قبل شهر توضأت فلسطين بدماء شيخها أحمد ياسين، وثمة من قال في حينه (عجباً يخافون من الشيخ المقتول المغسول بدماء وضوئه، وينسون القاتل، بل يكاد بعضهم يذهب إليه لاستغفاره، أو ليطلب إليه أن يترك له أمر التصفية بالتفاوض بدلاً من الرصاص، أو بالفتنة بدلاً من الجهاد) وقبل أن تجف دماء الشيخ المجاهد أحمد ياسين - وهيهات أن تجف - حتى طالت يد الأعداء الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي (طبيب الأطفال) الذي كان بحق نموذجاً لديناميكية القائد المجاهد الذي (أحبه الناس حياً وبكوه شهيداً)، ولا تزال إسرائيل تواصل تهديدها ووعيدها لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الذي حاول الموساد الإسرائيلي اغتياله في عمان عام 1998م إلا ان العملية حالت دون موته وهو اليوم يواجه تهديداً بملاحقته واستهدافه وهذا ما عبّر عنه وزير البرلمان الإسرائيلي. وفوق هذا وذاك ثمة من يرى أن الحرب مستمرة ولن تتوقف وأن الرئيس الأمريكي جورج بوش أعلن أنه يؤيد التوسع في الأرض المحتلة 1967م ويتفهم الرفض الإسرائيلي لحق العودة). وعن هذه الحرب المستمرة وعن المقدسة فلسطين وعن الاغتيالات السياسية خص أبو الوليد (الجزيرة) في حوار طالب فيه الأمة العربية والإسلامية بمساندة الشعب الفلسطيني لنصرة قضيته العادلة وحقه المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي ورؤية حماس لكل مجريات الساحة الفلسطينية، فإلى نص الحوار : * الحرب ضد الإرهاب حرب عالمية و(حماس) وفقاً للتصنيف الدولي (منظمة إرهابية) كيف تفكرون بهذا الإطار في ظل التفسيرات الدولية؟ - من ظلم العالم أنه يقلب الحقائق، يقبّح الحسن، ويحسّن القبيح ،كما كانت الفئات المنحرفة في تاريخ الأمم الذين قال الله تعالى عنهم {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} وهذا جزء من الظلم العالمي الذي تقوم به (القوى المتجذرة) الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل لمحاولة (تقنين الظلم) وهذه بدعة العصر وازدواجية المعايير، ولكن نحن أمة لدينا ثقافتنا ومعاييرنا التي تسمح لنا بالحكم على معاييرنا ومعايير الآخرين وليس العكس، ولذلك جاء الرسول صلى الله عليه وسلم شاهد عيان على البشرية جمعاء {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، ومعاييرنا أن الدفاع عن النفس حق مشروع وتحرير الأوطان حق مشروع، وأمريكا والصهاينة يسمون مقاومتنا إرهاباً لكن هذا لا يعنينا في شيء لأننا أصحاب قضية عادلة ندافع عنها بشراسة لنقول للعالم نحن نمارس حقا طبيعيا في الدفاع عن النفس ولم نعتد على أحد. الشعب الفلسطيني كان آمناً في أرضه، والغزاة قدموا من الخارج فاحتلوا أرضه ودنسوا مقدساته وشردوا نصف هذا الشعب خارج فلسطين والأمريكان مارسوا هذا الحق في حرب الاستقلال، الفرنسيون قاوموا الاحتلال النازي، أوروبا قاتلت أوروبا ومع ذلك سميت مقاومة، لماذا يُحرم الفلسطينيون من هذا الحق، نحن لا نبالي بهذه التصنيفات، على أننا نقرأ التحولات والتغيرات الدولية ولكن الفرق بين أن نقرأ التحولات وبين أن نخضع لمنطقها المتعجرف والظالم. الإرهاب الحقيقي هو ما يمارسه الأمريكيون والإسرائيليون. * إسرائيل مستمرة بانتهاج سياسة الاغتيالات للقادة الفلسطينيين بل وملاحقتك وقادة آخرين داخل وخارج فلسطين، هل هناك آليات لمواجهة هذه السياسة؟ - نحن نستعين بالله ونأخذ بالأسباب ونزيد من إجراءاتنا الوقائية والاحترازية والحذر وهذا شيء طبيعي لأننا نأخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد ثم نترك الأمر لله الذي يحدد الأعمار والآجال {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً}فالذي يحدد نهاية الأجل هو الله تعالى وليس شارون ولذلك لا نتعامل مع التهديدات على قاعدة الخوف وإنما على قاعدة الحذر واليقظة مع الإصرار على نهج التمسك بالمقاومة والحقوق الفلسطينية، وهذه التهديدات ليست جديدة ،مارسها العدو ضد القيادات الفلسطينية عبر العقود السابقة، ولا يزال يمارسها داخل فلسطين وخارجها (وقد سبق لي أن تعرضت لمحاولة اغتيال في عمان 1997م) وهذا يزيد من ثباتنا وقوتنا وعدالة قضيتنا. * البعض يرى في اغتيال الرنتيسي ضربا للتوجه المعتدل في حماس، كيف تقرأ هذه الرؤية؟ - لغة الاعتدال والتشدد يحاول البعض أن يقرأ بها الحركة ويصنف قيادات الحركة من خلال هذه التصنيفات غير الحقيقية وكل قيادات حماس معتدلة مع الشعب الفلسطيني ومع فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية حتى وإن اختلفنا معهم في بعض البرامج السياسية، لكننا في مواجهة العدو المجرم الذي يقتل أطفالنا وشيوخنا ويعيث فسادا في أرضنا ومقدساتنا صامدون ندافع عن أنفسنا بالمقاومة فإذا سميت هذه المقاومة، بالتشدد هذا لا يضيرنا في شيء. والدكتور الرنتيسي هو قائد من قيادات الحركة وينطبق عليه هذا الحال وليس التصنيفات التي يلجأ إليها البعض. بالعكس البعض اعتبر اغتيال الشيخ أحمد ياسين اغتيالا للنهج المعتدل والبعض الآخر يعتقد أن الدكتور الرنتيسي ممثلاً للخط المتشدد وهذا كله ظلم للحركة وقياداتها وعدم فهم حقيقي لرؤية الحركة وطبيعة مواقفها. * في ضوء الحصار المفروض على الشعب والسلطة الفلسطينية ما هي علاقة حماس بالسلطة والمشروع الوطني الفلسطيني. - بالتأكيد إن المصائب تجمعنا المصابينا، هذا الضغط المتلاحق من العدو الصهيوني على شعبنا تقرب الفلسطينيين من بعضهم البعض على مستوى الجماهير والفصائل وبيننا وبين السلطة لأن الجميع مستهدف والمعايير الإسرائيلية الأمريكية لم تعد تقبل أحداً، فتح وحماس وحتى ياسر عرفات أصبح إرهابياً، لأن كل من لديه درجة من درجات الممانعة ضد رؤية شارون للسيطرة والهيمنة وتصفية القضية الفلسطينية يعتبر إرهابياً. وهذا التقارب الوجداني والعاطفي الذي نلمسه على الأرض ونحاول تجذيره وتعزيزه عبر الحوار المتواصل لأجل التوافق على برنامج سياسي مشترك ورؤية مشتركة تعزز الوحدة الوطنية ووضع الآليات التي ندير من خلالها معركتنا ضد العدو المحتل وكذلك لإيجاد مرجعية للقرار الفلسطيني تضمن سلامة القرار واشتراك الجميع في المسؤولية. * إذن ما قامت به السلطة من إلغاء زيارة وفد فلسطيني إلى واشنطن هو إجراء وطني للتقارب مع الحركات الوطنية الفلسطينية؟ - أقر أنها استجابة طبيعية ولا يجوز أقل منها، لكن هذا لا يكفي بعد هذه المجزرة التي يرتكبها شارون من ناحية والتي بلغت الذروة باغتيال شهيد الأمة وزعيم المقاومة الفلسطينية الشيخ أحمد ياسين وكذلك الدكتور الرنتيسي، إضافة إلى الموقف الأمريكي الذي يتسم بالوقاحة والصلف هذا التحالف الشرير بين الكيان الصهيوني بقيادة شارون وبين اليمين المسيحي المحافظ المتصهين بقيادة بوش يشكل دافعاً لنا لمزيد من خطوات المواجهة ،هذه معركة إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية ضد الأمة، لذلك على الامة أن تقوم بواجبها وعلى الإخوة في السلطة الفلسطينية أن يقتربوا أكثر من شعبهم ويضعوا حداً لمشروع التسوية - لأن التسوية فشلت وأدعو الأخ أبو عمار والسلطة الفلسطينية إلى الإعلان الرسمي عن موت عملية السلام والتسوية وتحميل شارون وبوش مسؤولية الفشل والعالم عندئذ سيتفهم هذه الخطوة في وقت تراجعت فيه الإدارة الأمريكية حتى عن الأسس التقليدية للموقف الأمريكي في عملية التسوية فلماذا نراهن عليهم، ينبغي أن تكون هنالك مصارحة للشعب الفلسطيني والشعوب عامة، إن التسوية فشلت ولا مبرر لها ومن حقنا كفلسطينيين أن نبحث عن خياراتنا الأخرى ولدينا خيارات حقيقية في الصمود والمقاومة والتمسك بالحقوق على قاعدة الوحدة الوطنية الراسخة ونطلب من الأمة أن تقف معنا وتدعمنا في هذا الموقف الجاد. * هل تسقط فكرة الانسحاب الإسرائيلي من غزة؟ - أنا لا أسقطها ولكن الانسحاب مبادرة صهيونية بقيادة شارون تأتي في سياق الخداع والتضليل وتجزئة القضية الفلسطينية وإشغال الفلسطينيين بها وأن ندرك السياق السياسي الذي تأتي به هذه المبادرة. هناك أولوية فرضت نفسها هي كيف نتصدى لهذه الحرب الشعواء التي أعلنها شارون ضد الشعب الفلسطيني؟ كيف نوحد صفوفنا الداخلية؟ كيف نحشد الجهد العربي والإسلامي معنا؟ ثم بعد ذلك نتفرغ للاحتمالات القائمة. الانسحاب من غزة قد يحصل وقد لا يحصل ولكن المقاومة كفيلة بدحر الاحتلال لكن هناك أولوية تفرض نفسها هي أن شارون يريد إذا انسحب من غزة أن يدمر عوامل الصمود وهذا ما ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار. * تحدثت حماس عن (شراكة الدم والقرار) في إدارة قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي؟ هل ستشاركون فعلاً في إدارة القطاع؟ وكيف؟ - عندما يحدث الانسحاب سوف نتعاطى معه بكل جدية ومسؤولية ونحن جادون بالمشاركة في إدارة القطاع مع جميع فصائل القوى الوطنية الفلسطينية على قاعدة أن القطاع أرض محررة بفعل المقاومة وليست على قاعدة أن الانسحاب جاء بسبب التسوية وبالتالي نحن نتعاطى مع أرض محررة دون أن ندفع ثمنا سياسيا للعدو الصهيوني أما كيف سنشارك فيترك لحينه. * أشارت تقارير فلسطينية إلى نية (حماس) المشاركة في أعمال القمة العربية في تونس، هل ستشاركون في القمة؟ وما هو برنامجكم السياسي في حال المشاركة؟ - كانت هناك فكرة للمشاركة في القمة العربية بعد اغتيال الشيخ الشهيد أحمد ياسين من أجل تعزيز الموقف الفلسطيني وحتى نقول للعرب في قمتهم أن أبناء الشعب الفلسطيني موحدون وأتيناكم صفاً واحداً لتقفوا معنا هذه فكرتنا لكننا فوجئنا بتأجيل القمة، أما عن القمة القادمة فإن الأمر مرهون بظروفها، وما يهمنا الآن هو إيصال رسالة أساسية لأمتنا أننا موحدون رغم اختلافات الرؤى السياسية لكن المعركة وحدتنا وجعلتنا نتقارب أكثر وعلى العرب أن يتحملوا مسؤولياتهم ليقفوا إلى جانب الشعب الفلسطيني. * في ظل ظروف دولية تتسم بالقلق والترقب، كيف تقيمون الموقف الرسمي العربي؟ - للأسف الشديد الموقف الرسمي في منتهى الضعف وهذا الموقف غير مبرر بمعنى أن المواقف الرسمية العربية استسهلت هذا الموقف الضعيف بسبب اختلال موازين القوى وبسبب طبيعة الهجمة والضغوط الأمريكية إضافة لاحتلال العراق والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة، هذه عوامل يحتج بها العرب ليبرروا ضعف موقفهم وانعدام خياراتهم وكأن القدر القسري والمتاح لنا هو الهزيمة والاستسلام والقبول بالرؤية الأمريكية والصهيونية مع وجود بعض ممانعة في عدد من الأقطار العربية وهذا أمر غير مقبول لأن العرب لديهم خيارات حقيقية، صحيح أن الخطر عليهم كبير وميزان القوى ليس في مصلحتهم حالياً لكن إذا كانت هذه العوامل تُشعر بصعوبة الموقف فإنها بنفس الوقت تحفز الهمة وتُشعر بالخطر الذي يدفع أي عربي ومسلم يعتز بثقافته وتاريخه وجذوره الراسخة في أعماق التاريخ ليستجمع كل ما لديه من طاقة لمواجهة هذه القوة. الشعب الفلسطيني رغم أنه شبه أعزل إلا أنه صامد في وجه المشروع الصهيوني، الفلوجة نموذج لقدرة الشعب على الصمود عندما تكون هناك إرادة، وجنين ورفح نماذج متكررة وبؤر مضيئة تؤكد أن خيار الصمود يؤدي إلى الانتصار والقادة العرب قادرون على هذا إذا امتلكوا الإرادة والتحموا مع شعوبهم، وهذا هو الخيار الأضمن للحفاظ على الأنظمة لأن الشعوب واعية ولن توجه غضبها نحو الأنظمة بل نحو العدو الخارجي وفي هذا مصلحة للجميع وإلا إذا بقينا على حالنا الراهن فإن الكل مهدد ولن يحمي أحد نفسه لأن السياسات الضعيفة لا تحمي أصحابها وهذا سيغري عدونا وسيدفع عدونا لأن يصطادنا واحداً بعد الآخر وأن يغير نظاماً بعد الآخر خاصة تحت عنوان (مشروع الشرق الأوسط الكبير) بحجة تصدير الديمقراطية. * ربط مقتدى الصدر ورموز معروفة في العالم الإسلامي نضالهم ضد أعدائهم بنضالكم ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى إن كثيرا منهم توعد بالانتقام للشيخ أحمد ياسين، كيف تقرأون في حماس هذه الإشارات الجديدة؟ - القضية الفلسطينية شأن عام - وليست شأنا خاصا - ومن حق كل مواطن عربي أو مسلم أياً كان فكره أو برنامجه اتفقنا معه أو اختلفنا من حقه أن يبادر بقناعاته هذا شيء طبيعي وخاصة أن الجريمة الصهيونية اليوم تستفز الحجر والصخر وجريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين المقعد على كرسيه والمشلول وهو الذي يمثل الرمزية الدينية والرمزية النضالية من الطبيعي أن تكون هناك ردود فعل على هذه الجرائم البشعة. لكن ما نتمنى أن تكون ردود الفعل مرشدة بحيث تخدم القضية بشكل صحيح، نحن في داخل فلسطين نقاتل العدو لكن ماذا على الأمة؟ على الأمة في ساحاتها المختلفة أن تقوم بواجبها، لا يجوز ترك العبء وحده على الشعب الفلسطيني، كل واع في الأمة يدرك أن واجبه ليس نصرة الشعب الفلسطيني وحسب بل الدفاع عن نفسه لأن الخطر يداهم الجميع، لا يزعجنا أن تكون هناك مبادرات في الساحة العربية والإسلامية لكن يهمنا أن تكون مرشدة وجادة وليست ضعيفة حقيقية وليست شكلية. * هل ترى أن إسرائيل جادة باستهداف مواقع سورية أو لبنانية بذريعة الحرب ضد الإرهاب وملاحقة قادة فلسطينيين تقول إسرائيل إنهم إرهابيون؟ - لا حدود للعدو الصهيوني سواء كان في داخل فلسطين أو خارجها، وهم مارسوا هذا العدوان داخل لبنانوسوريا وبالتالي العدو الإسرائيلي يتوعد وسبق أن نفذ وعيده وضرب منطقة عين الصاحب في سوريا، وينبغي التعامل مع هذه التهديدات على محمل الجد وأن تكون الأمة متحفزة لمواجهة هذه المخاطر.