمغريات حتى تتشبع أذهانهم، ولو ببعض ما يطرحون من شبهات، وما يزوّرون من حقائق. وأذكر بالمناسبة ما حدّثني به أحد المربّين عندنا الأوائل، أن بعض الجامعات نظّمت دورات صيفية لبعض المدرسين والمربّين بأمريكا فلم يستطع المهتمون بالدورة، تحقيق ما هدفوا، لأن المبتعثين فرضوا مكاناً للصلاة، وتوقيف المحاضرات وقت الصلاة، وخاصة في يوم الجمعة، فما كان من الجهة المعنية بالجامعات هناك، إلاّ أن طلبوا قصر الدورات على من ينقص عمره عن 25 سنة أو تلغى نهائياً.. وكان من مشورة الذّاهبين في الدفعات الأولى إلغاء هذه الدورة لأنها تراد حرباً على الإسلام وتعليمهم..وقد تمّ. من معجزات الإسلام روى ابن كثير في تاريخه، بالسند إلى أنس بن مالك، قال: أدركت في هذه الأمة ثلاثاً، لو كانت في بني إسرائيل لما تقاسمها الأمم، قلنا: ما هي يا أبا حمزة؟. قال: كنا في الصفّة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتته امرأة مهاجرة، ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النساء، وأضاف الولد إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة، فمرض أياماً ثم قبض، فغّمضه النبيّ صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسّله قال: يا أنس أتت أمه فأعلمها، فأعلمتها، فجاءت حتى جلست عند قدميه، فأخذت بهما ثم قالت: اللهم إني أسلمت لك طوعاً، وخلعت الأوثان، فلا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحمله، قال أنس: فوالله ما انقضى كلامها حتى حرّك قدميه، وألقى الثوب عن وجهه، وعاش حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحتى هلكَتْ أمّه.قال أنس: ثم جهز عمر بن الخطاب جيشاًَ واستعمل عليه العلاء بن الحضرميّ، وكنت في غزاته، فأتينا مغازينا، فوجدنا القوم قد بدروا بنا، فعفوا آثار الماء، والحرّ شديد، فجهدنا العطشُ ودوابّنا، وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها، صلّى بنا ركعتين، ثم مدّ يديه إلى السماء، وما نرى في السماء شيئاً.قال أنس: فوالله ما حطّ يديه، حتى بعث الله ريحاً، وانشأ سحاباً، وأرغت حتى ملأت الغُدُر والشّعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا. ثم أتينا عدّونا وقد جاوز خليجاً في البحر إلى جزيرة، فوقف العلاء على الخليج وقال: يا عليّ يا عظيم، يا حليم يا كريم، ثم قال: أجيزوا باسم الله: فأجزنا ما يبلّ الماء حوافر دوابّنا، فلم نلبث إلاّ يسيراً، فأصبنا العدوّ عليه، فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال: مثل مقاله، فأجزنا ما يبلّ الماء حوافر دوابنا. قال أنس: ثم ذكرت موت العلاء، ودفنهم إيّاه في أرض لا تقبل الموتى، ثم إنهم حفروا عليه لينقلوه منها إلى غيرها، فلم يجدوه ثمّ، وإذا اللّحد يتلألأ نوراً فأعادوا التّراب عليه ثم ارتحلوا (البداية والنهاية: 319:6).